قضايا و آراء
البورصة العقارية: مفهومها وأهميتها وإمكانات إقامتها بمملكة البحرين
تاريخ النشر : الخميس ١٩ أبريل ٢٠١٢
مع تنامي أهمية القطاع العقاري في دول مجلس التعاون الخليجي خصوصا والدول العربية عموما بعيد مطلع القرن الحالي، برز العديد من الدعوات لانشاء بورصات عقارية اسوة ببورصات الاوراق المالية، وظهرت إلى العلن شركات بورصة ومواقع بورصة الكترونية مملوكة للقطاع الخاص، وكلها تؤكد اهمية البورصة في تنظيم وحفز الاستثمار العقاري، وتحقيق العدالة في عرض الفرص المتاحة أمام جميع المستثمرين وبما يسهم في زيادة المنافسة وتسريع عمليات البيع والشراء للمنتجات العقارية بشكل مباشر، لكن تلكم الدعوات خبت بعد اهتزاز الاسواق العقارية اثر تداعيات الازمة المالية العالمية التي كانت اصلا ازمة في سوق الرهن العقاري قبل ان تتحول إلى ازمة مالية ومن ثم اقتصادية، الا انها عاودت الظهور مع التعافي النسبي الذي شهدته الاسواق العقارية في دول المجلس منذ مطلع عام 2010، وعد ذلك خطوة إيجابية لدعم حركة السوق العقارية المحلية والاقليمية. ووصلت الدعوات ذروتها حينما تم اعلان بمقر جامعة الدول العربية إطلاق أول بورصة عقارية عالمية بمشاركة عربية ودولية لتنمية وتطوير الاستثمار العقاري في العاشر من مارس 2011، وتوقع مؤسسوها (الامانة العامة للشئون الاقتصادية بالجامعة العربية ، ومجموعة البورصات العقارية العالمية) إمكانية بدء اعمالها خلال عامين من انشائها، معلنين انها تهدف إلى الانتقال بالأسواق العقارية العربية الراهنة إلى نمط جديد ينأى بها عن المضاربات والبيروقراطية ويحقق لها فضائل المنافسة عبر اعتماد اليات العرض والطلب، بما ييسر جذب رؤوس الأموال العربية والأجنبية ويتيح المزيد من الاستثمارات في البنى التحتية ومن ثم تسريع النمو الاقتصادي وتوفير وظائف جديدة للشباب العربي. وجاء المشروع تنفيذا لمقررات القمتين العربيتين الاقتصاديتين المنعقدتين في الكويت عام 2009 وفي شرم الشيخ عام 2011، حيث أوصتا «بضرورة دعم القطاع الخاص العربي من خلال إطلاق مشاريع عربية مشتركة تسهم في دعم مشاريع الاقتصاد الحقيقي ومشاريع التنمية المستدامة في مختلف القطاعات والأنشطة».
ولا تختلف مملكة البحرين عن غيرها من الدول العربية في دعوة العديد من المهتمين بالشأن العقاري إلى اهمية انشاء بورصة عقارية، فهل المرحلة الراهنة ملائمة لاطلاق بورصة عقارية؟ وهل سيسهم ذلك بمعالجة او على الاقل الحد من المشكلات والتحديات التي تواجه السوق العقارية بالمملكة؟
وقبل الاجابة عن هذه الأسئلة لابد من توضيح مفهوم البورصة العقارية، التي تعني سوقا منظمة للمتاجرة بالمنتجات العقارية من اراضٍ ووحدات اسكانية وتجارية وفق إطار قانوني محدد وتقييما موضوعيا لما مدرج فيها من منتجات وفقا لمؤشرات ومعايير متعارف عليها. وهي آلية للتسعير والتثمين العادلين للمنتجات العقارية. اي أنها سوق عقارية مركزية تعرض فيها المنتجات العقارية على مختلف أنواعها، وتنشأ شركة لادارتها، كما هو الحال في سوق الاوراق المالية.
و تهدف البورصات العقارية الى:
1-ايجاد سوق عقارية أولية بأدوات تمويل غير تقليدية لتوفير السيولة النقدية لسد فجوة تمويل المشاريع العقارية.
2- زيادة مستوى كفاءة وشفافية السوق العقارية والابتعاد بها عن سيطرة كبار الملاك والمستثمرين العقاريين.
3-استيعاب المشاريع العقارية الصغيرة والمتوسطة والكبيرة ضمن حاضنة متخصصة.
4- الحد من عمليات البيع العشوائية والتعاملات غير النظامية وهو ما سينعكس ايجابا على القطاع العقاري.
