الجريدة اليومية الأولى في البحرين


رسائل


لماذا لم يحقق أردوغان غرضه من زيارة الصين؟

تاريخ النشر : الجمعة ٢٧ أبريل ٢٠١٢


في أول زيارة من نوعها لرئيس وزراء تركي للصين منذ 27 عاماً، حل رجب طيب اردوغان ضيفاً على العاصمة الصينية لبحث جملة من الملفات الساخنة، وتعزيز دور تركيا كلاعب اقليمي فاعل في المنطقة.
خلال زيارته التي استمرت اربعة ايام، التقى اردوغان رئيس الوزراء الصيني وين جياباو وتصدرت الأحداث في سوريا والملف النووي الإيراني القضايا الإقليمية التي تم تناولها، فيما لم تغب قضايا الطاقة والتعاون الاقتصادي والنووي عن طاولة البحث. اما الخطوة اللافتة التي قام بها اردوغان فتمثلت في زيارته اقليم شينغيانغ المضطرب، الذي يعيش فيه نحو تسعة ملايين من مسلمي الايغور الذين يشتركون بروابط لغوية ودينية مع تركيا.
«اورينت برس» اعدت التقرير التالي:
كانت القضية السورية ابرز ما ورد خلال المحادثات بين رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان والمسئولين الصينيين، لكن لم يخف على احد انه كان هناك تضارب في المواقف بين قيادات البلدين، ففي حين تتمسك الصين بدعم النظام القائم في سوريا والدعوة إلى الحوار معه لارساء السلام والاستقرار من جديد، أدار اردوغان ظهره للرئيس السوري بشار الاسد منذ زمن، متبنياً موقف الغرب وداعياً إلى اتخاذ مواقف اكثر صرامة ضد نظامه.
وقد اقرت بكين بوجود خلاف مع تركيا حول الملف السوري، إذ قال ناطق باسم وزارة الخارجية الصينية ليو ويمين: «على الرغم من أننا لا نتفق كليا، نحن نتفق أن علينا لعب دور بناء فيما يخص سوريا». وأضاف أن بلاده تريد أن يتوقف العنف في ذلك البلاد وأن يتم الاتفاق على حل سياسي فيه، موضحا: «نعتقد أن الحل النهائي يحتاج إلى أن يجلس كل الأطراف للتفاوض». كما ان الصين ترفض أي تدخل أجنبي في الشؤون الداخلية السورية.
اما رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي كان حليفا لنظام الأسد، فقد اتخذ موقفا مغايرا وهدد من الصين باتخاذ إجراءات في حال لم تلتزم دمشق بخطة مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي عنان. وحذر من ان تركيا قد تطلب إلى حلف الاطلسي حماية حدودها مع سوريا بعد اطلاق نار من الاراضي السورية على الاراضي التركية ادى إلى وقوع اصابات، معتبرا ان «على حلف الاطلسي مسئولية حماية الحدود التركية، وان تركيا قد تطلب تفعيل المادة الخامسة التي تنص على ان اي هجوم على دولة عضو في الحلف يعتبر هجوما على جميع دول الحلف».
والمفارقة ان اردوغان شعر بالاستياء، اذ ان بكين استقبلت وزير الخارجية السوري وليد المعلم بعد زيارته مباشرة لبكين، واحتفت به على مستوى عال، مؤكدة مساندتها للنظام السوري في المحافل الدولية، ورافضة الدور التركي المتنامي لحل الازمة السورية وفق منظور انقرة.
من جهته، أعرب المعلم عن امتنان سوريا قيادة وشعبا وتقديرها لموقف الصين المبدئي والثابت الداعم لسوريا في المحافل الدولية، مشيراً إلى أن هذا الموقف قد أعاد الأمل والتوازن إلى ساحة السياسة الدولية.
قوة صاعدة
وكان اردوغان قد زار الصين في محاولة منه لتأكيد دور بلاده الفاعل في اوراسيا، وتعزيز الاتفاقات الثنائية مع قوة صاعدة كالصين. واللافت للنظر ان تركيا التي لطالما اعتمدت على سياسة مفادها عدم اثارة أي خلافات مع الجوار، باتت اليوم في وضع لا تحسد عليه اذ انها على خلاف تقريبا مع كل الدول المجاورة لها، فبعدما ولت ظهرها لنظام الاسد ضاربة عرض الحائط بكل الاتفاقات التي وقعتها مع النظام والتي ادت إلى فتح الحدود وتعزيز التبادل التجاري، اثارت أنقرة غضب إيران جراء مواقفها من البرنامج النووي الايراني والدليل ان إيران كانت قد رفضت ان تعقد الجولة الجديدة من المحادثات مع الدول الست على الاراضي التركية وان كانت الجولة الاولى قد انعقدت في اسطنبول الا ان الجولة الجديدة ستنعقد في بغداد بناء على رغبة الايرانيين. اما بالنسبة إلى العراق، فان تركيا على خلاف دائم مع اكراد العراق حتى انها ليست على وفاق مع الحكومة العراقية المركزية. وغني عن القول ان هناك علاقات تاريخية متوترة قائمة بين أنقرة وكل من ارمينيا واليونان وقبرص جراء ملفات تاريخية.
