بريد القراء
سيدة عظيمة من الحورة
تاريخ النشر : الخميس ١٩ أبريل ٢٠١٢
من تكون تلك الأم الحنون التي وقفت ضد الصعاب في الحياة والمعيشة الضنك؟
من تكون تلك السيدة الفاضلة التي عملت جاهدة على تربية أولادها السبعة وأختهم في ظروف صعبة وقد كان والدهم طريح الفراش فترة طويلة من الزمن وكان قدرها أن تواجه تلك المسئولية اذ كان أكبر أولادها لا يزال طالبا في المدرسة ويحتاج إلى مصاريف لكي يواصل مشواره التعليمي؟
من تكون تلك السيدة التي عملت على تربية المواشي في بيتها كي تبيع الحليب على الجيران ومن حولهم وبذلك تحصل على قوت يومها مما تكسبه من تلك المهنة، والذي كان يساعدها على مواجهة مشاكل الحياة في تربية هؤلاء الأطفال واحتياجاتهم المتواصلة من دون نهاية من لباس ودراسة ومأوى يحميهم من برد الشتاء؟ هل تذكرون يا من عشتم في الحورة (البحبوح) تلك الرحلات البرية والرحلات إلى برك السباحة ذات المياه الارتوازية النابعة من تحت الأرض؟ وهل تذكرون هذه السيدة التي كانت المنسق الوحيد لتفعيل كل تلك الأمور التي من الصعب على أي رجل أن يديرها؟
من تكون تلك المرأة التي تجلب لنا المأكولات كل صباح من مسافات طويلة بعيدة عن منطقة الحورة وقد كنا ننتظرها بجانب منزلها بفارغ الصبر واللهفة إلى أن تصل وهي حاملة على رأسها تلك الكمية الكبيرة والثقيلة وتكاد أن تقع من شدة التعب؟ لقد كانت امرأة بمعنى الكلمة، وكان النور يشع من وجهها الطاهر، نعم هي امرأة بعشرة رجال.
من تكون تلك المرأة التي وقفت مع شباب الحورة قديما ضد الاستعمار الإنجليزي في فترة الستينيات بمجهودها الكبير في تخفيف آلام الشباب من إصاباتهم بعد كل مظاهرة ينهونها ومواجهتهم رجال الأمن، وهي من يعمل على تطبيبهم في نفس الوقت؟ لقد كانت محبوبة لدى الجميع صغارا وكبارا.
من تكون تلك المرأة الوحيدة التي تفرح متى انتصر فريق نادي العربي لكرة القدم وكانت تستقبل جميع اللاعبين بالورود والمشموم وكأنها تستقبل موكبا كبيرا ذا شأن عظيم وتهتف بصوت عال (يعيش فريق العربي) وهي فرحة من كل قلبها ودموعها واضحة في عينيها؟ تلك المرأة التي كانت تفرح بفرح شباب الحورة وقلبها ينبض بكل الحب والحنان لأبناء منطقتها.
من تكون تلك السيدة التي حرمت نفسها من أغلب الأشياء الجميلة التي كانت تستحقها قبل غيرها وعملت على تربية أولادها وكان مصدر رزقها الوحيد من المواشي وبيع المأكولات البسيطة على أطفال المنطقة وربحها البسيط من الرحلات الصيفية المفرحة والترفيه عن جميع أهالي الحورة وأيضا بيع السمبوسة والمشموم والورد المحمدي.
أنا أعرف من تكون فهي أمي الثانية التي أرضعتني ولم تلدني، هي من رقص في ليلة زواجي وضمت أولادي إلى صدرها الحنون.
اليوم وبعد تلك السنين والتعب الشديد في تربية أولادها ورحيل زوجها عن الدنيا، هذا هو حصاد سنيها يشرفها ويشرف الجميع سبعة رجال من خيرة منطقة الحورة، مناصب مرموقة في المجتمع نفتخر بهم جميعا فهم محبوبون لدى الجميع.
بعد كل هذا طبعا عرفتم من تكون فأنا أناشد كل من عرفها من خلال هذه الكلمات أن يزورها في منزلها فهي تحتاج الى دعواتكم لأنها تستحق كل التقدير... هي أم الحورة.
صالح بن علي