دراسات
الاقتصاد البحريني يعاود الصعود
تاريخ النشر : الأربعاء ٢٥ أبريل ٢٠١٢
تبين مؤشرات الربع الأول لعام 2012 أن الاقتصاد البحريني قد عاد إلى توازنه وتعافى من التداعيات السلبية للأحداث السياسية التي ألمت به في 2011، ووضع أقدامه على نقاط التأهب لمواصلة صعوده الذي قام به في العقد الأول من الألفية في اتجاه تحقيق أهدافه التي جسدتها رؤية .2030
وهذا الوضع كان محصلة ثلاثة عوامل تضافرت معًا لتحقيق هذه النتيجة، أولها: حصافة السياسات الاقتصادية والمالية البحرينية سواء في استيعاب الأضرار الاقتصادية التي حدثت في 2011 وقدرها كثير من المحللين الاقتصاديين في حدود 2 مليار دولار، وكان على رأس القطاعات المتضررة قطاع التجزئة والقطاع الفندقي والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، أو في إعادة اكتساب ثقة الفاعلين في قطاعات الاقتصاد البحريني داخليا وخارجيا، وثانيها: تضامن منظومة مجلس التعاون الخليجي مع البحرين؛ إدراكًا منها وحدة الارتباط بين الاقتصاد البحريني والاقتصادات الخليجية الأخرى، وأن تعافي هذا الاقتصاد يمثل مصلحة مشتركة لكل هذه المنظومة وبرهان حيويتها وجدواها، لهذا كان تعهد مجلس التعاون الخليجي بتقديم 10 مليارات دولار للمملكة على مدى عشر سنوات من 2011 ؟ 2021، وثالثها: استمرار الارتفاع في أسعار النفط، وهو ما مكن الإدارة الاقتصادية البحرينية من الاستفادة السريعة من الاستثمار في توسيع ورفع القدرة الإنتاجية لحقل البحرين.
ففي مقابل معدل نمو للناتج المحلي الإجمالي في 2011 بلغ نحوا من 1,9% - 2,2% فإن معدل النمو المتوقع للاقتصاد البحريني في 2012 يتراوح بين 3,4% - 3,6%، ليصل هذا الناتج طبقًا لتقرير بنك الكويت الوطني إلى 26 مليار دولار، وقد أرجع بنك ستاندرد تشارترد ارتفاع معدل نمو الناتج في 2012 فضلاً عن ارتفاع سعر النفط إلى تمكن السلطات البحرينية من السيطرة على التضخم، يذكر أن هذا البنك مشهود له بدقة التوقعات الاقتصادية.
من ناحية أخرى أكدت شركة «بيتك للأبحاث المحدودة» التابعة لمجموعة بيت التمويل الكويتي «بيتك» معدل النمو المتوقع 3,5% وأرجعته إلى السياسات الاقتصادية التي تركز في استعادة الثقة في اقتصاد المملكة، وتنويع مصادر الدخل، وحفز نمو القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية، وتشير بيانات الجهاز المركزي للمعلومات إلى أن معدل النمو المرتفع الذي أخذ يحققه الاقتصاد البحريني قد بدأ منذ الربع الرابع للعام المنصرم، وفيه حقق الاقتصاد البحريني معدل نمو قدره 3,2% بينما كانت التقديرات تشير إلى أن هذا المعدل 2,4% فقط، وأن الصناعات التحويلية كان لها دور ملموس في ارتفاع هذا المعدل وخاصة صناعة الألمونيوم، أما بيت الاستثمار العالمي «جلوبل» فقد توقع في تقريره الصادر في مارس أن يحقق الاقتصاد البحريني معدل نمو 3,6% في 2012، مشيرًا إلى أنه الاقتصاد الخليجي الأقل تأثرًا بتغيرات أسعار النفط.
وقد استمر سعر النفط الخام البحريني في الارتفاع ليبلغ في يناير 114 دولارًا للبرميل، ومن المعلوم أن إنتاج البحرين اليومي قد أصبح 195 ألف برميل بعد زيادة إنتاج حقل البحرين إلى 45 ألف برميل يوميا في المرحلة الأولى لتطويره بعد أن كان إنتاجه 30 ألف برميل يوميا فقط، بينما الباقي هو حصة البحرين البالغة 150 ألف برميل يوميا في حقل أبوسعفة المشترك مع السعودية، وفي فبراير ارتفع سعر الخام البحريني إلى 117 دولارًا للبرميل وفي مارس ارتفع إلى 120 دولارًا للبرميل، وهذه الارتفاعات تمكن من تخفيض عجز الموازنة وتسهم في تخفيض الدين العام وتوفر للحكومة البحرينية موارد أكبر للاستثمار الاجتماعي.
