رسائل
مأساة أطفال فلسطين في السجون الإسرائيلية الوحشية
تاريخ النشر : الأربعاء ٢٥ أبريل ٢٠١٢
مرة جديدة يلتفت المجتمع الدولي إلى انتهاكات الجيش الإسرائيلي وقضائه العسكري للفلسطينيين وقيامهم بإساءة معاملة وانتهاك حقوق الأطفال خصوصا، فقد أظهرت تقارير أخيرة ان الأطفال الفلسطينيين وحيدون وحيارى في سجن الجلمي الإسرائيلي بحيث ان النظام القضائي الإسرائيلي يقوم بممارسة ابشع واقسى طرائق التعذيب على الأطفال الفلسطينيين المعتقلين وجرمهم الوحيد انهم كانوا يرمون جنوده بالحجارة.
ويتحدث الأطفال المعتقلون عن العنف الجسدي ضدهم، وعن تعرضهم للشتائم المهينة مثل «انت كلب، وانت ابن عاهرة»، فضلا عن التهديدات المستمرة بقتل عائلاتهم وهو أمر شائع يحرم الكثير منهم من النوم، كما يتم تقييدهم بالكراسي ويتعرضون للحبس الانفرادي. وفي النهاية، يستمر تعذيبهم حتى يذعنوا على توقيع العديد من الاعترافات بالإكراه.
«أورينت برس» أعدت التقرير التالي عن السجن المشؤوم:
هناك ما بين 500 إلى 700 طفل فلسطيني يعتقلون كل عام بتهم اكثرها رمي الحجارة على الجنود والمستوطنين الإسرائيليين. منذ عام 2008 تمكنت الجمعية العالمية للدفاع عن حقوق الأطفال من جمع إفادات من نحو 426 طفلا فلسطينيا اعتقلتهم السلطات العسكرية الإسرائيلية وحوكموا في محاكم عسكرية وتظهر هذه الشهادات فظاعة ما يتعرضون له في المعتقلات الإسرائيلية من دون اي اعتبار لسنهم.
تقدم الجمعية تسجيلات سمعية وبصرية نادرة لاستجواب بعض الفتيان الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و15 عاما، احدهم من قرية النبي صالح التي كانت مسرحا لاحتجاجات أسبوعية ضد المستوطنين، وترصد هذه التسجيلات مدى بربرية الجنود الإسرائيليين في التعامل مع الأطفال، فضلا عن احتجاز العديد منهم في زنازين بلا منفذ.
حقائق بشعة
وفقا للتقارير المستقاة عن مأساة سجن الجلمي، يقوم افراد الجيش الإسرائيلي بتسليط ضوء قوي بشكل مستمر على الأطفال بهدف منعهم من النوم، كما أنهم في حال سمح لهم بالنوم ينامون على أسرة متسخة ولا يوجد سوى كوة صغيرة في باب الزنازين يتم إدخال الطعام من خلالها. كما انهم يمضون أياما عديدة حتى أسابيع من دون رؤية أحد أو حتى لقاء محاميهم.. اما المهرب الوحيد من هذا السجن الانفرادي فهو غرفة التحقيقات التي يساقون إليها مكبلي الأيدي والأرجل حيث يتم استجوابهم بقسوة ساعات كما لو انهم ارهابيون محترفون.
في الواقع، فإن معظم الأطفال المحتجزين داخل هذا السجن والكثير غيره متهمون بإلقاء الحجارة على المستوطنين الإسرائيليين أو التواصل مع منظمات فلسطينية ويتم استجوابهم للبوح عن ميولهم والنشاطات السياسية لزملائهم في الفصل أو عائلاتهم حتى جيرانهم.. وبالرغم من رفض الأطفال جميع التهم في البداية فإنهم بعد التعرض للإساءة الجسدية واللفظية والحرمان من النوم والحجز الانفرادي والتقييد في الكراسي يوقعون اعترافات مكتوبة تحت الإكراه تجنبا للمزيد من التعذيب والاذلال مهما تكن النتائج. ومن هنا يستغل الجيش هذه الاعترافات ليبقيهم في السجن اطول فترة ممكنة لتدمير نفسياتهم وتعذيب أجسادهم الصغيرة بكل الوسائل الملتوية التي بحوزته.
إساءات متواصلة
أوضحت الإفادات المسجلة عن وجود انتهاكات وإساءة معاملة ممنهجة لهؤلاء الأطفال، حيث يتم القبض عليهم في أوقات متأخرة من الليل، ويتم تقييد أياديهم وعصب أعينهم، بالإضافة إلى الإساءة الجسدية واللفظية. ولكن الهم المشترك لدى جميع هؤلاء الأطفال هو عزلهم في زنازين انفرادية او منعهم من رؤية أوجه مألوفة بحيث لا يتم السماح لأهالي هؤلاء الأطفال بالوجود معهم ولو وقتا قصيرا، ووجود الأطفال في سجون داخل إسرائيل يصعب من وصول أهاليهم إليهم، بالإضافة لعدم وجود للمحامين أثناء أو قبل الاستجوابات مما يشكل انتهاكا لاتفاقية جنيف والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل.
