الجريدة اليومية الأولى في البحرين


بين السطور


مصيبة تكنولوجية جديدة

تاريخ النشر : الأحد ٢٢ أبريل ٢٠١٢

صلاح عبيد



تحت عنوان: (هواتف خلوية ترى عبر الجدران) نشرت الصحف ووكالات الأنباء يوم أمس الأول خبرا عن مصيبة جديدة تهددنا جميعا بكشف عوراتنا وانتهاك أستار بيوتنا، إذ جاء في الخبر أن باحثين أمريكانا صمموا «رقاقة إلكترونية يمكن أن تحول الهواتف الخلوية إلى آلات يمكنها اختراق الجدران ورؤية ما وراءها»!
الخبر المصيبة تضمن معلومة قصد ناشروه إضافتها إليه للإيحاء للقارئ بأن الهدف من هذا الاختراع هو النفع العام، إذ جاء فيه أنه «يمكن لهذه التكنولوجيا الجديدة أن تستخدم أيضا للعثور على الأسلاك المعدنية في الجدران، أما الشركات فيمكنها أن تستخدمها لرصد الأموال المزورة، والمصانع للتحكم بشكل أكبر في عملية التصنيع، كما يمكن استخدامها لاكتشاف الأورام السرطانية وتشخيص الأمراض من خلال تحليل التنفس، إلى جانب مراقبة درجة التلوث في الهواء» انتهى.
أقول: يوما بعد يوم تتفتق أذهان الباحثين والمصممين والمخترعين والمبتكرين في الدول المتقدمة عن فكرة جديدة تزيد العالم بلاء وشقاء بدلا من نفعه، إذ ان أي اختراع ينتهك خصوصية الناس أو يهتك أستارهم أو يفضح عوراتهم هو بلاء محض ومصيبة عظيمة تهدد بحروب ونزاعات وخلافات وعداوات لا أول لها ولا آخر في مختلف مجتمعات الدنيا ودولها وشعوبها، إذ ان الإنسان لا يملك أغلى من عرضه ولا أهم من أسراره الشخصية، فإذا تعرض هذان الشيئان إلى الانتهاك من قبل الآخرين فلن يبقى لدى المرء ما يشعره باحترامه لنفسه، وهذا أهم أسباب الانتحار في المجتمعات المتحللة المتفسخة التي تباع فيها الأعراض وتشترى على قارعة الطريق، ويلقي فيها الرجل أبناءه وبناته في الشارع بمجرد بلوغهم سن الثامنة عشرة تحت حجة أنهم صاروا مسئولين عن إعالة أنفسهم، وكثير منهم ــ وخصوصا الفتيات ــ لا يجدون إلا أبواب الدعارة لإعالة أنفسهم وتوفير مسكن لائق لهم ودفع نفقات استكمال تعليمهم الجامعي، حيث إن بيع أجسادهم لراغبي المتعة هو أسهل وأسرع طريق للحصول على المال، كما أنه الطريق إلى فقدان الإنسان احترامه لنفسه بسبب هتك عورته واستباحة الآخرين لعرضه فينتهي به الحال إلى الانتحار هربا من هذا الواقع الذي تعجز نفسه وطبائعه الإنسانية التي فطره الله عليها عن تقبله.
من المعلوم أن الغرض الأساسي من ابتكار وسائل التكنولوجيا الحديثة هو تسهيل حياة الناس وإضافة مزيد من المتعة إليها، لكن الحياة على الأرض تصبح مهددة بالكامل إذا تم السماح لكائن من كان بامتلاك تكنولوجيا تهتك الأعراض وتخترق الأستار، مثل النظارة التي تعمل بالأشعة فيرى من يرتديها الآخرين عرايا تماما كما ولدتهم أمهاتهم، ومثل التكنولوجيا الجديدة التي تتيح لكل صاحب هاتف جوال أن يضيف إليه شريحة إلكترونية صغيرة تجعل من كاميرته ذات قدرات تخترق ثياب الناس وجدران بيوتهم ليرى ما وراءها من أعراض الناس، ومثل النظارة المقرّبة المزودة بكاميرا دقيقة جدا يمكنها التقاط الصور وأفلام الفيديو بدقة متناهية من مسافات بعيدة قد تصل إلى مئات الأمتار فيمكن استخدامها للتجسس على الناس وتصويرهم من نوافذ بيوتهم من تلك المسافات البعيدة أو من فوق العمارات المرتفعة.
يجب وضع التزام قانوني عن طريق المنظمات الدولية الكبرى - وفي مقدمتها الأمم المتحدة - لكل من يخترع أو يبتكر شيئا يخترق خصوصيات الناس أو يطلع على أسرارهم، بحيث تلتزم الدول جميعها بإبقاء تلك المخترعات للاستخدام العسكري أو الأمني أو الصناعي ومنع تداولها تجاريا في الأسواق منعا باتا، وتضمين قوانينها المحلية عقوبات لمن يقدم على ذلك، وإلا فإن العواقب ستكون وخيمة جدا على الإنسانية جمعاء.



salah_fouad@hotmail.com