ولتعظيم القيمة المضافة من إنتاج البحرين النفطي فقد نجحت شركة بابكو في تحقيق معدل تكرير للخام عام 2011 فاق المعدل المخطط له ليصل الإنتاج إلى 271,3 ألف برميل يومي، ومع إنتاج يومي يصل معدله إلى 1,5 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي استمرت الحكومة البحرينية في تطوير مساعيها الرامية إلى توفير احتياجات البلاد من الغاز الطبيعي اعتمادًا على الإمكانات المحلية؛ حيث وافقت لجنة الشؤون المالية والاقتصادية بمجلس الشورى في فبراير على المرسوم بقانون رقم 34 لسنة 2011 بشأن اتفاقية الاستكشاف والمشاركة في الإنتاج للغاز العميق بين حكومة مملكة البحرين وشركة أوكسيدنتال الأمريكية، ومدة هذا المشروع 30 عامًا منها مرحلتا استكشاف مدة 7 سنوات، وفي هذه الاتفاقية تتحمل شركة أوكسيدنتال جميع مصاريف المشروع، وتقوم الحكومة بشراء حصة الشركة من الغاز بسعر 1,75 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وقد حصلت الحكومة على ضمان بنكي وآخر فني لتغطية التزامات الشركة.
وفي اتجاه مواز لتوفير بديل آخر هو استيراد الغاز المسال، فإن العمل جار في مشروع إنشاء مرفأ للغاز المسال متوقع اكتماله في 2014 - 2015، وبتوافره يمكن للحكومة البحرينية استيراد الغاز الطبيعي من أي مصدر، كما تمضي الحكومة البحرينية في التعاون مع إحدى الشركات الأمريكية لإنتاج الكهرباء في منطقة عوالي بالطاقة الشمسية على أساس تجريبي، وإذا نجحت التجربة سيجرى تعميمها على مناطق أخرى، ومشروع آخر للتعاون مع إحدى الشركات الألمانية حول كيفية الاستفادة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في توليد الطاقة، يذكر أن إجمالي قيمة المشروعات الجديدة في مجال الطاقة في البحرين حتى نهاية 2020 تقدر بنحو 4,2 مليارات دولار طبقًا لمجلس الطاقة العالمي، ولتطوير قدرات البحرين في المجال النفطي بدأت شركة «تطوير البترول بناء شبكة خطوط أنابيب تربط حقول النفط والغاز ونقل النفط إلى المصفاة في مشروع يمتد مدة خمس سنوات ويبلغ طوله 1900 كم، كما وقعت الهيئة الوطنية للنفط والغاز مذكرة تفاهم مع شركة أرامكو السعودية لبدء تنفيذ التصاميم الهندسية النهائية لخط أنابيب النفط الجديد الذي ينقل النفط الخام من شرق السعودية إلى مصفاة البحرين بطاقة 350 ألف برميل يومي وطوله 126كم وكلفته التقديرية 350 مليون دولار، ويبدأ تنفيذ المشروع في 2013 ويكتمل في 2015، كما تم الانتهاء من إعداد دراسة جدوى توسيع مصفاة البحرين، وهو المشروع الذي تبلغ كلفته نحو 8,50 مليارات دولار، ويرفع الطاقة الإنتاجية للمصفاة من 267 ألف برميل يوم حاليا إلى400 - 450 ألف برميل يوميا».
أما قطاع الصناعة التحويلية الذي يعد الحصان الأسود في تطوير قدرات الاقتصاد البحريني، ففيه نجد أن شركة ألومنيوم البحرين قد حققت أعلى إنتاج لها منذ نشأتها في العام المنصرم 2011 يبلغ 881,3 ألف طن، وتستهدف وزارة الصناعة والتجارة أن يرتفع إسهام الصناعات التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي من 17% حاليا إلى 25% في 2020، وهو ما يسهم في تحقيقه بدرجة كبيرة إنشاء مدينة اقتصادية صناعية جديدة توفر نحو 243 ألف وظيفة دائمة عند انتهاء مشروع هذه المدينة في 2040 وأن يصل ناتجها إلى أكثر من 5 مليارات دينار سنويا بحسب المؤشرات الأولية لدراسة هذه المدينة، وتضيف هذه المدينة إلى الجهد الذي قامت به الحكومة البحرينية في دفع نمو القطاع الصناعي واستثمارها أموالاً ضخمة في خلق البيئة الصناعية المناسبة، وخصوصا مدينة «سلمان» الصناعية التي تشمل منطقة الحد الصناعية ومنطقة البحرين العالمية للاستثمار ومرسى البحرين للاستثمار، وهذا الأخير تقدر كلفه بنحو 1,6 مليار دولار وتديره شركة «تعمير» كأكبر مشروع صناعي يشرف عليه القطاع الخاص ويعبر عن التعاون والشراكة العامة والخاصة في تنمية الاقتصاد الوطني، وتأتي هذه المدينة في إطار الخطة الاستراتيجية لوزارة الصناعة والتجارة 2011 -2014 وتستند إلى مجموعة واضحة من البرامج والمشروعات التي تتماشى مع رؤية البحرين الاقتصادية 2030، وتهدف إلى تنمية مملكة البحرين اقتصاديا وتمكينها من المنافسة دوليا في استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية عن طريق تهيئة البنية التحتية بمستوى عالمي وتوفير الأراضي للمشروعات الصناعية بكل مستلزماتها، ويشمل تعزيز النمو الصناعي مجالات أبرزها صناعة الحديد والصلب وصناعة البلاستيك والصناعات الغذائية وقطاع البتروكيماويات والأدوية والمنسوجات والجلود، والنظام الإلكتروني الموحد لقواعد المعلومات الصناعية وتنمية وتشجيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تمثل نسبتها 97% من إجمالي المؤسسات العاملة بالمملكة.
