الثقافي
قضايا ثقافية
الشعر وفكرة الجمال
تاريخ النشر : السبت ٢١ يناير ٢٠١٢
لم تتمكن الأفكار الإنسانية من طرح توضيحي شامل لفكرة الجمال كونها من الأمور التي تبدو معقدة في نظر الكثيرين والبعض يفسرها على أنها ظاهرة مادية لا علاقة لها البتة بالنوازع البشرية.
قيل في بدايات القرن الماضي ان الجمال يوجد في الطبيعة كونه ظاهرة لها علاقة بالخلق والإبداع الإلهي وليس شرطاً أن يكون الجميل جميلاً من مظهره الخارجي بل الجمال يكمن في الباطن الذي يختزنه والشعر هو الوسيلة التي يمكنها أن تنتزع الجمال من الظواهر المادية الطبيعية غير المرئية.
ليس الشعر بمفرده قادرا على التعبير بل العمل الإبداعي هو المؤسس الذي من خلال مكوناته التي تتجمع فيه يمكنه أن يُقرّبَ الفكرة ويفلسفها لتبدو أمام الحس البشري وكأنها لوحة مادية تعيش بين ظهرانينا وأحاسيسنا ونتبادل معها المعرفة الجمالية.
إن الشعر هو الذي صاغ فكرة الجمال التي لا نشاهدها بالعين المجردة وأنا أزعم أن باقي الأعمال الإبداعية يمكنها أيضاً أن تساعد الشعر لكنها لا تمتلك القدرة على تقريب المفهوم الجمالي لأسباب فنية كثيرة أهمها أن الكلمة الشعرية مرتبطة بالأوزان والصور الجمالية والقافية المنتقاة من جذور الموسيقى في حين يبدو النثر عاجزاً عن التعبير لأنه يفتقد القافية والصور الجمالية وأحياناً يقدم الصورة باهتة غير مترابطة أو متنامية وفيها الكثير من الشذوذ اللغوي الذي يؤثر في السليقة السمعية لدى المتبحرين في علم الضاد التعبيري.
لا يمكن لأي منطقة جميلة أن تفرض جمالها على الشعر والدليل أن شعراء الجاهلية كانوا يتنافسون على إنتاج الجمال الشعري وهم أمام البيوت الدارسة والغدران الجافة لكن انتقاءهم للمفردات والجُمل اللغوية المركبة يُحولُ القبيح إلى جميل والفضل يعود إلى المادة اللغوية وليس المادة الطبيعية.
في العصر الحديث ومع تنوع الأفكار وتأسيس البنى الفكرية المتعددة أضحت فكرة الجمال من الأشياء التافهة والموضوعات البالية لأن الذين أسسوا الفكر الحداثوي تجاوزوا السائد حتى الفلسفي وذهبوا إلى تأكيد أن فكرة الجمال غير ذات قيمة إن لم تكن من الأصل جميلة وهو الأمر الذي أوقعهم في التفسيرات الخاطئة للشعر وهل هو صانع الجمال أو الجمال هو الذي يصنعه؟
إن الذي يفند هذا المفهوم التعبيري الناقص أن الكثير من القصائد قبيحة أصلاً لأن صانعها هو في الأصل قبيح النفس والفكر ولا يمكن لشاعر غير حر الإرادة والتعبير إلاّ إنتاج القبح لكن الشاعر الذي يتمتع بحرية التعبير يمكنه أن يحوّل المادة الجامدة إلى فكرة جمالية تعم العالم ثم يكتشفوها بعد سنين كما نحن اكتشفنا الجمال الدارس لشعراء الجاهلية رغم أنهم لم يتعلموا من أين يبدأ الجمال الحقيقي بل جاءتهم الفكرة عن طريق السليقة والشعور الجوهري بمكونات المادة الجمالية.