وتوحي شهادات اخرى بوجود نمط من الاعتقالات الليلية، وتقييد الأيدي برباط من البلاستيك وتعصيب العينين والاعتداءات الجسدية واللفظية والتهديدات، و9 في المائة من تلك الشهادات قال أصحابها إنهم ظلوا في الحبس الانفرادي وزادت هذه النسبة إلى 22 في المائة خلال الأشهر الستة الماضية.
ومن خلال التسجيلات الصوتية والمرئية التي تم تهريبها من السجن عبر نشطاء حقوقيين يظهر طفلان وقد ظهر عليهما الإعياء الشديد وتم استجوابهما مدة خمس ساعات ولم يتم إطلاعهما على حقهما القانوني في التزام الصمت.. كما لم يوجد محام للدفاع عنهما. ووفقا للتقارير، فقد حاول طفل من شدة الإعياء إسناد رأسه إلى الطاولة إلا أن المحقق نهره بشدة.. كما ظهر في الفيديو أيضا محقق يقوم بإشارات مهددة للطفلين مما دفع أحدهما للبكاء بشدة قائلا «إنه لديه امتحان في صباح اليوم التالي ويخشى أن يفوته ويرسب».
فضلا عن شهادات أطفال آخرين تم احتجازهم في السجون الإسرائيلية أفادوا بتعذيبهم وتعرضهم للإساءة الجسدية واللفظية حيث أشار أحدهم إلى تعذيبه بواسطة الصاعق الكهربائي أثناء استجوابه رغم ان عمره لا يتجاوز 12 عاماً.
وأفاد طفل آخر أن جنديا إسرائيليا حمله مقلوبا من قدميه وهدده بإلقائه من النافذة إذا لم يعترف بإلقاء الحجارة على مستوطنين اسرائيليين.. بالإضافة إلى تهديدهم باعتقال أفراد من عائلتهم إذا لم يعترفوا بالتهم الموجهة إليهم.
وبحسب الجمعيات الدولية الناشطة في حماية حقوق الأطفال فإن العديد من الوفود البرلمانية الأوروبية حضرت جلسات استماع لأطفال فلسطينيين متهمين بإلقاء الحجارة خلال العام الماضي، وقال أحد أعضاء هذه الوفود معلقا على هذه المحاكمات انهم شاهدوا أطفالا صغارا خائفين في عملية مذلة لا يمكن أبدا أن تسميها عدالة ويتم الحكم عليهم في خلال خمس دقائق وان الطريقة التي يتم التعامل بها مع هؤلاء الأطفال تضع عوائق أمام محاولات إسرائيل لإقامة علاقات سلام مع الفلسطينيين.
وقال أحد المسئولين في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال إن أسرع وسيلة لخروجهم من السجون الإسرائيلية هو اعترافهم حتى ولو كان تحت الإكراه وهو ما حدث في معظم الحالات الموجودة الآن أمام القضاء العسكري، بالرغم من أن هذا يضر بموقفهم القانوني في المستقبل وقد يجعلهم عرضة للاعتقال مجددا، أو يؤدي إلى زجهم في السجن عاما على الأقل.
إعادة تأهيل الأطفال
في المقابل، يزعم الجيش الإسرائيلي المسئول عن معظم هذه الاعتقالات في الضفة الغربية المحتلة أن النظام القضائي العسكري ملتزم بتوفير جميع الحقائق للمتهمين ويتمسك بممارسة حقوقه في المواقف الخطرة والمعقدة.
وقد برز في هذا الاطار، قلق منظمات حقوق الإنسان من تأثير هذه الاعتقالات على المدى الطويل في نفسية هؤلاء الأطفال الفلسطينيين حيث إنه بالرغم من إظهار بعض الأطفال تقبلهم وتحديهم لهذا الوضع فانه بعد الجلوس معهم بضع دقائق يتضح مدى تأثرهم بمثل هذه التجربة حيث قال بعضهم إنه لا يريد أن يرى جنديا مرة أخرى أو يمر عبر أي نقطة تفتيش مجددا خوفا من أي تجربة مماثلة.
وقال مدير إحدى المؤسسات المسئولة عن إعادة تأهيل هؤلاء الأطفال إن البعض يعتقد أن الأمر انتهى بخروج الأطفال من السجن، إلا أن هذا ليس صحيحا فبعد خروجهم تبدأ الآثار النفسية لهذه التجربة والصدمة وقد يظهر على بعض الأطفال اضطرابات النوم والكوابيس.
وقد وجهت المزيد من المنظمات الدولية دعوات إلى السلطات الإسرائيلية بضرورة مراعاة هذه الآثار النفسية على الأطفال المحتجزين وأنه بعد خروجهم قد يشعرون بالغضب من الظلم الذي وقع عليهم وقد يرغبون في الانتقام.. وأنه من المحزن رؤية الألم الذي يمر به أطفال فلسطين بعد تعرضهم للظلم من قبل النظام الإسرائيلي. وترى منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية، أن هذا النمط من المعاملة الذي ورد في دراسة مفصلة لجماعة «بيتسليم» ينتهك الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الإنسان التي صدقت عليها إسرائيل وستضرب السلام في مقتل.