الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أفق


حزبُ الشعب الإيراني بين التحلل والجمود (2)

تاريخ النشر : الأحد ٢٢ أبريل ٢٠١٢

عبدالله خليفة



كيف يمكن لحزب تقدمي أن يقف مع قوى الإقطاع الدينية؟ هل يكتفي بمعاداتها للغرب والنضال العام من أجل الشعب أم يصر على الديمقراطية والعلمانية والعقلانية كسمات أساسية تكمل النضال الوطني؟
حين يؤيد دكتاتوريتها واستخدامها للدين كأداة استغلال وهيمنة أيديولوجية مخدرة للشعب يتناقض ذلك مع العمل معها لغايات سياسية جزئية تستغلها لتصعد وحدها وتفرض دكتاتوريتها السياسية والدينية معاً.
هذه أسئلة كما هي مهمة من حصاد الثورة الشعبية الإيرانية المسروقة وهي نفسها أسئلة للثورات العربية وهي تقع في الخطأ نفسه الكارثي.
(فبعد ثورة فبراير 1979 طرحت قيادة حزب توده التالي: بما أن طبيعة الثورة معادية للامبريالية فعلينا القبول بحقيقة ان النظام الذي وصل إلى السلطة بعد ثورة فبراير 1979 ذو طبيعة تقدمية. فهو ماانفك يحاربُ ضد الامبريالية التي تتآمر بكل نشاط ضد الشعب الايراني لجره مرة اخرى إلى عهد الس اي اي والسافاك. ومن ثمة فإن المهمة الاولى للشعب الايراني في مثل هذه الحالة ليس «بناء الاشتراكية مرة واحدة» وإنما تدعيم المكاسب المعادية للامبريالية)، تاريخ الحزب الشيوعي الإيراني، موقع النادي الصوتي، جمول نت.
هذا التقييم ناتج من الفصل بين سمات الحداثة، واعتبار العداء للغرب معياراً مجرداً، من دون أن يتحول هذا العداء للإمبريالية لقبول بالديمقراطية والعلمانية والعقلانية، فالغايات السياسية المحددة والجزئية لابد أن تتضافر مع بناء عام ديمقراطي الملامح، ولا يتحول على النقيض شمولياً معادياً للشعب والتطور من خلال تصعيده سلطة دكتاتورية.
فالقبول بالثورة لم يكن يعني القبول بقوى دكتاتورية طائفية تؤسس أجهزة قمعها الدموية التي تتوسع ثم ترتد على جميع الأطراف المخالفة لها.
وتكويناتُ الأحزابِ الطائفيةِ ولغاتُها المؤدلجةُ للإسلامِ بالانتقائيةِ السياسية له، ورفضها توحيدهِ وثوريته، وتكريس قوى المحافظة والاستغلال، تطرحُ لغةً سياسية عامة مجردة خادعة تخفي مواقفها الطبقية العميقة.
والخطورة هي صعود هذه القوى وتنحية الوطنيين والإسلاميين والليبراليين والتقدميين وإعادة الدكتاتورية بشكلٍ متخلف أكثر ويجرلا لفاشيةٍ أكثر خطورة.
وكانت النتائج كما رأينا ما حدث لسكرتير الحزب السابق، ولكن الأخطاء لم تُعالج بعمق وتوسع في حزب الشعب الإيراني.
فبعد الانتخابات الرئاسية وتزويرها من قبل جماعة نجاد والحرس الفاشي أصدر الحزبُ بيانات عدة قال في أحدها:
(وأدى إعلان نتائجها إلى موجة عارمة من الاحتجاجات الجماهيرية التي عمت طهران والمدن الإيرانية الأخرى. وكانت اللجنة المركزية للحزب قد أصدرت بيانين سبقا الانتخابات الرئاسية فضحت فيهما الأسلوب اللاديمقراطي المتبع في اختيار المترشحين والسياسة التي جرت عليها الحكومة الإيرانية ومن وراءها المرشد الأعلى في استبعاد القوى والعناصر الوطنية والعلمانية من الترشيح وأتباع الانتقائية في قبول المترشحين وهذا ما حصل في الانتخابات السابقة التي جاءت بأحمدي نجاد إلى قمة السلطة في إيران).
هذا حدث هنا شيٌء من التقدم في عقلية الحزب العامة، لكن التحليل الاجتماعي غائبٌ هنا فحقيقة كون السلطة إقطاعية طائفية شمولية لم يزل يغيبُ عنها، فهذه السلطة الريفية السابقة المتحولة لرأسمالية دولة عسكرية باطشة، تتكون من العديد من الشرائح الدينية الإقطاعية والليبرالية، وقد راحت العناصر الأولى تفرض نفسها وتنحي الأخرى، وقد حدث ذلك عبر تنحية رفسنجاني وخاتمي، وهو أمرٌ تداخل مع صعود رأسمالية الدولة العسكرية، فظهرت مجموعاتُ الحرس الفاشي وصعدت إلى الهيمنة الواسعة على مقاليد السلطة، وأدى هذا ليس إلى ضرب اليسار المضروب بل ضرب القوى الليبرالية الدينية الضئيلة في جهاز الدولة.
إن تقييم قيادة حزب الشعب يتطور لكنه بعد ليس دقيقاً يتغلغل في الحركة التاريخية الاجتماعية، ويتجلى ذلك في فرديةِ تشخيصه الخاطئ لدور المرشد (الموضوعي)، وكأنه جزءٌ حيادي في صراع القوى السياسية والاجتماعية وليس فرداً من قيادة السلطة الصاعدة في اتجاه الحرس والمنحية للفئات الأخرى.
وكأن أيضاً انتخاب نجاد هو حدثٌ عابر، ومن جملةِ المصادفات، وليس تعبيراً عن سببيات تصاعد الفاشية العسكرية