قضايا و آراء
هــل يصلح رواد الإدارة ما أفسد الدهـر؟ (2-2)
تاريخ النشر : الأحد ٢٢ أبريل ٢٠١٢
دائما ما كان بورتر يشير إلى الإبداع والحكومة والمنتجات التكاملية والخدمات على أنها «عناصر» تؤثر في القوى الخماسية. لقد استقبلت إنجازات بورتر بكل ترحيب على أنها أعمال إبداعية قابلة للتطبيق، إلا أنه يلاحظ بعض الهفوات الجسيمة منذ البداية، مثل التعريف الدقيق للصناعة المنافسة والميزة التنافسية (ماير وفولبيردا 1997)، وهناك الافتراض الضمني للنموذج الذي يعتمد على أن المستهلكين والمنافسين والموردين لا تجمعهم رابطة ولا يتفاعلون أو تختلف مصالحهم وأن مصدر القيمة هو التميز الهيكلي (بناء حواجز للنفاذ للأسواق) وتدني الرؤية مما يتيح لشركاء السوق التخطيط والاستجابة للسلوك التنافسي. أما عن هفوات بورتر التي تعد خطرة من وجهة نظر المؤلف فهي عدم توليه عناية قصوى لأسواق رأس المال والأثر العميق الذي تحدثه تلك الأسواق في مدى وقدرة القوى الخماسية.
لقد وقع تغير جذري في أسواق رأس المال (فاريل 2008) فمنذ كتابات بورتر المتقدمة التي مضى عليها زمن بعيد، لم يكن لديه القدرة على التنبؤ بالتقلبات الهائلة التي وقعت مؤخرا. لنتذكر أن مؤلفاته حول الميزة التنافسية (بورتر 1985) جاءت في الوقت نفسه الذي طرأت فيه تحولات اقتصادية مثل مبادرات السياسة الاقتصادية لريجان التي اشتملت على سياسة التحرر NOITALUGERED (بوسكين 1987) والمنتجات المالية والعمليات المؤسسية التي تلت ذلك. نتج عن ذلك ميلاد صناعة الاستثمار الوهمية لكنها تتمتع بأنظمة مؤسسات الاستثمار المالي المدعومة (النمكي 2010). لقد اسهمت السياسات النقدية في حفز عمليات الاستحواذ مثل رؤوس الأموال الخاصة وصناديق الثروات السيادية التي دعمت عمليات الاندماج المؤسسي والاستحواذ. نتج عن ذلك نشوء استراتيجيات ونمط متباين للسلوك الاستراتيجي يجسد الأسواق الرأسمالية كمحفز للتحرك الاستراتيجي (صناعة رأس المال الخاص) التي اتخذت من عمليات إعادة الهيكلة التي لا ترحم أسلوبا فريدا في سوق الأعمال (مؤسسة جنرال موتورز)، والتخصص كوسيلة لاستراتيجية المزايا التنافسية (جيليت) وفقدان القدرة على المنافسة وإنهاء الوجود (كوداك).
لقد عدل هذا السلوك من أسس القوى الخماسية وتغير نسيج ولون استراتيجية المؤسسات بالاعتماد على الأسواق الرأسمالية كقاعدة لاتخاذ القرارات والنتائج السريعة لأسواق رأس المال. لقد فقدت القوى الخماسية تأثيرها بسبب أسواق رأس المال التي هددت فاعليتها.
فبدخول الأسواق الرأسمالية حلبة الصراع أثرت تلك الأسواق في البدائل (تذبذب برامج البحوث والتنمية)، كما أشعلت أسواق رأس المال مساهمة الموردين (التخصص الدقيق، زيادة معدلات الاندماج والاستحواذ وزيادة الضغط على قروض الائتمان)، وهكذا تمكنت تلك الأسواق من صياغة التنافس في سوق الأعمال، ومن ثم يحتاج نموذج القوى الخماسية إلى تعديل جذري حتى يتمكن من الوجود على الساحة في زمننا المعاصر.
بيتر دراكر
والإدارة بالأهداف
لقد أسهم دراكر إسهاما جذريا في الفكر الإداري وكتب مرارا عن القضايا الإدارية مثل الإدارة بالأهداف والإدارة الذاتية. تغطي كتبه موضوعات (ممارسة الإدارة 1954) وكذا (تحديات الإدارة في القرن الحادي والعشرين 1999) وكتاب (خلاصة فكر دراكر 2001).
تعد الإدارة بالأهداف من أعظم إنجازاته أو عملية المشاركة في تحديد الأهداف ومتابعة تقدمها نحو تحقيق تلك الأهداف. لقد استخدم مصطلح الإدارة بالأهداف أول مرة عام 1954 في كتابه (ممارسة الإدارة) حين طرح عملية المشاركة في تحديد الأهداف التي اعتبرها تتقدم على أي نشاط في المؤسسة بما في ذلك التوازن بين الاحتياجات والأهداف عوضا عن إخضاع المؤسسة بأكملها لقيمة واحدة منفردة، فمن وجهة نظره يعتقد أن مشاركة العاملين في صنع القرار تعزز من الدافعية والتواصل والتنسيق والالتزام ووضوح الأهداف، وتؤكد عمليات قياس ومقارنة الإنتاج مبادئ دراكر.