وأيضًا كنتيجة جهود وزارة الصناعة والتجارة توطنت بالبحرين مشروعات عملاقة في السنتين الأخيرتين مثل مجمع الحديد والصلب التابع لشركة فولاذ الذي تجاوزت استثماراته ما يزيد على مليار دينار ومصنع شركة كرافت العالمية وغيرها من الصناعات التي تتبع أكثر من 150 شركة وطنية وعالمية تمثل نحو 14 دولة بدأت عملها وإنتاجها في مدينة سلمان الصناعية، وتشمل التسهيلات التي تقدمها وزارة الصناعة والتجارة للاستثمار في هذا القطاع الإعفاء من الرسوم الجمركية على الواردات، والسماح بالتملك الكامل للمشروعات الصناعية، وتوفير التمويل الميسر من بنك البحرين للتنمية، وإعطاء أفضلية في المشتريات الحكومية للمنتجات الوطنية، ونتيجة هذه الحوافز والجهود فإنه طبقًا لتقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية 2010 ارتفع استقطاب الاستثمار الأجنبي في البحرين من مليار دولار في 1990 إلى 12 مليار دولار في 2010، كما زاد حجم التبادل التجاري إلى 1,7 مليار دولار في 2010 بينما كان 701 مليون دولار في .2004
وما حفز المستثمر سواء الوطني أو العربي أو الأجنبي إلى معاودة اهتماماته الاستثمارية بالبحرين أن يصدر تقرير الحرية الاقتصادية 2012 عن مؤسسة هيرتدج وول ستريت جورنال مسجلاً حصول البحرين على المركز الأول على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والمركز الـ 12 عالميا، حيث يعد رصيدها الإجمالي في أعمدة الحرية الاقتصادية من أعلى المعدلات العالمية والإقليمية، وهذه المعدلات العشرة هي: حريات ممارسة الأعمال، والتجارة، والسياسة المالية، والإنفاق الحكومي، والحرية النقدية، والاستثمار، والموازنة العامة، وحقوق الملكية، ومكافحة الفساد والعمالة، ولهذا لم تتراجع شركة سي آي بي سي الصينية الشريكة للمستثمر السعودي عبدالعزيز أبوحسين عن استثمار بقيمة 200 مليون دولار لإنشاء مصنع للألياف الزجاجية بمدينة سلمان الصناعية يوفر 1000 فرصة عمل، كما اتجه مستثمرون بحرينيون لتأسيس شركة لخدمات الطائرات في البحرين بالتعاون مع شركة أجنبية، وهو الاتجاه الذي حفزه أكثر إعلان كثير من الشركات الصناعية بياناتها المالية، التي أوضحت فيها تحقيق أرباح مجزية، مثل مؤسسة الخليج للاستثمار التي أظهرت بياناتها ارتفاع صافي إيراداتها إلى 182 مليون دولار في 2011 بينما كانت 151 مليون دولار في .2010
وبرغم المنافسة التي أخذ قطاع الخدمات المالية في البحرين يتعرض لها في السنوات الأخيرة من أشقائه في المنظومة الخليجية، فقد استمرت البحرين تمثل عنصر جذب خارج المنافسة في الكثير من تفاصيل هذا القطاع، من ذلك ما كشف عنه رئيس اتحاد المصارف العربية في يناير الماضي من إشهار بنك «استخلاف» كأكبر المصارف الإسلامية في المنطقة برأسمال 3 مليارات دولار، معتبرًا البحرين هي الأنسب لهذا المصرف، وأنها المرفأ المالي للمنطقة إلى جانب كونها مقر السوق المالية الإسلامية، وتمتع قطاعها المصرفي بقوانين وتشريعات تنظيمية عالمية، والتزامها بتطبيق كل المعايير المصرفية الدولية ومن ضمنها بازل 3 التي سيتم تطبيقها في 2019، وتماسك القطاع المصرفي البحريني وسط الأزمة المالية التي ألمت بالقطاع المصرفي، وعلى مستوى مجلس التعاون