السنة.. المذكرة التفسيرية للقرآن الكريم
 تاريخ النشر : الأحد ٢٢ أبريل ٢٠١٢
بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح
القرآن الكريم هو دستور الأمة الإسلامية، ودستور كل من ينضوي تحت لواء التوحيد وفق ما جاء به رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
والقرآن الكريم باعتباره الكتاب الوحيد الذي ما فرط الله تعالى فيه من شيء، فهو أبو الدساتير بلا منازع، حيث انه لم يكتف بتنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وباعتباره أيضاً يحفظ الحقوق لكل إنسان، فإنه فوق ذلك كله نظم أصل وجود الإنسان، الذي خلقه الله تعالى من عَدَم، وأمده بمقومات حياته من عُدْم.
هذا الدستور العظيم بدأ أولاً وقبل كل شيء بتنظيم العلاقة بين الإنسان وخالقه عز وجل، وأوجب عليه الحقوق لمولاه سبحانه، كما جعل له الحقوق عند خالقه تعالى، ثم بعد ذلك نظم القرآن علاقة الإنسان بذاته، ثم بمن حوله من الكائنات من حيوان ونبات وجماد.
ولأن هذا الدستور العظيم معني بكل هذه العلائق، ومعني أيضاً أن يضع لها من الشرائع ما يضمن لها سلامة تواصلها، واتصالها بخالقها سبحانه، فكان لابد من مذكرة تفسيرية للنصوص المجملة التي جاءت في هذا الدستور الإلهي، ولابد أن يكون مستوى هذه المذكرة عظيما لا يستطيعه بشر عادي، ولهذا جاءت السنة النبوية الشريفة لتؤدي هذا الدور الذي لابد منه لأي دستور يقوم بمهمة تنظيم العلاقة بين فصائل المجتمع الإنساني.
وحين يرد مصطلح السنة، يقصد به: أقوال الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأفعاله وتقريراته.
ولأن القرآن الكريم جاء للدنيا والآخرة، فإنه لم يعن بالتفاصيل، وجعل ذلك من مهمات الرسول (صلى الله عليه وسلم) من خلال أقواله وأفعاله المباشرة أو تقريراته حين يرى فعلاً، أو يسمع قولاً، من الصحابة، فيقرهم عليه إما بالكلام، وإما بالسكوت، ويكون من مهمات السنة تفصيل ما أجمله القرآن، وتفسير ما غمض من نصوصه، ولم تكتف السنة بهذا، بل قدمت إجراءات عملية، ومنهاجا نبويا إذا سار عليه المسلمون بلغوا الغاية التي يريدها الله تعالى منهم، ووصلوا إلى الهدف الذي رسمه الله تعالى لهم في القرآن الكريم.
إن هذا الدستور العظيم تضمن كل ما يحتاج إليه الإنسان، ويؤثر في سلامة توجهه إلى خالقه سبحانه، مثل الحديث عن الحلال الطيب من الطعام والشراب، والحرام الخبيث منهما الذي يجب على المسلم أن يأكله أو يتجنبه، ثم تضمن أيضاً ما أباحه للإنسان من الحرام عند الاضطرار، ولا يوجد دستور في العالم كله اعتنى بكل ذلك إلا القرآن الكريم، دستور الإسلام العظيم.
ومن أمثلة ما جاءت به السنة الشريفة تفسيراً وتفصيلاً لما أجمله القرآن حديثها عن العبادات التي جاءت مجملة فيه، مثل حديثه عن الصلاة التي جاء النص عليها في قوله تعالى: (وأقيموا الصلاة) ثم ترك تفاصيل هذه العبادة العظيمة للرسول (صلى الله عليه وسلم) فقال عليه الصلاة والسلام: (ارجعوا إلى أهليكم فكونوا فيهم، وعلموهم ومروهم، وصلوا كما رأيتموني أصلي، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم) رواه مالك بن الحويرث الليثي، المحدث: الألباني/ صحيح الجامع/ برقم ٨٩٣، وهو حديث صحيح.
وقال صلى الله عليه وسلم عن الحج وأعماله، التي جاءت هي الاخرى مجملة في القرآن: (خذوا عني نسككم لعلي لا أراكم بعد عامي هذا) رواه جابر بن عبدالله رضي الله عنه في البدر المنير، برقم ٦/١٨٣، وإسناده صحيح.
وكلنا يحفظ حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي رواه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، والذي شرح فيه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الإسلام، والإيمان، والإحسان ردا على جبريل (عليه السلام) الذي جاء ليعلم المسلمين أمور دينهم كما قال صلى الله عليه وسلم لعمر بعد ذهاب جبريل عليه السلام.
فشرح الحديث الشريف ما هو الإسلام، وما هو الإيمان، وما هو الإحسان.
فأوضحت هذه المستويات العلاقة بين العبد ومولاه سبحانه وتعالى أشد الوضوح مما يتيح للمسلم سلامة الاتصال بخالقه سبحانه وتعالى، وتحقيق مطلوبات إسلامه.
ومن أمثلة ما تقوم به السنة المشرفة من دور في تفسير النصوص المجملة حديثها عن الصدق والكذب اللذين جاء ذكرهما في القرآن الكريم على صفة العموم لا التفصيل، فعن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً» (متفق عليه).
وها هو رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يتكفل بشرح مهمات عماله في الامصار، فيقول لمعاذ حين ارسله إلى اليمن والياً: «إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله تعالى، فإذا عرفوا ذلك، فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا صلوا، فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في أموالهم، تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم، فإذا أقروا بذلك فخذ منهم، وتوق كرائم أموال الناس» (رواه البخاري عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما)، ورواه برقم .٧٣٧٢
هكذا كانت السنة المشرفة تقوم مقام المذكرة التفسيرية التي يضعها شراح الدساتير لدساتيرهم، وبينوا فيها ما دق وغمض على الفهم من بنود هذه الدساتير، ورغم أن الحق تبارك وتعالى قد يسر القرآن العظيم للذكر لكل مدكر، فان في القرآن إجمال يحتاج إلى تفصيل وهنا يأتي دور رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ويأتي دور السنة المشرفة، وتكون بذلك المذكرة التفسيرية لأعظم دستور وضع للناس من رب الناس، ألم يقل الله تعالى في سورة الناس: «قل أعوذ برب الناس(١) ملك الناس(٢) إله الناس(٣) من شر الوسواس الخناس(٤) الذي يوسوس في صدور الناس(٥) من الجِنة والناس(٦)» (صدق الله العظيم)؟
فتأمل أخي القارئ كم مرة تكرر لفظ الناس في السورة.
تكرر اللفظ خمس مرات في سورة عدد آياتها ست آيات، وكما نعلم، فإن لفظ الناس هو لفظ العموم يدخل فيه المؤمن وغير المؤمن، ولكنهم كلهم خاضعون لإله واحد، وملك واحد، ورب واحد رضوا أم أبوا، وإن ظنوا غير ذلك في الدنيا إلا أنهم في الآخرة مرغمون لا مرية في ذلك، وهذا يشير إلى أن أحكام هذا الكتاب المعجز صالحة لجميع الناس لأن واضعه هو رب الناس، وملك الناس، وإله الناس.
وهكذا صارت السنة المشرفة مع كونها مذكرة تفسيرية، فهي أيضاً المصدر الثاني للتشريع فيما لم يأت له نص في القرآن الكريم.
.