بين السطور
الأعشاب القاتلة
تاريخ النشر : الخميس ١٩ أبريل ٢٠١٢
صلاح عبيد
في محلات بيع الأعشاب الطبية والمستحضرات العلاجية الشعبية ــ المعروفة محليا باسم (الحواج) ــ يباع نوع من الأعشاب اسمه (زراوند) يستخدم منذ قرون طويلة في علاج بعض أمراض المسالك البولية، ليس في البحرين والدول العربية فحسب بل وفي كثير من دول العالم وخصوصا الصين ودول جنوب شرق آسيا، لكن العلم الحديث كشف مؤخرا أن هذا العشب يحتوي على مادة سامة جدا تسبب الإصابة بالفشل الكلوي وسرطان مجرى البول!
الدراسة التي أجراها فريق من العلماء على 151 مريضا بسرطان مجرى البول في تايوان والذين سبق لهم استخدام هذا العشب فترة طويلة في التداوي من بعض الأمراض توصلت إلى أن هذا العشب يحتوي على مادة حمضية تسهم بشكل أساسي في الإصابة بهذا النوع من السرطان، كما وجدوا أن 83 في المائة من المرضى لديهم دليل في الكلى على تغيرات في الحمض النووي ترتبط بالمادة السامة الموجودة في تلك الأعشاب، والتي ترتبط بتكون الأورام السرطانية.
لقد كان العلماء منذ زمن طويل ومازالوا يحذرون من مخاطر استخدام الوصفات العشبية للتداوي من الأمراض قبل إخضاع مكوناتها للفحص المختبري وإجراء دراسات موسعة على تأثيراتها الدوائية وآثارها الجانبية والكميات الآمنة منها على صحة الإنسان، لكن معظمنا لايزال للأسف يتجاهل تلك التحذيرات، بل البعض يستغنون بتلك الوصفات استغناء تاما عن الأدوية الحديثة ظنا منهم أنها تحتوي على مخاطر جمة على صحتهم أو أنها غير فاعلة بالدرجة التي ترضيهم أو أنها مجرد سلع تجارية باهظة الثمن تستغل الشركات المصنعة لها حاجة الناس إليها لجني الأرباح الطائلة، وهذه الظنون كلها حتى لو كانت صحيحة فإن المنطق العقلاني يفترض التوقف عن استعمال أي مستحضر علاجي عشبي لم يتم إخضاعه للدراسة والتمحيص، ويفترض منا جميعا تكثيف مطالبة دولنا بإنشاء مختبرات متطورة لفحص كل الأعشاب الطبية التي تباع في أسواقنا وإجراء الدراسات عليها لاستخلاص المواد الفاعلة فيها وتصنيعها في شكل أدوية آمنة للاستخدام البشري، وهو ما يمكن تحقيقه بفتح المجال واسعا أمام تأسيس شركات أدوية محلية ودعمها بكل الإمكانيات من قبل حكوماتنا لإنشاء صناعة دوائية محلية تحقق لنا الأمن الدوائي والاستغناء قدر الإمكان عن منتجات الشركات التجارية الأجنبية التي تتاجر بمعاناة المرضى وآلامهم.
إننا في حاجة ماسة بدول مجلس التعاون الخليجي إلى توجيه بعض استثمارات صناديقنا السيادية نحو إنشاء تلك الصناعة الدوائية المحلية وإشراك القطاع الخاص في تلك المشاريع الحيوية الضرورية لأمننا حاضرا ومستقبلا، والتي تقدم أيضا فرصا لتوفير وظائف جديدة للعمالة الوطنية، واستقطاب كفاءات عالمية في مجالات البحوث الدوائية تنقل خبراتها العلمية الثرية لأبنائنا خريجي كليات الصيدلة والعلوم الذين سيعملون تحت إشرافها وتوجيهها في إجراء البحوث والدراسات والفحوص المختبرية وابتكار التركيبات الدوائية الناجعة من مختلف الأمراض والعلل.
إن العمل الجاد على إنشاء صناعة دوائية خليجية مرموقة هو ضرورة لابد منها إذا أردنا حماية شعوبنا من الاستغلال الدوائي لها من قبل الشركات العالمية، ومن مخاطر التركيبات العشبية البدائية التي تروجها محلات العطارة في دولنا اعتمادا على وصفات وردت في كتب الطب القديمة التي مضى عليها عدة قرون أو على تجارب شخصية كثيرا ما تسبب أضرارا خفية أكثر بكثير من منافعها القليلة الظاهرة.
salah_fouad@hotmail.com