الجريدة اليومية الأولى في البحرين


دراسات


(حرامية) بغداد يغزون المنازل ليلا والحكومة نائمة

تاريخ النشر : الأربعاء ٢٥ أبريل ٢٠١٢



حين يقطع البث عن التلفاز في احد المنازل فان احد افراد العائلة يصعد إلى السطح ليتأكد عن سبب الخلل، ان كان ثمة سلك قد انقطع، او ان الصحن الهوائي (الدش) قد انحرف بسبب عاصفة ترابية عابرة..اذذاك تبدأ مسرحية سرقة المنزل.
افراد العصابة يقطعون السلك الذي يوصل الدش بالتلفاز فينقطع البث والهدف ان يغنموا بأحد افراد العائلة ليكون دليلا او رهينة.
يضعون المسدس في رأسه ويجبرونه على النزول معهم إلى داخل المنزل واذذاك يكون افراد العائلة جميعهم رهائن تحت السلاح، وعندها تبدأ المساومة فاما ان يسلموا اللصوص ما خف وزنه وغلا ثمنه واذا لم يوجد شيء ذو قيمة فلن يخرج اللصوص من دون مغنمة انما يقتادون معهم احد افراد العائلة مخطوفا إلى جهة مجهولة لتبدأ المفاوضات التي تنتهي اما بقتل الرهينة وإما بدفع الفدية التي ترضي جشع اللصوص ونزعتهم الاجرامية.
تلك احدى الوسائل التي انتشرت في بغداد مؤخرا لسرقة منازل المواطنين والتي راح البغداديون يحذرون بعضهم بعضا منها.
لم يعد حرامي بغداد كما وصفه شاعر العراق الكبير محمد مهدي الجواهري يوم قال:
وحرامي بغداد كان كبغداد رقة وشعورا
حتى (تقاليد الحرمنة) قد خربت واصبح الحرامية لا يترددون عن سرقة بيت الجيران بعد ان كان هذا النوع من السطو محرما في (اعراف) حرامية ايام زمان.
لم تقتصر ظاهرة السطو على المنازل في العاصمة العراقية على حي من دون آخر لكنها تزداد في الاحياء الشعبية وتكون نوعية في الاحياء الراقية، في منطقة «حي الجامعة» حدثت عملية سطو مسلح على منزل مواطن يدعى أبومحمد وذلك في ساعة متأخرة من الليل حيث اقتحمت عصابة مكونة من خمسة اشخاص المنزل وقاموا بالاعتداء على افراد عائلة المواطن المذكور وكان الهدف من الهجوم هو سرقة المنزل لكن تصدي افراد العائلة ورغم الاضرار الجسدية التي اصيبوا بها رجالاً ونساء حال دون تمكنهم من تحقيق اهدافهم، حيث تم تبليغ قوات الشرطة بالحادث وخلال مدة قصيرة تم تطويق المنطقة والقبض على افراد العصابة.
ابومحمد الذي قام بتغيير ابواب المنزل واضافة الاقفال عليها لم تمنع اللصوص من الهجوم على المنزل والسرقة فهل الحل هو وضع كاميرات وتطويق المنزل بالاسلاك الشائكة ليبدو كأنه معسكر ام ان تتخذ الدولة الاجراءات اللازمة لمنع هؤلاء اللصوص من اقتحام المنازل؟
يقول محمد الراوي «تعرض مسكني للسرقة أثناء سفرتي القصيرة إلى شمال العراق واستطاع اللص سرقة أشياء ثمينة تصل قيمتها إلى نحو أربعة ملايين دينار عراقي».
واستدرك لكنها كانت فرصة للتحذير والتنبيه حتى أقوم بحماية منزلي بشكل آمن فقمت بتركيب كاميرات مراقبة وأجهزة إنذار كي يتنبه أصحاب المنزل إلى أي خطر يمكن أن يقترب من المنزل.
أما رامي فيقول «تعرّض منزلي لسرقة بسيطة في إحدى الليالي قبل 4 اشهر، فقمت بتركيب سور حديدي بارتفاع متر زيادة على ارتفاع السور الأساسي وقمت بتأمين النوافذ والأبواب الخارجية الا انه بعد ستة أشهر فقط تعرض منزلي لعملية سرقة كبيرة أثناء ذهابي إلى المطار لتوديع بعض اقربائي، وعند عودتي للمنزل فوجئت بأن السارق دخل غرفتي الخاصة وسرق منها بعض الساعات والمصوغات تزيد قيمتها على 120 ألف دولار، ولم يترك السارق أي مكان في المنزل إلا وقد حاول البحث فيه عن مقتنيات ثمينة.
وتابع استدعيت الشرطة التي قامت بدورها بأخذ البصمات فقط وانتهى كل شيء عند هذا، عندها قررت بيع المنزل فلم أعد أشعر بالراحة والأمان فيه بعد عمليات السرقة هذه».
السرقة ليست بدعة اخترعها الحرامية في زمن ما بعد الاحتلال بل هي ظاهرة موجودة منذ وجدت بغداد غير انها تستفحل وتنحسر حسب التطورات التي يشهدها المجتمع وحسب طبيعة النظام السياسي الذي يحكم العراق.
