الثقافة الأمنية
الواسطة
 تاريخ النشر : السبت ٢٨ أبريل ٢٠١٢
تعتبر الواسطة من الجرائم لأنها اعتداء على حقوق متنوعة تختلف من حيث طبيعتها وماهيتها وعناصرها اختلافاً كبيراً، ولكنها تجتمع في أن كل حق مسلوبَ بسببها هو للمجتمع بجميع أطيافه، فالحق المعتدى عليه هو للدولة باعتبارها الشخص الاعتباري القانوني الذي يمثل الجميع، فضلاً عن أن الواسطة تصيب مصالح الناس على نحو مباشر، وضررها الاجتماعي جسيم جداً فهي تهدد الاستقرار الاقتصادي للدولة وتهدد الثقة العامة في مؤسسات المملكة ونظمها الإدارية والاقتصادية وبشكل ابسط الوساطة هي اختيار لشيء أو لإنسان وفق معيار المصالح الشخصية والمحسوبية ودرجة النفوذ من دون النظر إلى معيار الكفاءة والجدارة، فقد نص قانون العقوبات البحريني في المادة ٢٠٣ على أن «يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات كل موظف عام أخل بواجبات وظيفته استجابة لأمر أو وساطة».
وتعتبر جريمة الوساطة من الجرائم التي تصيب ميزان الدولة بالعطل وتعمل على قلب الحقائق وفق الأهواء والقرابات والصِلات والمعارف ووفق مبدأ عدم تساوي الفرص وخاصة في انتقاء التوظيف العادل بناءً على السلوك والعلم.
وعلله تجريم المشرع القانوني الواسطة هو خروج الموظف على القانون، الذي لن يكون اهتمامه باتباع القانون بمقدار حرصه على إرضاء من كان التوجيه لمصلحته، ثم إن هذا التصرف من جانب الموظف يعني التفرقة بين الموظفين تبعاً لصلات القرابة أو الصداقة بينه وبينهم، ويعني ذلك النيل من كرامة وهيبة الوظيفة العامة التي لم يتم الالتزام بالحيادية والموضوعية في تصرفاتها نتيجة موظف تصرف تصرفا شخصيا وغير مسئول انعكست عليه صورة المؤسسة الإدارية التي يعمل فيها.
ويتعين أن يتوافر في هذه الجريمة للشخص الذي يستجيب للأمر أو الواسطة صفة الموظف العام، ويقوم الركن المادي للجريمة بالاستجابة إلى الأمر أو الوساطة، وقيام علاقة السببية بينهم بخلاف استكمال الركن المعنوي.
فالاستجابة تتمثل في المسلك الذي يقوم به الفعل الإجرامي، وتعني التجاوب مع مضمون الوساطة أو التوجيه، ويفترض ذلك الاستماع بجدية ثم الوعد بتنفيذ هذا المضمون، والوساطة تعني إبداء الرغبة في تصرف على نحو معين، وقد تصاغ في صورة الأمر إذا كانت علاقة الموصى بالموظف تسمح له بذلك.
ويتطلب الركن المادي أداء الموظف العمل الوظيفي فعلاً مخلاً بواجبات وظيفته سواء مخالفة قاعدة قانونية أو لائحة أو مجرد تعليمات إدارية، أو مخالفة القانون في الشكل أو في المضمون، أما إذا كان العمل مطابقاً للقانون، فلا عقاب على الموظف ولو كان قيامه بالعمل بناء على الرجاء أو الوساطة أو الأمر، لأن عند الخضوع للقانون لا يمكن تحري البواعث للخضوع ولا شك أن المشرع البحريني لا يقحم نفسه في ضمائر الناس طالما كان سلوكهم في ظاهره مشروعاً.
الجدير بالذكر هنا في هذا المقال أن المشرع البحريني عاقب على جريمة الاستجابة لقبول أمر وارد من الرئيس إلى المرؤوس طالما كان هذا الأمر مخالفا لواجبات الوظيفة العامة وبشكل أعم مخالفا للقانون. وأيضاً مصدر الأمر الذي يخالف واجبات الوظيفة العامل سوف يكون عرضة للجزاء لأنه شريك في تلك الجريمة ويعرض نفسه لعقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات، وحقاً إنها عقوبة رادعة لكل من تسول له نفسه الالتجاء الى الواسطة.
.