الثقافي
قصة قصيرة
الرجــــــل السعيــــد (2)
تاريخ النشر : السبت ٢١ يناير ٢٠١٢
ملخص ما سبق: الراوي وهو كاتب القصة يقول إنه لأمر خطير أن ننصح الناس بكيفية تنظيم حياتهم ومستقبلهم. وفي أحد الأيام عندما كان شاباً، طرق بابه شخص غريب وأستأذن في الدخول. فلما سمح له بذلك أخبره بأنه قرأ كتاباً له حول اسبانيا وانه جاء ليأخذ بعض المعلومات منه عن هذا البلد.
«أنت تعرف ما هي مهام الطبيب في المستشفى. كل يوم يشبه ألآخر وذلك هو كل ما لديّ لأتطلع إليه طوال بقية حياتي. هل تظن بأن هذه المهنة تستحق ذلك ؟».
«إنها وسيلة للعيش» أجبت.
«نعم، أعرف ذلك».
«لا أعرف بالضبط سبب مجيئك لي».
«حسناً، أردت أن أعرف فيما إذا كنت تعتقد بوجود أي حظ لطبيب انجليزي في اسبانيا».
«لماذا اسبانيا؟».
«لا أعلم، فقط لديّ ميل لها».
«إنها ليست مثل كارمن، كما تعرف».
«لكن هناك شمس مشرقة، وهناك نبيذ جيّد، وهناك لون وهناك هواء تستطيع أن تتنفسه. دعني أقل لك ما أريده مباشرة. سمعت عن طريق المصادفة بأنه لا يوجد أي طبيب إنجليزي في مدينة سيفيل. هل تعتقد أنني أستطيع أن أحصل على رزقي هناك؟ هل هو جنون أن أتخلى عن وظيفة جيدة ومأمونة من أجل عدم اليقين؟».
«ما رأي زوجتك في الموضوع؟».
«إنها راغبة».
«لكنها مخاطرة كبيرة».
«أعلم ذلك. لكن إذا قلت أنت أقدم عليها، فسوف أقدم. وإذا قلت إبق حيث أنت فسوف أبقى».
كان ينظر إليّ بتلهف بتلك العيون الداكنة البرّاقة وعرفت أنه يعني ما يقول.
فكّرت هنيهة.. «هذا يخص مستقبلك كلّه. يجب أن تقرر بنفسك لكنني أستطيع أن أخبرك بالتالي: إذا كنت لا تريد المال بل ستكون راضياً بالحصول فقط على ما فيه الكفاية للحفاظ على جسدك وروحك معاً فاذهب، حيث انك ستستمتع بحياة رائعة».
تركني ورحت أفكّر حوله ليوم أو يومين وبعدها نسيت. ثم مُحيت القصة تماماً من ذاكرتي.
بعد سنوات عديدة، خمس عشرة سنة على الأقل، صادف أن كنت في سيفيل وأصبت بوعكة طفيفة فسألت حامل الشنط بالفندق فيما إذا كان هناك طبيب إنجليزي في المدينة. ردّ بالإيجاب وأعطاني عنوانه. استقللت سيارة أجرة وتوجهت إلى المنزل، فخرج رجل صغير سمين منه. ترددّ حينما وقع بصره عليّ.
«هل جئت لرؤيتي؟» قال. «أنا الطبيب الإنجليزي».
أوضحت حاجتي وسألني أن أدخل . كان يسكن في بيت اسباني عادي يحتوي على فناء وغرفة الاستشارة الطبية التي تقع خارجه تتراكم عليها الأوراق والكتب والأدوات الطبية وقطع الخشب بصورة مبعثرة. ان منظرها سوف يذهل أي مريض شديد الحساسية. قام بمعالجتي ثم سألته عن أجرته، فهزّ رأسه وابتسم.
«ليس هناك أجرة».
«لماذا بحق الأرض؟».
«ألا تتذكرني؟ لماذا؟ إنني هنا بسبب شيء قلته لي ذات يوم. لقد غيّرت حياتي بالكامل. أنا ستيفنس».
لم يكن لديّ أي فكرة عما كان يتحدث. ذكّرني بالمقابلة التي جرت بيننا وكرّر ما قاله، وتدريجياً، من رحم الليل، عادت إليّ ذكريات معتمة للحادثة القديمة.
«كنت أتساءل فيما إذا كنت سأراك مرة ثانية إلى الأبد» قال: «كنت أتساءل هل سأحظى قط بفرصة لشكرك على كل ما فعلته لي؟».
«إذاً لقد كانت مغامرة ناجحة».
نظرت إليه إنه بدين جداّ وأصلع الآن لكن عينيه أومضتا ببهجة ووجهه الأحمر الممتلئ حمل تعابير المرح.. الملابس التي يرتديها هي بالتأكيد من صنع خيّاط اسباني وقبعته هي من نوع السومبريرو الاسبانية ذات الحافة الواسعة. نظر إليّ كما لو كان يعرف زجاجة طيبة من النبيذ حينما رآها. منظره يوحي بأنه فاسق رغم كونه متعاطفا تماماّ. ربما تتردد في السماح له بإزالة زائدتك الدودية لكنك لا تتخيل مخلوقاً أكثر بهجة منه لتناول كأس من النبيذ معه.
«أنت متزوج بالتأكيد؟» قلت.
«نعم. زوجتي لم تحب اسبانيا فعادت إلى كامبرول. إنها تقضي معظم وقتها هناك».
«أوه ، أنا آسف على ذلك».
عيناه السوداوان أومضتا بابتسامة معربدة. إنه حقيقة يتمتع بمنظر شاب من سالين.
«الحياة مليئة بالتعويضات» دمدم.
الكلمات كانت بالكاد تخرج من فمه حينما ظهرت أمام الباب امرأة اسبانية، لم تعد في شبابها الأول، لكنها مازالت قوية وجميلة على نحو شهواني. تحدثت إليه بالاسبانية فاستنتجت على الفور بأنها سيدة المنزل.
وعندما أوصلني إلى الباب ليودعني قال لي: «لقد أخبرتني حينما التقيتك في المرة الأولى بأنني إّذا جئت إلى هنا فإنني سأكسب نقوداً تكفي فقط لحفظ جسدي وروحي معاً لكنني سأتمتع بحياة رائعة. حسناً، أود أن أخبرك بأنك كنت على حق. كنت فقيراً وسوف أستمر كذلك دائماً لكن بحق السماء إنني أستمتع بنفسي. لن أستبدل الحياة التي أعيشها مع حياة أي ملك في العالم».