وعلى الرغم من ان مبادئه كانت مبتكرة ونادى بها منذ عقود مضت فان نظرية الإدارة بالأهداف شابها افتقاد الكثير من بريقها فهي تنتمي إلى زمن لا يشبه أيامنا هذه، حيث كان إيقاع سوق الأعمال يسوده شبه الانتظام نوعا ما مما أسهم في صياغة استراتيجيات وأهداف وقدرات وموارد طويلة الأجل. انقضت تلك الأيام الخوالي وأصبح سوق الأعمال تتسم بعدم الاستقرار والتقلب، وأصبح تحديد الأهداف المؤسسية تحديا تحت ضغط وتهديد الدول المعرضة للإفلاس وإرهاصات صناعة الائتمان. تفاضل مؤسسات العمال لضمان استمرار وجودها في السوق التنافسية المستقبلية التي تتسم بالغموض وتقلب المعايير، فالإيقاع المتناسق لممارسة الإدارة بالأهداف يبدو بعيد المنال بالنسبة إلى المؤسسات التي تواجه تحولات السوق القاسية وواقعية بيوت المضاربة المالية من ليمان برذرز وجنرال موتورز وكوداك التي جرفتها رياح التغيير.
فالأهداف التي صيغت زمن دراكر اعتمدت على الفجوة بين معرفة ما يمكن إنجازه والهدف وما يلي ذلك من تبعات (ستون 2000)، ويزداد حجم الفجوة حين توجد حوافز مثل الخوف والمنافسة الداخلية ومناخ المؤسسة وإجراءات الأداء الخاطئ مع مراعاة أن قياس مؤشرات الإنتاج عادة ما يؤدي إلى تعظيم دور الرقابة على عكس الاهتمام بالإبداع والابتكار (كروجر 1994).
فالإدارة بالأهداف من ثمار الماضي ونحن اليوم بحاجة إلى فلسفة وأسلوب إدارة يتماشيان مع واقعية الحاضر ومشاكله.
بصراحة يمكننا استنتاج العديد من الدروس من خلال التحليل السابق. أهم تلك الدروس هو القدرة على التعامل مع المبادئ السائدة لفلسفات إدارية ومعتقدات استشارية تنتمي إلى عالم ولى منذ زمن، فمازال الكثير من المفاهيم التي فقدت فاعليتها تدرس في برامج الدراسات العليا وبرامج إدارة الأعمال في معاهد وجامعات كثيرة على الرغم من الجوانب السلبية التي استعرضناها، وهو نمط سائد على مستوى دولي على الرغم من احتياجات كل إقليم، فلابد من مراجعة وتطوير مناهج التدريس من حين إلى آخر.
تحليـــل:
في نهاية المطاف يميل المرء إلى استنتاج بعض الخطوط الرئيسية أولها وأهمها على الإطلاق هو كيفية التعامل مع المفاهيم التي لاتزال سائدة وتنتمي إلى الماضي بالنسبة إلى ممارسة الأعمال التجارية وذلك على المستويين الاستشاري والتعليمي. لاتزال تلك المفاهيم تشكل عصب برامج الدراسات العليا وبرامج تعليمية أخرى في العديد من المؤسسات على الرغم من القصور الواضح لتلك المفاهيم ومدارس الفكر العتيق في إدراك متغيرات العصر وتحولاته. يجب مراجعة وتقييم البرامج الدراسية والتأكد من ملاءمتها للظروف الاقتصادية والتقلبات التي نشهدها اليوم.
الدرس الآخر هو الإيقاع البطيء للبحوث الإبداعية أو البحوث التي تقود إلى ابتكار أساليب حديثة وتلبي احتياجات السوق والمطالب المجتمعية. هناك قطاع يحتاج إلى مراجعة شاملة في مجالات صياغة الاستراتيجيات وكذا الاستراتيجيات التنافسية، فأداء قطاع الأعمال يحتاج إلى تطوير جذري يراعي الدور الاستراتيجي بالنسبة إلى الدولة. لا ننسى تغير الاستراتيجيات بالنسبة إلى التمويل الحكومي، التركيز الاستراتيجي لقطاع الأعمال على المدى القصير والتحول الذي طرأ على عمليات الاندماج والاستحواذ والدور الاستراتيجي للتخصص في الصناعات وأثر الثقافات التي لا تنتمي إلى الغرب في السلوك الاستراتيجي الدولي بالإضافة إلى عناصر أخرى متنوعة، وهناك أدوات ونظم يمكنها التفاعل وتوجيه عمليات الصياغة الاستراتيجية في المجالات المذكورة مثل القوى الخماسية التي قادت فكر وأداء قطاع الأعمال منذ ثلاثة عقود خلت.