قضايا و آراء
جدلية العلاقة بين الإصلاح والزمن
تاريخ النشر : الخميس ٢٦ أبريل ٢٠١٢
يكاد يجمع الكثير من الخبراء الاقتصاديين والاصلاحيين في مجالات السياسة والفكر والثقافة على ان التغيرات والإصلاحات الاقتصادية والادارية والسياسية هي بنت زمنها، ترتبط بحزمة الحقائق الذاتية والموضوعية لمجتمعاتها في مرحلة من الزمن. وحيث ان عالم اليوم عالم سريع الايقاع، تجري متغيراته بسرعة غير مألوفة من قبل، اصبحت المرحلة الزمنية في منظوره، متغيرا لحظيا، لا يحتمل امتداد السنين ولا يقبل التأجيل، وان التغيير الاصلاحي الذي يبدأ اليوم ويحتاج الى سنوات حتى ينضج لن يكون كافيا ولا مقبولا بعد فترة وجيزة من الزمن، لا بل سيصبح ماضيا عفا عليه الزمن، وفي احسن احواله قاعدة لبناء ينبغي ان يتواصل ويحدث ويلاحق ويواكب ان لم يسبق الزمن. فنحن نعيش في عالم ديناميكي يتعرض لتغييرات مستمرة، اصبحت معه حتى القوانين والقواعد والأعراف التي عادة ما تكون معايير امره لمراحل طويلة نسبيا من الزمن، مؤشرات يعاد تحديثها وتنميط تطبيقها مواكبة لسيل التغيرات التي يشهدها المجتمع. وتعددت الرؤى للزمن فالاقتصاديون المعاصرون يعدونه عنصرا رئيسيا من عناصر الانتاج، وعلماء الفيزياء والطبيعة يعدونه البعد الرابع للاشياء بعد الطول والعرض والارتفاع. والادباء والشعراء يعدونه الامل، ولكن اعظم ما احكم قيمة الزمن الباري عز وجل في محكم كتابه العزيز حينما ربط معظم العبادات بمواعيد زمنية محددة وثابتة كالصلاة والصيام والحج، بحيث ان اداءها لا يتحقق بشكل سليم إلاّ عن طريق الالتزام باوقاتها، فضلا عن العديد من الاحكام الشرعية التي ارتبطت بالزمن وعليه لكي نصمم سياسات الإصلاح المؤثرة ونطبقها ونجني ثمارها سواء في ميادين الثقافة او الاقتصاد او التربية والتعليم او غيرها ينبغي ان نحكم
العلاقة الجدلية بين الاصلاح والزمن.
وحينما نحاول ان نعكس هذه الرؤية على واقع الحال في مملكتنا الحبيبة نشعر بالفخر والاعتزاز بقيادة بلادنا التي ما فتئت تنظر بجدية وحزم لعنصر الزمن فترسم سياساتها بناء على احتياجات الحاضر وبما يقود ويتواصل ويخدم المستقبل من دون ان تغفل مؤثرات الماضي، وهذا ما نلاحظه من استقبالات ولقاءات جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة رعاه الله المتواصلة مع شرائح واطياف متعددة من الشعب، والزيارات المستمرة لصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان رئيس مجلس الوزراء الموقر إلى المواطنين في فرجان واحياء وشوارع المملكة. ولقاءات ومتابعات صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد الامين للوقوف ليس على احتياجات الناس وتلمس همومهم فحسب،بل للاستئناس بآرائهم والاحاطة بمستجدات مرئياتهم ومتطلباتهم وتحويلها الى قرارات ومبادرات تستجيب وتستوعب عمليات التغيير الديناميكي السريع التي لم يعد احد بعيدا عنه . فقد اثبت الواقع ان روح ومبادئ الاصلاح المتنامي والمتواصل والمتجدد والمدرك لقيمة الزمن متجذرة في مرئيات وممارسات وتوجيهات قيادة البلاد. لذا فإن مملكتنا الحبيبة سبقت العديد من الدول في مجالات التعليم والثقافة والعمران واستقطاب وتوطين المصارف والمؤسسات المالية بنمطيها التقليدي والاسلامي، واعتماد سياسات التنويع الاقتصادي، والانفتاح الاقتصادي والثقافي، وتوفير البيئة المواتية لجذب الاستثمارات وتعزيز التنافسية الاقتصادية، والقدرة على مواجهة التحديات وادارة الازمات والحد من الفقر وتحجيم البطالة، إضافة إلى تحسين الخدمات الصحية والتقدم بخطى متصاعدة في معالجة مشكلة الإسكان، ودخول اقتصاد المعرفة والتمكن من عصر المعلومات واعتماد سياقات الحكومة الالكترونية، وتحقيق افضل المواقع في مختلف معايير التنمية البشرية. وسبقت غيرها في الاصلاح السياسي والبناء الديمقراطي وتأمين الحريات واستيعاب مختلف الرؤى والتوجهات وتحقيق تكافؤ الفرص.
وبالرغم من اننا نشهد اليوم حقبة جديدة من التحدي الحضاري والاقتصادي والسياسي من النوع الذي يترك بصماته على مسيرة تاريخ الامم والشعوب والذي يتطلب تواصلا متسارعا لمسيرة الاصلاح والتحديث والتنمية، ومواكبة ديناميكية، لا بل استباقا للمستجدات السياسية والفكرية والتنموية والتقنية التي تشهدها المنطقة والعالم، نجد البعض لا يعير اهتماما للزمن ولا يفكر بجدولة نشاطاته ولا يضع سقوفا محددة لانجاز مهامه، فهو يسعى الى ايقاف حركة الزمن، وهو بذلك من حيث يدري او لا يدري انه بهدر الزمن، وايقافه يقود الى قتل الفرص التي تواكب الزمن، وما مع تلك الفرص من فرص لمزيد من التطور والتقدم وسبق الآتي من الزمن، مضيعا فرصا تنموية تحقق قيمة مضافة وفرصا لتشغيل المواطنين، وديناميكية تعزز الاستقرار وتدعم الامن الاقتصادي والفكري والمجتمعي وتضع البلاد على خريطة العالم المتحضر المتوثب دائما الى الامام الذي نحن احوج ما نكون اليه الان. فهل يدرك اولئك جسامة تحجيم الزمن تحت شعار الاصلاح؟ وهم العارفون أن الجهل او بالاصح تجاهل قيمة الزمن كان ولم يزل أحد الأسباب الرئيسة لتخلف امتنا العربية عن غيرها من الأمم التي تعد في طليعة الركب الحضاري المعاصر بالرغم من سبقنا التاريخي الحضاري لها . ان الاصلاح اياً كان ميدانه لا يمكن ان يتم من دون علاقة جدلية وثيقة مع الزمن ولاسيما انه يستهدف النهوض الشامل بالمجتمع من جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وانه آليات ومداخل متجددة لإعادة ترتيب وتنظيم وتكامل العلاقات الداخلية والخارجية للمجتمع.
* أكاديمي وخبير اقتصادي