لماذا كان ضروريا خروج الشاطر وسليمان؟
 تاريخ النشر : الثلاثاء ٢٤ أبريل ٢٠١٢
بقلم: فهمي هويدي
لداعي السفر، كنت قد كتبت مقالي الأسبوعي وسلمته بعد ظهر يوم السبت، لكي يتم صفه وتوزيعه خلال اليومين التاليين، ودعوت فيه إلى انسحاب المهندس خيرت الشاطر واللواء عمر سليمان من الترشح للرئاسة، حيث اعتبرت أن الرجلين كانا بمثابة قنبلتين انفجرتا في وجوه المصريين وأربكت كل الحسابات. لم أشر إلى المرشح حازم أبوإسماعيل لأنني تصورت أن موضوع جنسية أمه الأمريكية محسوم، وأنه سيخرج من السباق لأسباب قانونية. من ثم وجدت أن خروج الرجلين الآخرين (الشاطر وسليمان) له ضرورته من الناحية السياسية.. وإن كان قرار لجنة الانتخابات باستبعادها المبدئي قد أضاف أسبابا أخرى قانونية.
فاجأني قرار استبعاد المرشحين الذي صدر، وكنت مخيرا بين وقف ظهور المقال وبين نشره لإيضاح الأسباب السياسية التي تستدعى خروج الرجلين من قوائم المرشحين، وخصوصا أن باب الطعن في قرار اللجنة ظل مفتوحا مدة ٤٨ ساعة، وليس من اليسير تحديد موقفهما النهائي قبل النشر، إليك نص المقال المكتوب قبل إعلان قرار لجنة الانتخابات.
(١)
حين يصبح الخوف على الثورة في مصر عنوان المرحلة الراهنة، فإن استنفار الجماعة الوطنية واحتشادها لإبعاد شبحه بأي ثمن يصبح واجب الوقت. أحدث مشاهد الخوف تبدت حين لاح في الأفق فجأة شبح مبارك مرة أخرى، حين ظهر أمامنا في شخص نائبه وصفيه اللواء عمر سليمان، الذي قال عنه أحد خبراء المخابرات المركزية الأمريكية انه هو ومبارك لم يكونا شخصين، ولكنهما كانا شخصا واحدا.
لم يكن انفجار قنبلة ظهور مبارك الآخر في وجوهنا هو المفاجأة الوحيدة، لأن ملابسات ذلك الدخول حفلت بمفاجآت أخرى، إذ يعد إحجاما وإقداما استغرقا في العلن نحو ثلاثة أيام فوجئنا بأن ٤٩ ألف توكيل رتبت للرجل في أقل من ٢٤ ساعة، فيما وصفه اللواء سليمان بأنها «معجزة تمت بتسهيل رباني». ولأن مبلغ علمنا أن عصر المعجزات انتهى، فإن ظهور تلك المعجزة لصالح ترشح اللواء سليمان لا نستطيع أن نسلم به بسهولة. بكلام آخر فإن جمع ذلك العدد الكبير من التوكيلات، وحديث الرجل عن عشرات الألوف من التوكيلات الأخرى التي لم تصل إلى القاهرة بسبب محدودية الوقت، هذا الكلام لم يهضمه المجتمع بسهولة، فتحدث البعض عن دور لرجال المخابرات العامة في جمع توكيلات من ألوف المجندين للقوات المسلحة. وتحدث آخرون عن أن الفلول في أحد النوادي الكبيرة أقاموا مركزا لهم وطلبوا إلى أعضاء النادي أن يسندوا اللواء سليمان، وهذا ما فعله فريق آخر من الفلول الذين يملكون بعض المصانع، وطلبوا إلى عمالهم المطلب نفسه.
لكن ذلك في كفة وموقف المجلس العسكري من ترشح اللواء سليمان في كفة أخرى. ذلك أنني لست واثقا من أن المجلس يقف حقا على مسافة واحدة من كل المرشحين للرئاسة، ولست واثقا مما قاله صاحبنا لزميلنا عادل حمودة في صحيفة «الفجر» من أنه يرفض أن يكون مرشح المجلس العسكري، كما أنني لا أستطيع أن أقتنع بسهولة بأن عناصر المخابرات العامة التي رأسها طوال عشرين عاما يمكن أن تكون بعيدة عن الموضوع.
ثمة همس يعتمد على قرائن متوافرة تشير إلى أن ثمة اعدادا للتدخل لصالحه في انتخابات الرئاسة القادمة التي ستجرى في لجان المصريين بالخارج، وهي التي تنعقد بعيدا عن الأعين في السفارات، ومعروف أن تلك السفارات تضم في العادة ضباطا تابعين للمخابرات العامة، وأن قدموا بصفات أخرى. ومعلوماتي أن هذا الموضوع وبعض القوائم التي تسربت محل بحث الآن في إحدى الجهات المعنية.
