قضايا و آراء
فرس الامبراطورياتِ والخليج العربي
تاريخ النشر : الثلاثاء ٢٤ أبريل ٢٠١٢
اصطدمت شعوب الجزيرة العربية والعراق بالامبراطوريات الفارسية عبر التاريخ، ومنذُ مجيء هذه الأقوام ذات الأصول الهندو- أوروبية، فإنها كانت تميل بقوة نحو وادي الرافدين حيث الزراعة الوفيرة والمياه.
صار الاصطدام حتمياً، وغدت العواصم الفارسية في قلبِ الأراضي لهذه الشعوب التي لعبتْ فيها ما يُسمى اللغات السامية الدور الأكبر في تطورها وتوحيدها، من الآرامية حتى اللغة العربية، ليرث العرب ثقافة السابقين وتزداد مركزة، أي تغدو مؤسِّسة لامبراطورية دينية مضادة.
كانت الامبراطورية الفارسيةُ تتوسع فيما قبل الإسلام، وتحتل قسما كبيرا من الشرق، ويصارعها العرب، ويذكر التاريخ محطات كثيرة لهذا الصدام.
من أهمها معركة سابور ذي الأكتاف، هذا الشاه الذي واجهه العرب وتحدوه وهزموه في بعضِ الوقائع ولكنه هجم عليهم واكتسح بلادهم، وعاقبهم بأن ثقبَ أكتاف المقاومين وحول جزر أوال (البحرين حالياً) لسجن للمعارضين.
ومعروفة كذلك معركة ذي قار، التي توحدت فيها قبائل شرق الجزيرة العربية وتصدت للجيش الفارسي. واعتبرت بداية للتوحيد، ثم جاء الإسلام وجاءت الفتوح، وقد أدت غطرسة الملك الفارسي وقتذاك وتحديه ورغبته في اعتقال الخليفة الراشد الثاني وإرساله الجيوش لذلك بأن اقتحمت الجيوش العربية بلاده، وتجاوزت خط العراق الحدودي الذي وضعه الخليفة الراشد الثاني خطاً أحمر لا يتم تجاوزه.
لم يستطع المسلمون الخروج من الإشكاليات القومية والاجتماعية السياسية، بالدخول في عالم الديمقراطية والحداثة، فوقع الفرس والعرب والأكراد والترك ومختلف أصحاب الأديان والمذاهب في هذا الصراع التقليدي قرونا طويلة.
كانت هناك محاولات طفولية للخروج من هذه القومية المتوارية المتعصبة عبر الفِرق الدينية المعارضة بدءا من الزيدية حتى القرامطة، وكان القرامطة أكثر القوى السياسية الاجتماعية طموحا لتجاوز تلك التناقضات ولكن بأساليب سحريةٍ لا عقلانية، لعدم قدرتهم على تحليل التاريخ والمجتمع بمنهجٍ مادي تاريخي، يكشف الصراع الاجتماعي ويفصلهُ عن الصراع القومي، فوحدوا الناسَ عبر قيادات أغلبها فارسي، وقاموا بإجراءاتٍ إيجابية في جانب ولكن عبر منهج حربي فوضوي من جانب آخر.
في العصر الحديث الذي اختلفت فيه الأمم بلغاتها ومصالحها وشعاراتها، لم يستطع العرب والفرس إنتاجِ أفكار نهضوية متماسكة مؤثرة، وظلت المذاهب الإسلامية بتفاسيرها التقليدية القديمة هي التي تحركُهم، وهي التي تُسيس في تلك التفاسير القديمة المضطربة، ولهذا لم تستطع المذاهب أن تشكل القوميات بخصائصها ومصالحها المختلفة.
فصارت الأمتان العربية والفارسية في تداخل وصراعات قومية مُضمرة واجتماعية حادة بارزة.
فإذا كانت المذاهب الإمامية عبرتْ عن حراك الفرس القومي حتى تتوج الأمر بالاثني عشرية، فإن العربَ عبروا عن حراكهم القومي بالمذاهب السنية ثم بالمذاهب التحديثية التي لم تصل إلى بلورة تطورهم وتوحدهم في زمنية الدول العسكرية فظهرتْ ثانية حالياً عبر المذاهب السنية في اضطراب وتردد وحيرة فكرية سياسية.
فالمذاهب السنية يختلط فيها الأمر بين التعصب للعرب وبين العالمية الدينية، وبين الشموليةِ والليبرالية، مثلما أن المذهب الجعفري في إيران يتعصب للفرس ويكره العرب ويتردد في عالمية بلا وضوح كذلك، وقُمعت بقوة اتجاهاته الديمقراطية.
ومع ظهور امبراطورية فارسية بشكلٍ مذهبي، راحت تستعيد الإرث السابق عبر هوية قومية مُلتبسة، فلم تستطع إنتاج فكر قومي ديمقراطي، ولا أممية شعبية إنسانية، وهي في الوقت الذي تعبر عن أرستقراطية عليا، ظهرت بشكل عسكري شمولي عنيف، راحت تجذب الفقراء على أساسِ كونها معبرة عن المضطَّهدين والمحرومين، في الوقت الذي تدخلُهم بصراعاتٍ حادة وتفكك بلدانَهم. أي أنها وهي تعجز عن توحيد بلدها بشكلٍ ديمقراطي حديث، تنشر طريقتَها في الخارج قفزة في الفراغ لتوحيد غير ممكن لأنه يجري على حساب دول وقوميات أخرى.
كان لابد أن يحدثَ الصدامُ بين الجانبين الفارسي والعربي وأن يُستثار المذهبان الإسلاميان في حومةِ صراعٍ قومي غير متبلور ديمقراطياً وفكريا وسياسيا.
فتغدو الأجندة الإيرانية الحكومية غير الديمقراطية داعية لديمقراطيات في الخارج، فيما تحاول الدول العربية أن تمشي أو تركض في المسار الديمقراطي حسب ظروفها الخاصة.
ولكن الدول العربية خائفة من التدخل في الجانب الإيراني ودعم القوى الديمقراطية المضطَّهدة والمقموعة هناك، وهذا يحدث في وقت تصاعدت فيه قوى العسكر الإيراني وحصار العالم لمشروعاتِها، ودخلت المنطقةُ شفير الهاوية.
ففيما تقوم قوى التطرف وجماعات الإمبراطورية العربية بقتل الفقراء والمؤمنين والمواطنين في العراق، تقوم قوى التطرف المضاد بقتل الثائرين السوريين أو بزرعِ العنف في البحرين الصغيرة التي تعاني بحجمها هذه العمليات المروِّعة، وسكانها خاصة يبحثون عن أبسط أشكال الرزق والعيش والانتقال والتقدم.
فمرة أخرى تعاني المنطقةُ والبحرين سابور ذي الأكتاف!