الثقافي
رعبُ الحصار في مركزِ الشيخ إبراهيم الثقافي
تاريخ النشر : السبت ٢١ يناير ٢٠١٢
لم احتج لتفسير معنى الحصار إلى الرجوع الى قواميس اللغة العربية.. وجدت معناه الحقيقي حاضراً بقوة أمام عيوني المستغربة في ليلة الاثنين الموافق 2/4/2012 في الأمسية الثقافية الموسيقية المقامة في مركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث. الذي حدث بالضبط، أني قد وجدت نفسي بغتة عند انتهاء الأمسية في حدود الساعة التاسعة والنصف مساءً لا أستطيع الخروج من القاعة ومعي جمهور كبير من الحاضرين. فأول مرة في حياتي البالغة الستين من العمر ومنذ أكثر من عشر سنوات الأخيرة أواظب فيها على حضور فعاليات مركز الشيخ إبراهيم، أجد نفسي محاصراً داخل القاعة. والباب الرئيسي الكبير المؤدي الى الخارج مغلق علينا بقوة لا يسمح لنا رجال الشرطة بالخروج خوفاً على سلامتنا من الاعتداء الجسدي الخطر واللفظي المهين من أناس يتظاهرون خلف الباب الخشبي الجميل في الممر الضيق المحيط بالمركز.
إنه إذاً هو الحصار بمعناه الفعلي والحقيقي الذي عشناه نحن المحصورون في تلك الليلة المستهدفة. ولكم أن تتخيلوا ماذا كان يمكن ان يحدث في هذه الحالة من الهلع والخوف في النفوس التي لم تستعد وبالأحرى لم تتخيل في يوم من الأيام أن تكون في هذا الموقف الصعب والمرعب والمهين لكرامتك بأن يُحجز على حريتك أحدٌ من الأفراد لسبب لا تدري أنت مغزاه وأن تكون مستهدفا من دون ذنب او جريرة اقترفتها. بسبب أناس متشددين مأجورين لا تعرفهم ولا يخصك منهم شيء ولا لك صلة بهم من قريب أو بعيد. لماذا هم فعلوا بنا ما فعلوه؟ ألم يشعروا بالذنب لاعتدائهم على حقوق وكرامة وحرية أفراد مجرد انهم لبوا دعوة ثقافية إنسانية كريمة؟ هل تصوروا انهم قد أوجدوا من تصرفاتهم المنفلتة تلك رعبا وهاجسا في نفوس الأبرياء من نساء وأجانب وكبار في السن جاءوا للتواصل الفكري والمعرفي من أجل نشر النور والضياء والسلام بين البشر؟
كنت قبل أيام من تلك الحادثة قد تلقيتُ اتصالا من أحد الأصدقاء يخبرني أن متشددين متطرفين سوف يهجمون على المركز. وعندما أخذت أبحث عن السبب الذي يدعوهم الى ذلك لم أجد أي تفسير يستحق هذا الهجوم من قبلهم، فكل الأسباب الواهمة التي ساقوها في حفل غنائي سابق أقيم في المركز منذ عدة أيام مضت، لم تكن مقنعة لأحد وتناولتها الصحف والكتاب بالتحليل التي كان منها انهم يعترضون على إقامة الحفل بسبب الأحداث في سوريا وهم يعلمون بأن الأزمة السورية متداولة عالميا وعربيا ولا يعني ذلك وقف أي نشاط ثقافي فني. وأيضا قالوا ان الأذان مُنع في المسجد الملاصق للمركز ولم يصدق أحد هذا التبرير لأن وقت صلاة العشاء يفصلها عن الأمسية الثقافية بنحو أكثر من ساعة ونصف ساعة، وقالوا كذلك بتحريم الغناء والموسيقى كأنهم يضحكون على أنفسهم وهم ليل نهار يستمعون الى كل محطات واذاعات الدول الاسلامية والعربية تذيعهما بلا توقف ولا من معارض لهما. فلعدم وجاهة ما طرحوه كان الحضور في تلك الليلة لافتا والقاعة امتلأت عن آخرها بالحضور.