(٢)
كنت قد تحدثت من قبل عن «غسل» عمر سليمان الذي يقوم به بعض أعوان النظام السابق من إعلاميين وأصحاب مصالح، كما ذكرت أن اللعب صار على المكشوف في الساحة السياسية، حيث سقطت الأقنعة ــ أغلبها إن شئت الدقة ــ ولم يعد رجال مبارك يستحون من التعلق بشخصه وزمانه، بعدما ظلوا حريصين على إخفاء هذه «العورة» طوال الخمسة عشر شهرا الماضية.
لقد ذهب البعض ــ كما تحدث هو شخصيا ــ إلى أن معارضي ترشح اللواء سليمان يخشونه، وهذا ليس صحيحا على الإطلاق لأن هؤلاء ينسون أن الرجل رمز لنظام ثار عليه المجتمع، وأن دوره في خطايا النظام وجرائمه السياسية لا يمكن أن ينسى أو يغتفر. يكفي أنه منذ توليه منصبه وطوال عشرين عاما كان بمثابة مبارك الآخر، كما قيل بحق. وهو ما يعني أن معارضة ترشح الرجل لم تنطلق من الخوف منه، ولكنها كانت نفورا مما يمثله وخوفا على البلد.
الذي لا يقل سوءا عن ذلك أن ملابسات دخول الرجل إلى الحلبة أثارت شكوكا حول حقيقة الدور الذي يقوم به المجلس العسكري، ليس في الوقت الراهن فحسب وإنما في ترتيب أوراق المستقبل أيضا، بل إن تلك الشكوك دفعت البعض إلى التساؤل عن احتمالات التسامح بالتلاعب في نتائج الانتخابات الرئاسية.
ما قلته بخصوص ترتيب أوراق المستقبل لا ينصرف إلى مستقبل البلد فحسب، وإنما أيضا إلى مستقبل دور القوات المسلحة وموقعها في الدستور الجديد، إذ المعلومات المتوافرة أن المجلس العسكري مصر على النص في الدستور على خصوصية وضع القوات المسلحة في الدفاع عن النظام السياسي، وعلى عدم مناقشة تفاصيل موازنته في مجلس الشعب. وأمام إصرار القوى الوطنية على رفض المطلبين ــ اللذين سبق أن استجابت لهما ما سمي وثيقة الدكتور السلمي ـ والتعامل مع القوات المسلحة كأي مؤسسة أخرى مقدرة في المجتمع، فإن المجلس العسكري ربما يكون قد آثر أن يساند رئيسا من «آل البيت» يحقق له ما يريد.
(٣)
توقيت ومناخ دخول السيد سليمان إلى حلبة المنافسة لابد أن يثيرا الانتباه. ذلك أن أحدا لا يشك في أنه اختار لحظة استشعر فيها الناس الخوف من تزايد نفوذ الإسلاميين بعد انتخابات الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، وفي الحديث الذي أجراه الرجل لجريدة الفجر، قال صراحة إنه دخل في السباق لأسباب عدة على رأسها «إنقاذ» البلاد من هيمنة الإسلاميين، وهذا الخوف له أسبابه المتعددة، فمن ناحية ينبغي الاعتراف بأن ثقافة الخوف من الإسلاميين والعداء لهم مستقرة في أوساط عدة، وأن عملية التخويف التي سادت في الدوائر السياسية والإعلامية المصرية لم تتوقف وإنما استمرت بعد سقوط النظام. وإذا كانت عملية التخويف تتم في الماضي بسبب وبغير سبب، فما بالك إذا أصبح السبب مؤكدا وملموسا؟ ذلك أننا يجب أن نعترف بأن الإخوان المسلمين أخطأوا في قراءة الواقع حين ألقوا في الساحة بقنبلة أخرى تمثلت في ترشيح المهندس خيرت الشاطر لرئاسة الجمهورية خلافا لما وعدوا به، وأخطأوا حين تراجعوا عن نسبة تمثيل مجلسي الشعب والشورى في اللجنة التأسيسية، فرفعوها إلى ٥٠% بدلا من الإعلان المبكر عن ٤٠%، وأخطأوا في التطلع إلى تشكيل الحكومة والتسرع في طلب سحب الثقة من حكومة الدكتور الجنزوري، وحين ترأسوا مجلسي الشعب والشورى واللجنة التأسيسية التي يفترض أن تقوم بإعداد الدستور، وضغطوا لأجل تشكيل الحكومة برئاستهم، ثم رشحوا أحد قيادييهم لرئاسة الجمهورية، حين فعلوا ذلك فإنهم أزعجوا المجتمع وخوفوا طبقته السياسية ودفعوا الناس إلى تصديق الكثير مما كان ينسب إلى موقفهم من السلطة. لا أتحدث عن الموقف القانوني الذي قد يكون سليما، لكنني أتحدث عن الرؤية الاستراتيجية والملاءمة السياسية حتى أزعم أن الخائفين من الإخوان تأكدت مخاوفهم، والمحبين للإخوان توجسوا منهم، أما المحايدون فقد خسر الإخوان أغلبهم، بسبب التعبئة الإعلامية التي تصيدت أخطاءهم، وكانت النتيجة أننا تابعنا على شاشات التليفزيون استغاثات لبعض الإعلاميين دعت المجلس العسكري إلى التدخل لوقف زحف الإخوان وإمساكهم بمفاتيح ومفاصل الدولة. وشاهدنا رسوما كاريكاتيرية سوغت الاحتماء بالعسكر واعتبرته أمرا مرا، وبررت ذلك بأن بديلهم (الإخوان) أكثر مرارة، في توظيف للمثل الشائع الذي يقول فيه واحد لصاحبه ما الذي دفعك إلى المر؟ فرد عليه قائلا إنه الأمرّ منه.
