عربية ودولية
المحكمة العليا تدين رئيس الوزراء الباكستاني بعرقلة تحريك دعوى ضد الرئيس
تاريخ النشر : الجمعة ٢٧ أبريل ٢٠١٢
إسلام آباد - (أ ف ب): أدانت المحكمة العليا في باكستان أمس الخميس رئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني، لعدم احترام قراراتها عندما رفض قبل أكثر من عامين تحريك دعوى قضائية ضد الرئيس آصف علي زرداري بتهمة تبييض أموال عامة، لكن الحكم الرمزي الصادر بحقه لا يزال من الممكن أن يؤدي إلى إقالته من منصبه.
وغادر جيلاني المحكمة حرا إذ أنها لم تقرر توقيفه إلا رمزيا خلال مدة الجلسة التي لم تستغرق سوى بضع دقائق، وكان يمكن أن يُحكم عليه خلالها بالسجن ستة أشهر. لكن هذه الإدانة تفتح الباب أمام بدء إجراءات تؤدي إلى تنحيته، لأنها يمكن أن تؤدي إلى استبعاده من البرلمان الذي يتعين أن ينبثق رئيس الوزراء منه.
وفور صدور الحكم، طالب الزعيم الرئيسي للمعارضة الباكستانية نواز شريف بالاستقالة «الفورية» لرئيس الوزراء الذي بقي أطول مدة في منصبه في تاريخ البلاد. لكن القليل من المراقبين يتوقعون مثل هذا السيناريو على الأقل في الأمد القصير، حيث إن إجراءات الإقالة يمكن أن تطول لعدة أشهر في حين أنه من المقرر تنظيم انتخابات في بداية عام 2013، وربما قبل ذلك، كما تطالب المعارضة منذ عدة أشهر.
وأعلن محامي جيلاني، إعتزاز إحسان، أن موكله سيستأنف قرار المحكمة دافعا بوجود خلل إجرائي. ومع أن استقالة محتملة لجيلاني من شأنها إضعاف الرئيس زرداري، فإنه ليس من شأنها قلب المعطيات بشكل جذري في الساحة السياسية الباكستانية. وسيكون على حزب الشعب - الذي يقود ائتلافا حاكما - في تلك الحالة أن يعوض سريعا جيلاني بأحد أعضائه الآخرين.
ومع ذلك فان الإدانة تزيد من هشاشة السلطة الباكستانية الضعيفة الشعبية أصلا بسبب اتهامات متواترة بالفساد، وتمرد إسلامي عنيف وأزمة عميقة في الاقتصاد وفي مجال الطاقة. وتشهد هذه القضية المستمرة منذ أشهر عملية تسييس واسعة، ويتهم العديد من مسئولي الأغلبية الحاكمة، المحكمة العليا بالسعي إلى الإطاحة بجيلاني وزرداري قبل نهاية الولاية الرئاسية والانتخابات العامة المقررة في شهر فبراير 2013.
واتهم آخرون الجهاز القضائي بخدمة مصالح الجيش القوي الذي حكم البلاد خلال فترة تفوق نصف المدة الفاصلة بين عام 1947 تاريخ استقلالها واليوم، وراقب عن قرب في باقي المدة حكومات مدنية، ما زاد من إضعاف السلطات السياسية. ورأى بعض المحللين في الآونة الأخيرة أن الحكم على جيلاني بالسجن يمكن أن يزيد من شعبية حزب الشعب الباكستاني، لأن هذا الأخير سيظهر بمظهر الضحية.
وقال المحلل السياسي امتياز جول إن «المحكمة العليا كانت واعية جيدا لهذا الأمر، ولذلك لم ترم به في السجن». غير أن لب القضية يتعلق خاصة بالرئيس آصف علي زرداري. وينقسم خبراء شؤون القانون الباكستاني حول احتمال استقالة جيلاني بعد إدانته، مما سيزيد من انعدام الاستقرار في البلاد التي تشهد أعمال عنف تنسب إلى تنظيم القاعدة وحركة طالبان.
وينص الدستور الباكستاني على أن أي شخص تتم إدانته بتحقير أو إهانة القضاء، لا يحق له تولي رئاسة الحكومة. إلا أن خبراء في القانون يرون أن عملية إقالة جيلاني يمكن أن تكون طويلة وتحتم مشاركة رئيس مجلس النواب واللجنة الانتخابية. وجاء في الحكم الذي تلاه القاضي ناصر الملك الذي ترأس الجلسة، إن «رئيس الحكومة يوسف رضا جيلاني أدين بمخالفة قرارات المحكمة لأسباب ستسجل لاحقا».
وقال القاضي إن ما قام به جيلاني «يشكل إهانة لهذه المحكمة وللنظام القضائي». وأضاف أن الإدانة «يفترض أن تنطوي على عواقب جدية» لجيلاني بموجب البند المتعلق بإقالة رؤساء الحكومة في الدستور. وقد اعتبر ذلك من الأسباب المخففة عند إصدار الحكم. وختم بالقول إن جيلاني «سيعاقب بالتالي بموجب المادة 5 على مخالفة قرارات المحكمة بالتوقيف حتى رفع الجلسة».
وأثارت القضية توترا سياسيا إذ اتهم أعضاء من الحكومة قضاة بتجاوز صلاحياتهم من خلال محاولة الإطاحة برئيس الوزراء ورئيس البلاد. وقالت وزيرة الدولة فردوس عاشق اوان من حزب الشعب الباكستاني الحاكم للصحفيين خارج المحكمة، إن جيلاني سيستأنف الحكم. وأضافت «إنه يوم إسود جديد في تاريخ باكستان فقد استهدفت الديمقراطية مرة أخرى».
وخرج جيلاني وعلى وجهه ابتسامة عريضة بعد انتهاء الجلسة وسط هتافات تأييد من قبل وزرائه وعشرات المؤيدين، بحسب مراسل لوكالة فرانس برس. وفرض طوق أمني مشدد حول المحكمة، مع انتشار قرابة مائتي شرطي من قوات مكافحة الشغب خارج المحكمة، والتي منعت الناس من الاقتراب منها.
وكانت المحكمة العليا قد ألغت عام 2009، مرسوما بالعفو العام صدر عام 2007، ويحمي رئيس الدولة وآلاف الأشخاص الآخرين المشتبه في ضلوعهم في الفساد، من الملاحقات وخصوصا في قضية اختلاس مفترض لأموال عامة في التسعينيات تم تحويلها إلى حسابات في مصارف سويسرية، وأمرت جيلاني على الفور بمطالبة جنيف بإعادة فتح التحقيق.
وفي 13 فبراير الماضي، اتهمت المحكمة العليا جيلاني بمخالفة قراراتها، عندما رفض تحريك الدعوى ضد زرداري قبل أكثر من عامين، ومنذ ذلك الحين، والحكومة تشدد على الحصانة القضائية التي يتمتع بها الرئيس طيلة ممارسة مهامه. ويرى مراقبون أن جيلاني قد يكون أول ضحايا هذه القضية، رغم أنه غير معني بتلك التحويلات التي يشتبه في تورط زرداري وبوتو فيها.