الجريدة اليومية الأولى في البحرين


قضايا و آراء


مركز الشيخ إبراهيم ودوره الثقافي

تاريخ النشر : الخميس ١٩ أبريل ٢٠١٢



لقد اطلعت على عمود (تغريدة) للكاتب (فواز الشروقي) المنشور في جريدة الأيام بتاريخ 4 ابريل 2012م، والمعنون بـ «لكي لا تصبح المحرق زوجة ثانية».. وعما حملت مغازي هذا العمود مصداقية الدفاع عن الفعالية الفنية التي أحيتها الفنانة اللبنانية (إيمان حمصي) في قاعة مركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث.. بقدر ما توجه كاتب العمود بنقده اللاذع والايجابي البناء إلى قوى من تيار الإسلام السياسي.. وخاصة منها القوى السلفية وزعامات الإخوان المسلمين، التي مثلت (عقبة كأداء) أمام تلك الأمسية الفنية من الأغاني الدرامية العريقة والمقطوعات الكلاسيكية الراقية، التي بقدر ما حملت الأمل في النفوس وخففت الوجع في القلوب وعكست الوجه الحضاري «أصالة وتجديدا وتراثا ومعاصرة».. فإن تلك الأمسية اتسمت بوهج الحضور الحاشد، والمتجلي بسمو المكانة العائلية، وبطابع من رقي المشاهدين، وعلو جمهور الحاضرين.
وفي ذات السياق يمكن القول إن الكاتب (فواز الشروقي) حينما تطرق من خلال عموده قائلا «لن ألوم الشباب أبدا إن كانوا يتصورون أن الفعالية ربما كانت وصلة رقص شرقي وكانوا يتوهمون أن جميع الداخلين للقاعة سيقومون بشق الأنواط الرقاصة».. فإن الكاتب عبر جملته يحاول مخلصا بنية الانسان الحريص الساعي إلى تليين المواقف المتشددة لهذه الجماعات .. والعمل على ثنيها بل إقناعها بإعادة النظر وتقويم الخلل إزاء فداحة أخطائها التي ارتكبتها بحق (المركز والحريات الشخصية) من دون وجه حق، هو حينما احتشدت أمام مركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث، وسدت مداخله ومنافذه، بعسف احتجاجاتها، وحيف امتعاضها التي أنزلتها على مفاصل تلك الفعالية الفنية التي أقيمت بالمركز في تلك الليلة المضيئة، التي حولتها هذه الجماعات إلى ليلة مظلمة تطاردها وصايا المتعجرفين وفتاوي الظلاميين.
ولكن على الصعيد ذاته فإننا نستميح الكاتب (فواز الشرقي) عذرا بمخاطبته بالقول «إن مساعيك إلى اقناع هذه الجماعات بالعدول عن مواقف متعجرفة متطرفة كهذه تتبناها دوما.. هي مساع مثالية وطوباوية لا تلبث وان تتلاشى هباء أدراج الرياح».. لطالما قوى تيار الإسلامي السياسي بشقيه اتصفت بعقول كالصخر، بسبب تأصيل الخطاب الديني في أغوارها ومكنوناتها وما بين جنبات عقولها، ومن ثم تفردها بهذا الخطاب الديني المتسم بنصوص «المفارقة الدينية والميتافيزيقية» غير القابلة من وجهة نظر هذه القوى للحوار ولن تخضع لمبدأ الاجتهاد.. واقتران هذا الخطاب الديني بـ «أجندة» الفكر النمطي ذي البعد الواحد وذي الصورة النمطية الأحادية الجانب، والمنصهرين في بوتقة الثيوقراطية الدينية .. تدعم ميكانيكية النقل على حساب جدلية العقل.. وحفز العاطفة على حساب تهميش العقل.. سواء اعتماد خطاب هذه القوى الثيوقراطية الدينية «النص والحاكمية أو ولاية الفقية».. منطلقاتها فتاوى (مرجعياتها الدينية) أو (وصايا مرشديها الحزبية).. التي تحمل في جوهرها بذرة العداء لجميع مظاهر التقدم والحداثة والتنوير وحرية الرأي والفكر والتعددية .. ولكل ما يمت إلى فنون الموسيقى والغناء، والإبداعات المسرحية والأدبية والثقافية بصلة، لأن الفن من وجهة نظر هذه القوى حرام والموسيقى حرام والديمقراطية كذلك حرام.. حسبما دأبت هذه الجماعات على محاربة حرية المرأة وتهميش حقوقها، بل دعوتها إلى العودة إلى (بيت الطاعة) وإلزام هذه المرأة بالحشمة وارتداء الحجاب والنقاب.. ناهيكم عن إقامتهم سدود الظلام المنيعة ما بين المرأة والرجل، بمحاولاتها الدؤوب بفصل الجامعات.. جامعات للطلبة وجامعات للطالبات.. ومحاربتها ربيع الثقافة والمشاريع السياحية.
إنه من الأهمية بمكان القول ان ما أقدمت عليه الجماعات الاسلامية من تجاوزات وانتهاكات سلوكية وخروق قيمية واجتماعية، بتعكيرها صفو الجو لذلك الحفل الذي أقيم في مركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث في اليوم الثاني من شهر ابريل 2012م، عبر عملية التحشيد والتحريض والتجييش واثارة الفوضى والبلبلة باعتراض مرتادي الحفل والزائرين طريقهم، وسد ممرات المركز أمامهم، اقترنت هذه الفوضى بالتكبير والتهليل و العبارات النابية للمرأة، ورفع الشعارات والعبارات المعادية للحفل وللقائمين على الحفل وعلى رأسهم وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد ال خليفة.. فإن هذه الجماعات تؤكد دوما أفكارها الاقصائية.. ولكن هذا المركز الحضاري.. مركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث الذي يحتضن المنتديات الفكرية والأدبية، والفعاليات الثقافية والفنية والمسرحية، التي يحييها المفكرين والمبدعين.. سيظل معلما شامخا يمثل أبرز معالم حضارة مملكة البحرين، تتقزم أمام هذا (الصرح) قوى تيار الاسلام السياسي المتشددة.
وحسبما نفخر في نهاية المطاف بما ورد في عمود الكاتب (فواز الشروقي) لاتسامه بفكر نير ومستنير، واجه صاحبه وكاتبه بشجاعة، الفوضى العارمة التي خلقتها قوى التشدد والغلو والتطرف في تلك الليلة المفصلية.. فإن الكلمة تظل أمضى من حد السيف.