إذا كان الإخوان قد خوفوا المجتمع فإن السلفيين أكملوا المشهد بترويعهم الناس وخصوصا أن الإعلام لم يقصر في الفضح والاصطياد، حتى صّور السلفيين وحوشا تتأهب للانقضاض على المجتمع وتقييد الحريات العامة والخاصة، وحينما وزعت عناصر حزب التحرير الإسلامي لافتات دعت إلى إقامة الخلافة فإنهم زادوا الطين بلة ودعوا القاصي والداني إلى المسارعة في الانضمام إلى معسكر المذعورين والخائفين.
(٤)
في النهاية صرنا بين خوفين يعذبان المصريين: خوف مؤكد من مبارك الآخر الذي خبرناه، وخوف مظنون من الإخوان والسلفيين الذين لم يحسنوا قراءة المشهد أو التعاطي معه، وأضيف إليهما خوفا ثالثا على الثورة التي غيبت في خضم التجاذب وصراع القوة والنفوذ، لا أعرف إلى أي مدى ارتياح المجلس العسكري لهذه الحصيلة، التي أوقفت حملة انتقاده في وسائل الإعلام، وأقنعت البعض بأن نار العسكر أفضل من جنة مبارك أو جنة الإخوان، كما عبر عن ذلك بعض الرسوم الكاريكاتيرية. وهناك من يتحدث عن أن من شأن ذلك التجاذب ليس فقط أن يطمئن المجلس العسكري ولكنه ربما أفضى إلى إطالة أمد بقائه في السلطة، وربما قوى مركزه بحيث حقق ما يريده في نصوص الدستور.
لابد أن نلاحظ أيضا أن بقية الأحزاب السياسية تعاني الحيرة، ناهيك عن هشاشة بنيانها وقلة حيلتها، وخصوصا في ظل الشعور بأن الإخوان لم يستجيبوا لرغباتهم، وهو ما اعتبروه إقصاء لهم. بسبب من ذلك فإن بعضهم انحازوا إلى عمر سليمان إما مراهنة عليه وإما كيدا في الإخوان والسلفيين، البعض الآخر ومعهم ائتلافات الثورة رفضوا الاثنين، ولم يستقروا على صيغة للتوافق بعد، وربما تحقق ذلك إذا أعيد تشكيل لجنة وضع الدستور بحيث تصبح أكثر قبولا من الجميع.
ما يهمني في كل ما يجري ــ ويخيفني أيضا ــ هو مستقبل الثورة والآمال الكبار المعلقة عليها، ليس في مصر وحدها، ولكن في العالم العربي أيضا. لذلك فإنني أقترح حلا للإشكال يهدئ من روع الجميع ويبدد الخوف الذي ينتابهم، ذلك أن المرشحين جميعا حين تقدموا لخوض غمار المنافسة، قالوا لنا إنهم بذلك يلبون نداء الوطن، وإذا كانت رياح الخوف قد ضربت الوطن وأشاعت البلبلة في أرجائه بعدما رشح الإخوان المهندس خيرت الشاطر، فإن تلك الرياح اشتدت وتحولت إلى إعصار عقب ظهور اللواء عمر سليمان في الأفق، ولأن الأمر كذلك فإن اقتراحي المحدد هو أن يتنازل الاثنان عن الترشح لكي يسكن الإعصار وينزع فتيل الأزمة ويعود الهدوء إلى ساحة الوطن، لتواصل الثورة تقدمها، فيوضع الدستور وينتخب الرئيس ويعود العسكر إلى ثكناتهم، ليهدأ بال المصريين وتأوي «بهية» إلى فراشها قريرة العين.
إن انسحاب الرجلين لإنقاذ الثورة والحفاظ على تماسك الجماعة الوطنية بات نداء الوطن وواجب الوقت.
.
مقالات أخرى...
- إنهم يدمرون الحاضر ويشوهون المستقبل - (17 أبريل 2012)
- الديمقراطية قبل الشريعة والاستقلال قبل الاثنين - (10 أبريل 2012)
- في أحضان بغداد - (3 أبريل 2012)
- متحمسون للثورة متعثرون في الديمقراطية - (27 مارس 2012)
- لكي تستطيع مصر أن تقول «لا» - (13 مارس 2012)
- لكي نحول الهزيمة إلى فرصة - (6 مارس 2012)
- أوقفوا عارنا في غـــزة - (28 فبراير 2012)
- مغامرة حكومة «الإخوان» في مصر - (21 فبراير 2012)
- لاعتذار إلى الشعب السوري - (14 فبراير 2012)