هوامش
التجميد ليس كافيا.. يجب إلغاؤها
تاريخ النشر : الأربعاء ٢٥ أبريل ٢٠١٢
عبدالله الأيوبي
منذ أن وقعت الحكومة المصرية عام 2005 اتفاقاً مع الحكومة الإسرائيلية لتصدير مليار و700 مليون متر مكعب سنويا من الغاز إلى الكيان الصهيوني مدة تصل إلى عشرين عاما، بثمن قيل إنه يتراوح بين 70 سنتا ودولار ونصف دولار لكل مليون وحدة حرارية في وقت تصل فيه أسعار الكلفة إلى 2,65 دولار، فإن الاقتصاد المصري يتحمل خسائر باهظة جراء هذا الاتفاق غير المتكافئ من الناحية الاقتصادية والتجارية، ناهيك عن أن مصر في ظل حكومة الرئيس المصري السابق حسني مبارك تكون قد فرطت في ثروة وطنية ذات قيمة سوقية استراتيجية عالية من دون مقابل مادي يعادل أسعار السوق المتداولة لسلعة الغاز ناهيك عن أن الاتفاق بحد ذاته يقدم مكافأة للكيان الصهيوني من دون أي مقابل.
مصر التي قيدها الرئيس المصري الراحل أنور السادات باتفاقيات «كامب ديفيد» تعرضت سيادتها لانتهاكات خطرة جراء بنود في تلك الاتفاقيات، ناهيك عن أنها أخرجت مصر من محيط الصد العربي في وجه الأطماع الصهيونية مما مكن العدو من الاستفراد بالأطراف العربية وخاصة بالطرف الفلسطيني الذي يشكل الحلقة الأضعف في المواجهة العربية مع العدو، ومنذ تلك الاتفاقيات ومصر لم تقم لها قائمة حيث دخلت الحظيرة الأمريكية وانفصلت عن محيطها العربي في السنوات الأولى التي أعقبت توقيع اتفاقيات «كامب ديفيد».
صحيح أن اتفاقية تصدير الغاز المصري إلى الكيان الصهيوني ليست جزءا من اتفاقيات «كامب ديفيد» وأن إقدام مصر على تجميد اتفاقية الغاز لا يمت بصلة إلى موقف سياسي من اتفاقيات «السلام» بين الجانبين، إلا أن مزاج الشارع المصري ومنذ توقيع اتفاقية الغاز يميل إلى اعتبارها استمرارا لسياسة التنازلات التي دشنت مع اتفاقية «السلام» مع الكيان الصهيوني عام 1979، ناهيك عن أن اتفاقية الغاز تلحق ضررا اقتصاديا كبيرا بالجانب المصري.
لم تكن هذه الأسباب والظروف وحدها التي أثارت الحنق لدى الشارع المصري ودفعته للمطالبة باستمرار بإلغاء اتفاقية تصدير الغاز إلى الكيان الصهيوني، وإنما هناك أسباب موضوعية أخرى أسهمت في رفع وتيرة الرفض الشعبي لهذه الاتفاقية، منها أن الكيان الصهيوني يحصل بموجبها على أسعار أفضل من الأسعار التي تحصل عليها المؤسسات الصناعية المصرية نفسها، وهذا ما يتعارض مع المصلحة الوطنية وحق الشعب المصري ومؤسساته المختلفة في التمتع بأفضلية الاستفادة من الثروة الوطنية.
وبعيدا عن الأسباب التي تتحدث عنها مصر لتبرير قرار وقف تصدير الغاز إلى الكيان الصهيوني وتجميد فعالية الاتفاقية بين الجانبين، وبأن خلافا تجاريا يقف وراء القرار المصري وهو ما يؤكده الكيان الصهيوني، فإن لهذا القرار المصري صدى إيجابيا لدى الشارعين المصري والعربي بشكل عام، حيث يرى الشارعان ان استفادة الكيان الصهيوني من الثروة العربية يرقى إلى مستوى الخيانة القومية وخاصة أن العدو مستمر في احتلال أراض عربية في سوريا ولبنان، ناهيك عن مصادرة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وتعطيل مسيرته نحو إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني.
فاتفاقية تصدير الغاز إلى الكيان الصهيوني لا تقدم أي فائدة لمصر، بل على العكس من ذلك فإن الاقتصاد المصري يتحمل ما يقارب عشرة ملايين دولار يوميا فارق سعر البيع للكيان الصهيوني وكلفة الإنتاج، الأمر الذي يثير الحنق والريبة لدى المجتمع المصري الذي لا يرى في هذه الاتفاقية سوى مكافأة للعدو الصهيوني وتفريط غير مبرر في الثروة الوطنية المصرية، وبالتالي فإن الحكومة المصرية بعد الثورة مطالبة بتصحيح الخطأ الفادح الذي ارتكبه نظام حسني مبارك فيما يتعلق بتوقيع اتفاقية تصدير الغاز إلى العدو الصهيوني.
حتى لو كان «العقد شريعة المتعاقدين»، فإن هناك رائحة إذعان تفوح من سطور الاتفاقية السالفة الذكر، إذ لا يمكن لأي عاقل أن يتصور بيع سلعة لطرف أجنبي بأقل من كلفة إنتاجها، إلا إذا كان البائع يحصل على مقابل لتعويض الفارق في السعر، فهل يدخل هذا الفارق في حساب المساعدات الأمريكية السنوية إلى مصر التي تقدر بنحو ملياري دولار سنويا، مع العلم بأن تلك المساعدات هي مكافأة أمريكية لنظام أنور السادات على خروجه من المحيط العربي وتوقيع اتفاقية «كامب ديفيد»؟