جلالة الملك والاتجاه نحو الشرق .. الأبعاد والدلالات (١-٢)
 تاريخ النشر : الاثنين ٢٣ أبريل ٢٠١٢
بقلم: محمد القوتي
العلاقات الدولية ميدان لتقوية التقارب بين الدول والشعوب كما أنها مجال لتعاظم المصالح والمكاسب المشتركة وتجنب الخسائر وتذويب الخلافات القائمة، والقضاء على المشكلات المحتملة.
ورغم ذلك، تختلف الدول في نظرتها وتتباين في سياستها، ما بين دول تعتمد على الترهيب في تحقيق مصالحها كونها تفترض أنها تعيش في بيئة عدوانية ووسط دول راغبة في القضاء عليها، وأخرى تتعامل مع الآخرين من منطلق قوة واستعلاء استناد إلى ميزان قوى قائم وفجوة حاصلة على أرض الواقع تسعى الى استغلاله بجميع الطرق المشروعة منها وغير المشروعة ليس فقط لتحقيق أفضل المكاسب بل وحرمان الآخرين قدر المستطاع من تحقيق مكاسب مماثلة.
إلا أن هناك نماذج أخرى «صالحة» تتعامل بالنوايا الحسنة والأخلاق الواجبة مع غيرها من الدول، إيمانًا منها بأن ذلك هو الأسلوب الأمثل لديمومة العلاقات واستقرارها وتحقيق الغاية منها.
ولعل السياسة الخارجية البحرينية هي خير تجسيد لهذا النموذج الأخير في تعاملها مع مختلف الدول والأطراف الإقليمية منها والدولية حيث تقوم على الشفافية ومراعاة الأعراف والتقاليد الدبلوماسية الراسخة وأهمها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير واحترام ثقافته وقوانينه وعاداته والتزام المبادئ الدولية المتفق عليها بين دول العالم، فضلاً عن الحرص على إتباع الأساليب والوسائل المشروعة في تعزيز أطر التعاون وتعظيم المشتركات وتجنب جميع أوجه الخلافات.
وفي إطار هذا النهج الثابت، جاءت زيارة عاهل البلاد الملك حمد بن عيسى آل خليفة، إلى دولتي اليابان وتايلند وهي الأولى من نوعها لتحمل الكثير من الدلالات والأبعاد ومنها ما يلي:
١- البعد الاستراتيجي، فهي زيارة تمثل استشرافًا للمستقبل وتكيفًا مع متطلباته التي من أهمها تنويع العلاقات الخارجية ومد جسور التواصل والتعاون مع مختلف الكتل والأطراف الدولية، وخاصة تلك التي تشهد زيادة في قوتها وتصاعدًا في مكانتها ومصداقية في سياستها وشفافية في تعاملاتها وتأتي دول شرق آسيا على رأس تلك الدول.
إن التمسك بنفس الأطراف والثبات على ذات العلاقات يعرض الدولة لمخاطر كثيرة وخاصة في ظل الطبيعة المتغيرة والمتقلبة للعلاقات الدولية وصعوبة الاحتفاظ بأصدقاء دائمين أو حلفاء ثابتين طوال الوقت، لذا فإن الحكمة تقتضي ضرورة تنويع تلك العلاقات والحرص على اكتساب أصدقاء جدد باستمرار، وخاصة أن ذلك يمثل أيضًا جانبًا من جوانب قوة الدولة يفيدها وقت الأزمات ويساعدها على التغلب على التحديات.
٢- البعد الثقافي، حيث تشترك مملكة البحرين واليابان في العديد من القيم الثقافية والعادات والتقاليد ومن أهمها الاحترام المتبادل بين جميع أفراد المجتمع وتقدير وطاعة القيادة السياسية، فهي ثقافة مسالمة بطبيعتها وليست عدوانية تختلف كثيرًا عما هو سائد حاليا من ظواهر «شاذة» وسلوكيات فوضوية وتخريبية تتناقض مع قيم المجتمع وثقافته.
ومن هنا تتعاظم فرص الاستفادة من علاقات التعاون المشترك في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، وكذلك الحقوقية بفضل هذا التقارب الثقافي.
٣- البعد التكنولوجي: وهو أساس كل قوة ومقياس كل تقدم في جميع المجالات، ولاشك أن اليابان بصفة خاصة تمتلك تميزًا واضحًا وتفوقًا ملحوظًا في هذا المجال على الصعيد الدولي وأصبحت مركزاً عالمياً للتطور التكنولوجي، وكان لهذا التطور التكنولوجي الأفضل الأكبر في انتشال اليابان بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية وتحولها من دولة «منبوذة» ومحطمة إلى قوة اقتصادية وتكنولوجية تتفوق على الكثير من القوى الكبرى في العالم التي تتبارى حاليا من أجل التقارب وتطوير التعاون مع اليابان.
وقد استطاعت مملكة البحرين أيضًا خلال السنوات القليلة الماضية تحقيق إنجازات نوعية في المجال التكنولوجي، ومن شأن التعاون مع الخبرة اليابانية الحفاظ على تلك المكانة والنهوض بها إلى مستويات أرحب تنعكس إيجابًا على النواحي الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
ولهذا كان حرص جلالة الملك خلال لقائه مع رئيس الوزراء الياباني «يوشيهيكو نودا» على التطرق لهذا الجانب حيث بحث جلالته أوجه التعاون في مجال الأقمار الصناعية واستفادة البحرين من الخبرة اليابانية في هذا المجال، إضافة إلى إنشاء مؤسسة علمية يابانية تقدم برامج علمية وتكنولوجية لتدريب أبناء البحرين للاستفادة من التكنولوجيا الحديثة وهو ما كان موضع ترحيب من الجانب الياباني.
وللحديث بقية
.