5-ايجاد سوق عقارية ثانوية ذات تقنيات عالية لتسهيل التداولات العقارية الانية.
6-استيعاب رؤوس الأموال الصغيرة ، بالاضافة إلى رؤوس الأموال الأجنبية للمساهمة في مشاريع التنمية.
7- توفير التسعير والتصنيف العادلين للمشاريع والمنتجات العقارية وتمكين المستثمرين من الحصول على تقارير إفصاح دورية وتوفير خيارات متعددة لتنويع الاستثمار.
8-مساعدة المواطنين على شراء المساكن التي تناسبهم باقل سعر ممكن.
9-توفير قناة مرنة لتخارج الشركاء المؤسسين من ذوي الاستثمار قصير الأجل.
10-توفير قواعد بيانات تاريخية يمكن الرجوع إليها لمعرفة اتجاهات ومؤشرات تداولات السوق العقارية.
11-اختصار الوقت والجهد في البحث عن الفرص الاستثمارية العقارية المناسبة.
12- تنظيم العلاقة بين المالك والمطور والمشتري والمساهم.
وحيث ان السوق العقارية بمملكة البحرين تعاني في الوقت الحاضر حزمة من الاختلالات منها ما هو مزمن ومنها ما نجم عن تداعيات الازمة المالية العالمية واسقاطات الأوضاع الامنية والسياسية التي شهدتها المملكة عام 2011 وحتى الوقت الحاضر وادت إلى حدوث ركود في عرض المنتجات العقارية وضعف في الطلب على التجاري منها وتراجع في اسعارها، مع ارتفاع في الطلب على الوحدات الاسكانية التي تلائم ذوي الدخل المنخفض والمتوسط علاوة على ارتفاع رسوم التسجيل العقاري وعدم واقعية قرارات تثمين العديد من المعاملات العقارية، وتضارب في المعلومات العقارية الناجم عن ضعف ومحدودية الإحصاءات والمعلومات العقارية الرسمية، وعدم وجود مؤشرعقاري دوري بالرغم من الصغر النسبي للسوق العقارية، مما يقود إلى قراءات وتوقعات وبالتالي قرارات خاطئة ناجمة عن المعلومات والمؤشرات التي يتم تداولها من خلال التقارير غير الرسمية الامر الذي قد يوقع صغار المستثمرين العقاريين في مأزق. لذا وفي ضوء هذا التوصيف لقسم من مشكلات السوق العقارية، ولاجل المزيد من التنظيم والحوكمة للسوق واعادة تفعيلها ينبغي التفكير جديا والمقرون بدراسة معمقة لامكانية انشاء بورصة عقارية، ولاسيما ان المملكة تمتلك العديد من المقومات الضرورية لانشائها مثل:
1-توافرخبرات طيبة في مجال سوق المال يمكن ان تكون ركيزة اساسية لانشاء البورصة العقارية.
2- القطاع العقاري في المملكة يستند إلى قواعد ومقومات وبنية تحتية تعد قوية نسبيا، مما ييسر انشاء بورصة عقارية ذات آليات عمل متطورة ومنظمة بحيث تواكب ما يحدث في دول العالم المتقدمة.
3- السياسة العقارية في مملكة البحرين تعد جاذبة للاستثمارات الوطنية والاجنبية ، ووجود البورصة العقارية يدعم ذلك.
4- المستوى المتطور من النظم والضوابط والرقابة التي يعتمدها مصرف البحرين المركزي على المؤسسات المالية والمصرفية التي اسهمت في ترصين النظام المالي والمصرفي في المملكة، يمكن ان تكون مدعاة لوضع حزمة من النظم والضوابط الموجهة لمسار البورصة العقارية. لكن يبقى القول ان البورصة العقارية تتطلب تحديث واستكمال منظومة التشريعات والنظم العقارية التي لاتزال قديمة نسبيا، كقانون الايجار، وقانون الاستثمار والتطوير العقاري، وقانون الرهن العقاري ، وقانون الوساطة العقارية وغيرها من التشريعات.
وختاما لابد من القول إن البورصة العقارية مثلما يمكن ان تحقق منافع عديدة للمواطنين وللدولة ومؤسساتها ذات العلاقة بالشأن العقاري وللاسرة العقارية من شركات التطوير والاستثمار والوسطاء والمقاولين وغيرهم علاوة على تنميتها للثروة العقارية الا انها ايضا توفر بيئة خصبة للمضاربات الضارة اسوة بمضاربات اسواق الاوراق المالية، مالم يتم احكام نظمها ومراقبتها وادارتها.
* أكاديمي وخبير اقتصادي