في منتصف عقد السبعينيات وفي معظم سنوات عقد الثمانينيات من القرن الماضي انحسرت ظاهرة سرقة المنازل إلى حد اوشكت ان تتلاشى حتى ان البغداديين راحوا يتركون ابواب بيوتهم مشرعة وينامون قريري الاعين.
الظاهرة استفحلت في مطلع التسعينيات وبعد غزو الكويت تحديدا وما رافقها من حصار تسبب في شح الغذاء، وتدهور العملة وتدني المستوى المعيشي.
لقد بلغت ظاهرة السطو على المنازل في منتصف التسعينيات حدا دفع الرئيس العراقي الاسبق صدام حسين إلى الزام الجهاز الحزبي تنظيم دوريات ليلية تتولى حماية منازل البغداديين في ممارسة هي الاولى من نوعها في تاريخ العراق، اذ لم تعرف بغداد قبل ذلك التاريخ مليشيات حزبية تتولى حماية المواطنين لكن تلك الدوريات اوقف نشاطها بأمر من صدام نفسه بعد ان شاب عملها فساد وتعسف وانفلات.
السرقة صارت مهنة لمن لا مهنة له كما تقول الموطنة ام احمد وتضيف: كانت عمليات السرقة قليلة ومقتصرة على حاجيات معينة، اما اليوم فأصبحت مهنة لمن لا مهنة له، إذ يقوم بعض الشباب العاطلين عن العمل بتأليف عصابات تأخذ اسما غريبا مع اختيار زي معيّن لهم ويسطون على المنازل، وقد حصلت قبل مدة عملية سرقة في ساعة متأخرة من الليل إذ اقتحمت عصابة مكونة من خمسة أشخاص منزل جارنا وقاموا بالاعتداء على أفراد عائلته محاولين الحصول على مبتغاهم لكن تصدي تلك العائلة لهم تسبب بأضرار جسدية أصيب بها الرجال والنساء وبعدها تمكنوا من إبلاغ الشرطة وخلال مدة قصيرة تم تطويق المنطقة والقبض على أفراد العصابة.
من جهته قال ضابط في وزارة الداخلية العراقية طلب عدم الكشف عن اسمه ان عمليات السطو تقوم بها عصابات منظمة ومدربة على عمليات القتل والسطو تنتشر في بغداد وعدد كبير من المدن العراقية.
وأوضح المصدر أن معدل حالات السطو سجل ارتفاعا مخيفا قد يهدد انتعاش الحركة الاقتصادية في العراق الذي شهدها مؤخرا مع تعديل قانون المصارف الأهلية والخاصة.
وأوضح المصدر أن الشرطة سجلت حتى الآن أكثر من 40 حالة سطو في بغداد والنجف والأنبار وديالى والموصل على محال لبيع المجوهرات والذهب ومكاتب وشركات للصيرفة والحوالات المالية فضلا عن مصارف حكومية وأهلية. ولفت المصدر إلى أن الخسائر تقدر بأكثر من 50 مليون دولار أمريكي حتى الآن، وقتل أكثر من 22 عراقيا وجرح ثلاثون آخرون.
موضحا أن عشرات المكاتب والشركات أغلقت أبوابها تخوفا من عمليات سطو مماثلة. وأشار المصدر إلى أن عمليات السطو تتم بالعادة بمسدسات مزودة بكاتم للصوت وبسيارات حديثة وأفراد العصابة يرتدون ملابس حكومية.
وتابع «سجلنا في الأسبوعين الماضيين ما معدله عملية سطو واحدة كل ست ساعات شملت في الغالب منازل مواطنين ومخازن تجارية وشركات صرافة ومحال لبيع المجوهرات ومصارف»، معربا عن قلقه من تنامي الحادثة التي وصفها بأنها من صنع جماعات بعيدة كل البعد عن تنظيم القاعدة والفصائل المسلحة الأخرى التي تحاول الحكومة العراقية تبرير فشلها الأمني بلصق التهمة بشكل مباشر وسريع للقاعدة والجماعات التي تسميها التكفيرية.
الوكيل الاقدم لوزارة الداخلية عدنان الاسدي قلل كثيرا من حجم الظاهرة وقال إن سرقة المنازل موجودة في جميع المدن الكبرى مثل واشنطن وباريس ولندن وان ما يحدث في بغداد أمر طبيعي يتناسب مع الحالة الانتقالية التي يمر بها العراق ومع الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي يتجه نحو الاستقرار التدريجي حسب تعبيره رابطا ظاهرة السطو بتفشي البطالة بين صفوف الشباب الذين تضيق بوجوههم سبل العيش فيضطرون إلى سلوكات منحرفة، مؤكدا ان اجهزة الامن تبسط سيطرتها على بغداد وان حالات السرقة لم تعد ظاهرة انما هي ممارسات محدودة.
بين ما يقوله الاسدي وما يحدث على الارض بون شاسع، وبغداد لم تعد مبنية بتمر كما وصفها الشاعر البغدادي الكبير ملا عبود الكرخي انما مزروعة بالقلق والخوف من المجهول الذي لا احد يعلم من أية جهة يأتي ومن أية نافذة يدخل.