رغم ان الكل كان يشاهد تجمعهم التدريجي منذ بداية الساعة السابعة مساء، ففي داخل القاعة واثناء استمرار الفقرات كان ينتابني بعض نوبات القلق، ولكني كنت أمني نفسي بأن الأمر لن يتعدى ترديد العبارات عدة دقائق ويمضون وخصوصا اننا في المحرق دائما نشعر بالأمان والاطمئنان، مع العلم أن كل مدن وقرى البحرين نشهد فيها الأمان، وأنا شخصيا أحضر ثلاث او أربع فعاليات ثقافية في الاسبوع في مراكز ثقافية تقع في المناطق المسماة المعارضة كجمعية التاريخ والآثار بالجفير، ومركز كانو الثقافي في السهلة، وأسرة الأدباء والكتاب في الزنج، ولم أشاهد قط أحداً من سكان تلك المناطق يتعرض لا بالهمس ولا بالتطاول على احد منا منذ أحداث فبراير العام الماضي الى يوم تلك الحادثة في مركز الشيخ ابراهيم التي تم فيها سد الطرق على الآمنين، وحبسنا محاصرين في قاعة المركز زهاء ساعة واحدة. وبثوا الرعب والإهانة في النفوس، ولولا لطف الله أنه لم تحدث مناوشات مع رجال الشرطة والشغب لربما وقع الكثير من الضحايا الأبرياء.
لابد هنا في هذا المقام أن نبحث عن السبب الحقيقي خلف الأحداث التي افتعلها هؤلاء المتشددون المتطرفون. وعلى الحكومة أن تتفاوض معهم وتعرف دوافعهم الحقيقية المستترة خلف شعارات الدين والاسلام والحلال والحرام التي بسهولة جدا تقحم عند اثارة هذه القضايا الاخلاقية وتثور أفئدة الشباب الصغار السن ويزج بهم كوقود وقوة ضاربة للحصول على مبتغاهم وأهدافهم من خلالهم التي أرى أنهم ربما كانوا يريدون الحصول على مكاسب سياسية أو أموال وصلاحيات ونفوذ ومناصب وزارية وغيرها من الأمور الخافية في أعماق نياتهم وأجندتهم السرية.
من هنا ربما وجدوا من الفعاليات الناجحة والمتألقة للشيخة مي آل خليفة وزيرة الثقافة فرصة سانحة للتحرك والضغط على الحكومة من خلال الولوج من الأبواب المحرضة للدين والأخلاق والفساد. ولكن لا شك ان مساعيهم المكشوفة في محاربة المثقفين والثقافة ستخيب وتفشل، لأن الثقافة هي غذاء للروح والفكر والجمال والأمل والتواصل الجميل.. وليست للمطالب الدنيوية والمكاسب السياسية.
من واقع تلك الحادثة في ليلة الحصار والرعب بمركز الشيخ إبراهيم الثقافي.. فإن عزمنا لن ييأس في متابعة الفعاليات والأنشطة الراقية الأصيلة في أي موقع تقوم به الشيخة مي بنت محمد آل خليفة وزيرة الثقافة.. إذ تعد الشيخة مي من أهم الشخصيات الثقافية والفكرية في وطننا وانني أشهد اني لم أجد احدا طوال السنوات الطويلة التي اتابع اعمالها وانجازاتها العظيمة من قام بمثل مجهودها الجبار. انها خدمت الثقافة والوطن بنور قلبها الوضاء وبنظرات عيونها الثاقبة وبعقلها الكبير المتنور حتى أوصلتنا الى هذه المكانة العالية الرائدة في بناء حضارة وأمجاد هذا الوطن التي يشهد الجميع من مواطنين ومقيمين وزوار وسياح من كل أرجاء العالم على ما قامت به من جهد مشكور ومتواصل ومضن، فسيري أيتها المثقفة الرائدة المتألقة بلا تردد او تراجع ونحن من خلفك نعينك ونشد أزرك ونعضد قوتك ونرفع همتك، فأنت فخر الثقافة الحديثة في وطن الحب والجمال والفن المشرق على الدوام.