اما بالنسبة إلى علاقة تركيا مع الاتحاد الاوروبي فهي في ادنى مستوياتها في الوقت الراهن حيث تصر دول اوروبية كثيرة وفي مقدمتها فرنسا على ان تركيا هي ابعد ما تكون عن الدولة الاوروبية وانها تفتقر إلى مقومات كثيرة تجعلها عضوا في هذا الاتحاد.
زيارة الايغور
بالعودة إلى مضمون زيارة اردوغان للصين، فقد كان من المثير للاهتمام انه قرر أن يزور إقليم شينغيانغ، الذي يعيش فيه نحو تسعة ملايين من الايغور المسلمين ممن يشتركون بروابط لغوية ودينية مع تركيا، وكانت أنقرة قد وجهت في السابق انتقادات شديدة اللهجة لإجراءات السلطات الصينية في الإقليم، حيث كان أردوغان من أكثر القادة الأجانب انتقادا للصين بعد أعمال الشغب الدامية التي وقعت في عام 2009 في أورومتشي، وراح ضحيتها 184 شخصا على الأقل. آنذاك، اتهم الزعيم التركي الحكومة الصينية بالتسبب في «نوع من الإبادة الجماعية»، وطالب مجلس الأمن الدولي بمناقشة أعمال العنف هناك، وقال إنه يرحب بزيارة زعيمة الايغور السياسية ربيعة قدير لتركيا وانه يمنحها جواز سفر تركيّا.
وقد التزمت الصين الصمت إزاء تفاصيل زيارة أردوغان للمنطقة، ولم تشر وسائل الإعلام الرسمية في البلاد لتوقف أردوغان في بلدة أورومتشي كما لم تنشر أي صورة له وهو يرتدي لباس الايغور التقليدي ويستقبل بالترحاب.
علاقات اقتصادية
على صعيد العلاقات الاقتصادية بين البلدين، اعرب رئيس الوزراء التركي عن تطلعه إلى إنشاء خط سكة حديد يربط بين تركيا والصين، وذلك سعيا لإحياء «طريق الحرير» التاريخي حيث تشهد العلاقات التجارية والثقافية بين هاتين الدولتين الصاعدتين قوة متزايدة.
وخلال حديثه لرؤساء تنفيذيين لشركات صينية كبرى في لقاء نظمته وكالة دعم وتشجيع الاستثمار التركية في مدينة شنغهاي، أكد أردوغان العلاقات العميقة التي تربط بين الشعبين التركي والصيني، وقال إنه تتردد في الوقت الراهن الإشارة إلى طريق التجارة المعروف باسم «طريق الحرير»، الذي كان يبدأ من مدينة شيان الصينية وينتهي في إسطنبول، وذلك في إطار تعزيز العلاقات التركية والصينية، وأخبر رئيس الوزراء التركي هذا الجمع الرفيع المستوى بأنه «على الرغم من أن تركيا والصين تقعان في طرفين متقابلين من قارة آسيا، فإنهما متشابهتان فيما يتعلق بنموهما السريع، وهناك إمكانات تجارية هائلة بين بلدينا».
وأشار أردوغان إلى أن «تركيا، التي تعد جزءا طبيعيا من قارة أوروبا وتتعاون بشكل وثيق مع الشرق الأوسط والبلقان وإفريقيا والقوقاز، تمتلك إمكانات سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية هائلة»، مضيفًا أنه «من خلال سياسات حكيمة، استطاعت تركيا أن تخرج سالمة من الأزمة المالية العالمية التي أثرت بشكل كبير جدا في الاقتصادات الأوروبية، ومن هنا يتعين أن يتمتع البلدان بعلاقات تجارية تتناسب مع هذه الإمكانات». ودعا أردوغان إلى مزيد من الاستثمارات الصينية في تركيا وأطلع الرؤساء التنفيذيين الصينيين على النظام الجديد للحوافز الاستثمارية في تركيا، وقال أردوغان، موجها الدعوة إلى المسؤولين التنفيذيين لشركات عدة« إن الشركات الصينية يتعين عليها أن تستفيد من الحوافز التركية الجديدة فضلاً عن الفرص الاستثمارية المتوافرة في تركيا».
يشار إلى أن حجم التجارة بين تركيا والصين بلغ 25 مليار دولار أمريكي، وقد تعهد البلدان برفع هذا المبلغ إلى 50 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2015 و100 مليار بحلول عام .2030