الخليجي فإن حجم المبالغ المدورة في أسواق البحرين المالية والمصرفية يقدر بنحو 8 مليارات دولار يوميا، وهو أعلى مستوى في المنظومة الخليجية، كما أن نسبة الفائدة على القروض في البحرين تعتبر الأقل على المستوى الخليجي، مما يعطي فرصًا كبيرة لنمو الأعمال في البحرين خلال السنوات المقبلة، ووفقًا لهذه المؤشرات تعتبر البحرين الأكثر جذبًا للأعمال في المنطقة، يأتي هذا برغم تراجع الميزانية الموحدة للجهاز المصرفي إلى أدنى مستوى لها منذ 2006؛ إذ بلغت 195,6 مليار دولار، غير أنها مازالت تقارب 7,5 مرات حجم الناتج المحلي الإجمالي البحريني البالغ 9,7 مليارات دينار، ومازالت البحرين في مقدمة الدول الخليجية من حيث عدد المؤسسات المالية التي بلغ عددها 415 مؤسسة في فبراير هذا العام.
وإذا كان إلغاء إقامة سباق الفورمولا وان هو التعبير الواضح عالميا عن رد الفعل الاقتصادي إزاء الأحداث السياسية في 2011، وترتب عليه فضلاً عن الخلل الأمني عزوف السياح وتأجيل المؤتمرات أو نقلها إلى مكان آخر، مما أسفر عن انخفاض نسبة إشغال الفنادق إلى ما بين 30% - 40% فضلاً عن تدني العائد من الغرف الفندقية بنسبة تتجاوز 52%، فإن الجهود الترويجية لقطاع السياحة في وزارة الثقافة والفعاليات والمؤتمرات التجارية والسياحية كمسابقة القوارب الشراعية والمعرض الدولي للقوارب ومعرض طيران البحرين الدولي، وعودة الاستقرار وتحسن الأوضاع السياسية، قادت معًا إلى تحسن الثقة في الاقتصاد البحريني، معبرًا عنها بعودة سباق الفورمولا وان إلى البحرين في ابريل 2012 لترتفع معه توقعات ارتفاع نسبة الإشغال الفندقي إلى 100%، يعزز هذا التوقع عودة نشاط السفر على جسر الملك فهد إلى معدلاتها الطبيعية بتجاوز عدد سياح الخليج 700 ألف مسافر في يناير ونحو نصف مليون مسافر في فبراير.
ولعل عودة التعافي لقطاعات الاقتصاد البحريني المختلفة تجعل من الممكن وقوف الاقتصاد البحريني خلال هذا العام على نقاط الوثوب لتحقيق رؤيته الاقتصادية 2030، حيث تشهد البحرين من هذا العام وخلال 15 عامًا تنفيذ 152 مشروعًا بكُلفة إجمالية تصل إلى 87 مليار دولار، من بينها 40 مشروعا في الصناعات النفطية و50 مشروعا في قطاع الإنشاءات و25 مشروعا في قطاع البنية التحتية ومثلها في قطاع السياحة وسبعة مشروعات في القطاع الصحي وتعبر هذه المشروعات عن التزام الحكومة البحرينية القيام بواجباتها حيال حالة الركود الاقتصادي التي ألمت بالاقتصاد البحريني نتيجة أوضاع الاقتصاد العالمي المتأثر بالأزمات المالية والاقتصادية والأحداث السياسية التي وقعت في 2011؛ حيث إن تكثيف الصرف الحكومي على مثل هذه المشروعات يستقطب الاستثمارات الأجنبية ويحفز القطاع الخاص إلى المشاركة، كما أن استهداف الحكومة البحرينية رفع مستوى معيشة مواطنيها مكنها من رفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من 21 ألف دولار في 2006 إلى 23,4 ألف دولار في 2011، إضافة إلى السيطرة على التضخم عند حدود 1%، كما أمكن لسياسات تنويع مصادر الدخل ارتفاع إسهام قطاع الخدمات المالية إلى 21% من الناتج المحلي الإجمالي ليأتي تاليًا لقطاع النفط وارتفاع إسهام الصناعات التحويلية إلى 17% من هذا الناتج.