شرق و غرب
حكم البعث: من العراق إلى سوريا
تاريخ النشر : الأربعاء ٢٥ أبريل ٢٠١٢
لقد ظل الرئيس العراقي صدام حسين ونظيره السوري بشار الأسد ؟ ثم ابنه بشار الأسد ؟ يمارسون السلطة المطلقة على مدى عقود من الزمن. فقد قضوا على كل أشكال المعارضة وكمموا كل الأصوات المناهضة لهم حتى في صلب النظامين البعثيين في بغداد ودمشق، فأصبح بذلك من الصعب إطلاق نقاش حقيقي حول الخيارات الاستراتيجية في كلا البلدين. لقد وجد هؤلاء الحكام الشموليون الدكتاتوريون كل الدعم من وسائل الإعلام التي تجندت في خدمتهم، الأمر الذي جعلهم يتعامون عن الواقع ويعتقدون أن شعبيتهم في ذروتها فلم يدركوا بالتالي حقيقة الواقع السياسي الدولي المعقد، فولدت القرارات التي اتخذوها كارثة حقيقية على شعوبهم وكانت وبالا على شعوبهم.
رغم أنه تصعب مقارنة الآلية التي يتم من خلالها اتخاذ القرارات السياسية فإنه يمكن التوقف عند بعض النقاط المشتركة حيث إن المرجعية البعثية هي التي تحكم البلدين، فقد ظل حزب البعث يحكم العراق منذ سنة 1968 حتى سقوط نظام صدام حسين سنة 2003 إبان الغزو العسكري الأمريكي الذي قادته إدارة الرئيس السابق جورج بوش. أما في سوريا فبدأ حزب البعث الحكم في البلاد سنة 1970 وهو لايزال حتى اليوم يطبق على البلاد.
لقد عمل كلا الحزبين: حزب البعث العراقي وحزب البعث السوري، على بناء نظامين مركزيين موغلين في التسلط والبيروقراطية فيما ظل الرئيس في كلا البلدين يحكم البلاد بقبضة حديدية.
وسواء كان الأمر في العراق أو في سوريا فإن أجنحة حزب البعث كانت دائما تتصرف كأدوات لفرض السيطرة على الجماهير وممارسة ما يشبه غسل الأدمغة باسم ايديولوجية الحزب الحاكم التي لا يعلو فوقها أي اعتبارات أخرى.
إن محاضر اجتماعات مجلس القيادة القطرية لحزب البعث أو تسجيلات مجلس قيادة الثورة الذي كان يرأسه صدام حسين تعطي فكرة واضحة عن الطريقة التي كانت تتخذ بها القرارات في بغداد.
كان نظام الحكم في بغداد لا يعتمد على كثير من الأوامر المكتوبة، فقد كان قادة حزب البعث وأعضاء مجلس الثورة وكبار الضباط العسكريين يشاركون في النقاشات لكن إذا لم يكن صدام حسين «مقتنعا» بآرائهم ووجهات نظرهم فإن الاقتراح الأصلي يظل على حاله من دون أدنى تغيير.
إن آلية اتخاذ القرارات الاستراتيجية الحساسة الفوقية كانت تتجلى على وجه الخصوص في المجال العسكري رغم أن صدام حسين لم يكن يملك كفاءة كبيرة في هذا الميدان. وعلى عكس والده حافظ الأسد فإن بشار الأسد عديم الخبرة العسكرية حيث إنه لم يتلق أي تكوين في المجال الدفاعي والاستراتيجي رغم أنه يظهر أحيانا وهو يتدثر البزة العسكرية، لزوم الدعاية السياسية.
إن هذا الأسلوب الهرمي في إدارة السلطة أفرز كراهية كبيرة للأنباء غير السارة. في الحقيقة فإن صدام حسين أو حافظ الأسد لم يكونا يختلفان في شيء عن الكثير من الحكام الشموليين الآخرين في العالم.
خلال احد المنتديات التي عقدت في خضم حرب الخليج سنة 1991 وفي حضور كبار القادة العسكريين، عبر صدام حسين عن سخطه ونقمته على أولئك الذين يشككون في قدرات البلاد حيث قال بالحرف الواحد: «أنا لا أسمح لأي كان بأن يعبر عن أي آراء متشائمة. يهمني فقط الآراء الايجابية».
كان من الصعب معارضة رأي الرئيس، سواء في عهد نظام صدام حسين أو في ظل حكم حافظ الأسد على وجه الخصوص، فتسجيلات ومحاضر الاجتماعات التي كانت تعقد كانت تفتقر إلى أي نقاشات جدية تتعلق بالقضايا الحيوية ذات الأولوية والأهمية القصوى. لقد كانت الاجتماعات واللقاءات والندوات تتوقف على مزاج الزعيم من دون إعطاء الأولوية لجدول الأعمال. في كثير من الأحيان كان صدام حسين يعبر عن الأفكار التي تخطر بباله.
لا شك أن عبادة الذات قد ولدت جنون العظمة لدى صدام حسين وحافظ الأسد على غرار بقية الحكام الدكتاتوريين الآخرين الذين عرفهم العالم على مر العقود. لقد كان صدام حسين على سبيل المثال مقتنعا بأنه يتمتع بشعبية جارفة وأنه يحمل رسالة لشعبه.
