الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أفق


حزبُ الشعبِ الإيراني (توده) بين التحلل والجمود (1-2)

تاريخ النشر : السبت ٢١ يناير ٢٠١٢

عبدالله خليفة



تلعب القوى الديمقراطية والتقدمية أدواراً مهمة في تحقيق التحولات في حياة مجتمعات الخليج وإيران والعراق، هذه البلدان التي تتقارب عملياتها الاجتماعية والسياسية وتحدث بينها إشكاليات مشتركة بسبب الماضي المحافظ ومغامرات النظام الإيراني الحالية.
ويمثل ميراث الأحزاب التقدمية الشمولي ثم تذبذبها وانتهازيتها عوائق كبيرة لتحولها ولرفد المنطقة بقوى نضال مجربة وتوحيد الشعوب درءًا لحربٍ يطبخها النظام الإيراني ووقودها الناس والمؤسسات الاقتصادية والبيئة والحياة.
ويعطينا نموذجُ حزب الشعب الإيراني (توده) تجربة مهمة بهذا الصدد، وخاصة حين يقوي مثل هذا الحزب دوره ويسهم في توحيد القوى الليبرالية والقومية والإسلامية والتقدمية ضد أخطار الحرب المحتملة فيعود لموقعه المهم لوضع حد لحكم دكتاتوري ظلامي أرهق الشعوب ويعدها لكوارث هائلة.
لقد قاوم هذا الحزب نفسه عمليات توسيع الحرب الإيرانية - العراقية ونقلها لداخل العراق، فبدأت ضده حربٌ خاصة، وتمت عبر الفبركات التلفزيونية وبالادعاء بمؤامرات غير موجودة شملت التيارات اليسارية والليبرالية والدينية كافة ، كحركة نهضة الحرية وغيرها.
وتم كذلك القيام بتفجيرات واتهام المعارضين بها ويذكرنا هذا بالطريقة الحكومية السورية الراهنة لذبح المعارضة، وقد قُمعت الأحزابُ والشخصيات الوطنية الإيرانية بشكل دموي، وهو أسلوب سوف يتفجر أثناء الانتفاضة ضد تزييف الانتخابات ويتوسع في سوريا ضد الثورة.
ولكن النظام العسكري الفاشي تم تصعيده من قبل الجماهير الأمية والمخدوعة ومن قبل حزب الشعب الإيراني (توده) نفسه.
يهمنا هنا قراءةُ وعي كيانوري سكرتير عام حزب توده المسئول عن هذه السياسة الذي كان في السجن ومتهما من قبل النظام الدكتاتوري ثم يُعدم بعد ذلك وقد تم تعذيب أهله ورفاقه، فاستطاعت الفاشية الحاكمة أن تضرب مختلف القوى السياسية وتستغل صراعاتها وتستغل بحقد ضار كهنويتها وظلاميتها في سحل التقدميين الأعداء الألداء لها الذين فضحوا استغلالها للمؤمنين.
يقول كيانوري في رسالةٍ مطولة للمرشد يطلبُ اللجوء فيها إلى القانون وعدم تعذيبه وأهله ورفاقه وإطلاق سراحه وينفي عن نفسه التآمر مع الاتحاد السوفيتي وقتذاك للإطاحة بالنظام:
(كما تعلمون صيف عام 1988 ميلادية تم إعدام أعداد كبيرة من السجناء في سجون طهران وأوين ورجائي شهر ومن بينهم أعداد كبيرة من السجناء التودويين الذين ليس لهم أدنى علاقة مع مجاهدي خلق، بل بالعكس، فقد كانوا هدفاً لحملات عدائية من قبلهم. ويكمن السبب في هذا العداء ضد السجناء التودويين هو أن السجناء التودويين حتى أولئك المحكومون بالإعدام كانوا يساندون الجمهورية الإسلامية ونهج الإمام).
في وعي كيانوري نجد هذه التعميمات المطلقة: الجمهورية، والإسلام، ونهج الإمام، وهي مصطلحات تغيّبُ القراءة الموضوعية للتطور في إيران حيث لا يستطيع قراءة كون نهج المذهبيين السياسيين هنا هو جزء من ثقافة محافظة إقطاعية مغايرة لتطور العناصر الديمقراطية الثورية في الإسلام الأول، ويتوهم بالتالي أن الحكام الحاليين في بلده هم امتداد لهذا التاريخ.
إن عدم تحليل التاريخ ومساره يتعاضد مع تغييب الطابع الاجتماعي للحكام الطائفيين الذين ظهروا من بين الفئات الريفية المرتبطة بالإقطاع التي أستولت على الحكم وصعدت آلة الدولة العسكرية.
وهذا مرتبط كذلك بعقلية حزب توده الخاطئة عبر تقييمه الحاد للنظام القمعي الملكي السابق إلى درجة العداء الكلي، وبالتالي السقوط في أحضان الفاشية الدينية وسجونها وآلتها القمعية الضارية.
إن عدم نضاله بصبر وبُعد نظر لتطوير العناصر «النهضوية» والعصرية في نظام الشاه وعدم رفض الالتحاق بالقوى الدينية الظلامية، أديا إلى أن يصوت لـ(الجمهورية الإسلامية) وهي ليست جمهورية وليست إسلامية. التصويت لهذه الدولة الفاشية جعله يتوهم إمكانيات النضال داخلها وتغيير اتجاهها، بدلاً من أن يطبق نهج التراكم الديمقراطي بدايةً منذ نظام الشاه، الذي لم يصل إلى الدولة الفاشية ولكي يصعد قوى الفئات الوسطى والعمال المتنورة لتجاوزه.
ليس ثمة في النظام الإيراني الحالي (جمهور) يحكم هنا، وليس ثمة نظام ديمقراطي تعددي وبالتالي فإن تسمية الجمهورية غير حقيقية، كذلك ليست ثمة إسلامية بل هو نظام لكبار الملاك المحافظين الطائفيين القامعين لإخوتهم وأخواتهم في الإسلام المفترض الموحد الذين صعدوا (رأسمالية الدولة العسكرية) حيث يهيمنُ الحرسُ فيتركز النضال ضدها من مختلف القوى الوطنية والدول المحبة للسلام. ولهذا فإن اسم الدولة هنا زائف ومؤدلج لخداع المؤمنين البسطاء.
إن عدم قدرة كيانوري على فهم طبيعة الإسلام بتاريخيته وتكون القوى الطائفية الاستغلالية المتحكمة في جماعات المسلمين والمفككة لصفوفهم، تتجسد في تصعيده لها، بدلاً من النفاذ لجوهرها الاجتماعي، ثم بعد أن ظهرت هذه الدولة وتصاعدتْ مخالبُها في لحم الناس، حاول تلميعها والنضال في صفوفها وهو واقع بين هذه المخالب نفسها، مما يعني السذاجة السياسية واصطياده في بحرها، فكان أن افترسته.
وبطبيعة الحال لم يكن مصير السكرتير العام فرديا بل جر الحزب وبعضاً من الناس في هذا المسلخ.