الجريدة اليومية الأولى في البحرين


مقالات


التغيير وإدارة التغـــيير فــي التعـليم العالي

تاريخ النشر : الثلاثاء ٢٤ أبريل ٢٠١٢



تخطو المملكة باتجاه إحداث تغيير إيجابي في التعليم العالي، يوائم في أبعاده وأهدافه التغيير الحاصل والمستمر في قطاعات الدولة كلها، ابتداء بالقطاعات السياسية والاقتصادية وليس انتهاء بالقطاعات المجتمعية والثقافية، ومن الأهمية بمكان طرح مثل هذا التغيير في مثل هذا الظرف الراهن الذي يتسع بحدوده المحلية إلى الإقليمية والدولية أيضاً، فالتغيير حالة مستمرة، كما قال الفيلسوف الشهير هيراقليطس (لا شيء يستمر سوى التغيير)، وبحسب وجهة نظر أنطوني دانجيلو (لا تخف من التغيير، بل اعتنقه).
لا يسع الدولة، أي دولة إلا أن تعتنق التغيير، وتكرسه واقعاً عملياً في كل بناءاتها ومكوناتها، ولعل أهم ما يجب أن يحدث فيه التغيير هو التعليم العالي، نظراً لأن ثلاثية (العلم والتعلم والمعرفة) هي أساساً التي تحدث التغيير، فإن أردنا أن نكون على سوية عالية من التفكير بأدوات التغيير لدينا، لا يجب أن نتجاوز الاهتمام بالتغيير في التعليم العالي بكل مكوناته، فكما يلازم المجتمع التنوع، فيجب أن يلازم التعليم التغيير والتجديد في المنهجيات والأدوات والطروحات. وحري بنا القول إن السياسات التي لا تعتمد التغيير كوسيلة وأداة من أدواتها إنما يتدفق إليها الفشل غالباً من هذه الفجوة، فجوة غياب منهجية التغيير.
لقد دأبت مؤسستنا التعليمية على تكريس معنى التغيير في مجالاتنا الأكاديمية والعلمية، ووسعت من إطار اهتمامات الجامعات ببناها التحتية والخدمية والإدارية، إلى جانب البنية العلمية والبحثية والتواصل المعرفي الثقافي من خلال شبكة العلاقات المؤسسية العلمية، لكن الذي يجب أن ينظر إليه بأهمية موازية هو إدارة التغيير أو قيادته، فليس المهم هو التغيير كحالة نظرية متصلة ببعض الأعمال الإجرائية، ولكن المهم بصورة أكثر خطورة هو إدارة هذا التغيير الذي بدونه يعتبر التغيير مجرد رؤية مشوهة، وهو في محصلته ينعكس كتأثير سلبي أو إيجابي على (استهلاك التعليم العالي) بحسب تعبير جوان وليامز في كتابه المعروف (استهلاك التعليم العالي)، ويعني به الطلبة الذين يأخذون وضع المستهلك مع ما لهذه الكلمة من دلالة غير إيجابية إذا كان المنحى التعليمي يعتمد الأساليب التقليدية والكلاسيكية، من دون التفات إلى التغيير وجدواه ومنفعته وإدارة هذا التغيير الذي ينشد الانتقال من الحالة الراهنة إلى المستقبل.
بعد ان وسعت البحرين من حدود الاستثمار في التعليم ورخصت للعديد من الجامعات الخاصة وجعلت منها شريكا رئيسا في تحقيق التطوير التعليمي في المملكة، لم يعد بالإمكان الرجوع الى الخلف، ولعل أولى الخطوات المهم اجتراحها هي أن تتبنى الدولة ومجلس التعليم العالي رؤية للتنسيق المباشر مع هذه المؤسسات التعليمية الخاصة والاحتكام إلى الحوار والنقاش البناء والتشارك في الآراء تفاديا للملاحظات السلبية التي يراها المجلس حول الجامعات الخاصة وذلك من باب الوقوف على المشكلة والمشاركة في وضع الحلول لها، وهي المنهجية السليمة التي يجب أن توجد لخلق مجال فعال من التعاون والتنسيق المشترك دفعاً للإصلاح وللتطوير ووصولاً الى النتائج الإيجابية للطرفين اللذين هما في واقع الحال طرف واحد يشترك في الرؤية والأهداف والتطلعات.
ومن باب التأكيد هنا أن الرؤية التي تبنتها المملكة في تغيير وإصلاح التعليم العالي يجب أن تتساوى مع رؤية جديرة بالنظر فيما يتعلق بإدارة التغيير، ولنسأل كمؤسسات رسمية رقابية وتشريعية وتنفيذية الى أين وصلنا في مشروع تغيير وتطوير التعليم والتعليم العالي على وجه الخصوص، ماذا أنجزنا بعد كل ما تراكم من خطط وبرامج وأعمال تنفيذية وإجرائية..؟ أين إدارة التغيير والتطوير لدينا في منهجيتها التي ترتقي الى مستوى طموحنا الوطني الناجز..؟
أسئلة علينا أن نجيب عنها بوعي كاف، لأن المرحلة المقبلة لا تدع لنا فرصة للخطأ.. والتعليم في البحرين مرصود بأعين مفتوحة بعدما حقق نجاحات مهمة، لا تخلو من النقد، وهذا حتى نكون منصفين.