أما نظيره البعثي السوري حافظ الأسد فقد وصل به الأمر إلى حد القول ذات مرة: «أنا أعيش حياة طبيعية عادية. لذلك فأنا أتمتع بشعبية كبيرة».
يعتقد أمثال هؤلاء الحكام بمن فيهم صدام حسين وحافظ الأسد ومن لف لفهما أنهم فوق النقد، فكل قرار سيئ أو خاطئ يتحمل تبعاته وتداعياته أشخاص آخرون. أما الأمر الأكثر خطورة فهو يتمثل في هؤلاء الحكام المستبدين الذين يصلون إلى مرحلة يصبحون معها منقطعين عن الواقع ؟ واقع شعوبهم بالدرجة الأولى ؟ وهنا يتحمل الإعلام مسؤولية كبيرة في تكريس هذا الواقع وبناء صورة وهمية للدولة والنفخ في شعبية القائد الملهم، فوسائل الإعلام كانت مجندة لتلميع صورة القائد الملهم ؟ صدام حسين وحافظ الأسد ؟ علما بأن الواقع الحالي في كلا البلدين لم يطرأ عليه تغير إيجابي، فبشار الأسد مجرد امتداد لوالده وهو لا يقل عنه بطشا بالشعب السوري وسفكا لدمائه. أما في العراق فإن وسائل الإعلام في فترة ما بعد نظام صدام حسين قد أصبح لها نفس طائفي.
في حوار أجرته معه إحدى المحطات التلفزيونية الأمريكية قال بشار الأسد: «لقد بذلت كل ما في وسعي من أجل حماية شعبي. لذلك أشعر بأنني غير مذنب.. يشعر المرء بالذنب عندما يقتل شعبه ويسفك دمه».
لقد عمدت الأنظمة التي كانت تحكم ليبيا وسوريا والعراق إلى بناء «دولة الخوف» وتكريس مناخ من الرعب من أجل ضمان ديمومتها في السلطة. في اجتماع عقده مع كبار المسئولين سنة 1987 برر صدام حسين قراره باللجوء إلى استخدام العنف وفسر الأمر لرئيس الأمن العام في تلك الفترة قائلا: «نحن هنا في خدمة شعبنا ولسنا هنا من أجل قتله. رغم ذلك يجب أن نقتل أي شخص يستحق أن يقتل. سنقطع الرؤوس خدمة لخمسة عشر مليون عراقي».
لا تقل سوريا فظاعة عن العراق لكن يبدو أن خوف الشعب السوري قد ظل يتقلص مع كل رصاصة تطلق ومع ازدياد أعمال القمع الوحشية التي يرتكبها نظام بشار الأسد. يقول الكاتب الصحفي المعرف الان جريش: «إن الرصاص قد قضى على مشاعر الخوف في سوريا الآن».
في سنة 1991 فوجئ صدام حسين ونظام البعث الحاكم في بغداد باندلاع الحركة التمردية في العراق.
في سنة 2011 فوجئ بشار الأسد ؟ الذي ورث الحكم عن والده ؟ باندلاع انتفاضة شعبية مناهضة لنظام حزب البعث الحاكم في دمشق.
في كلتا الحالتين لم تلعب البطانة أي المسئولون المحيطون بصدام حسين أو بشار الأسد أي دور يذكر، ففي كلتا الحالتين نجد أن المواقع المركزية المحيطة بالرجلين تضم أفرادا من العائلة والأطراف الأخرى الموالية لنظام البعث في سوريا والعراق إضافة إلى الأقرباء المخلصين والأصهار الذين يتزوجون من عائلة الرئيس.. هذا الأسلوب يسمح ببناء طوق قوي حول الرئيس توحده المصالح المشتركة، كما أن سقوط النظام لا يخدم شبكة المصالح التي بنوها على مر العقود، ومن جهة أخرى فإن مثل هذه البطانة التي تحيط بالرئيس في العراق وسوريا تحول دون فتح الباب لإجراء نقاشات جدية وحقيقية وصريحة حول أمهات القضايا الحيوية الحساسة.
مع مرور الوقت أصبح صدام حسين هو الذي يتخذ كل القرارات من دون أن يستشير أي أحد. لم تسبق أي نقاشات الغزو العراقي للكويت المجاورة في شهر أغسطس 1990 على عكس الحرب ضد إيران التي سبقها العديد من النقاشات السياسية والعسكرية والاستراتيجية.
يمكن أن نفسر بقاء نظام البعث في الحكم كل تلك الفترة بإصرار قيادته على القضاء على كل صوت معارض ؟ مدنيا كان أو عسكريا ؟ مع الاعتماد على سياسة التخويف من أجل السيطرة على الشعب.
لقد واجه صدام حسين الصراعات الداخلية والهزائم المتتالية بكل برودة دم نظرا إلى ما يتمتع به من قوة في الشخصية إضافة إلى كثير من الغرور. أما بشار الأسد فقد ذكر أنه لم يفقد القدرة على النوم في خضم الأزمة الحالية التي تعصف ببلاده حيث قال:
«أنا لم أفقد هدوئي. لا أتعامل مع الأزمة بشكل انفعالي بل أتعامل معها بكل هدوء حتى أتمكن من إيجاد الحلول اللازمة».