رسائل
معركة كسب أصوات اليمين المتطرف في الانتخابات الفرنسية
تاريخ النشر : السبت ٢٨ أبريل ٢٠١٢
تشير استطلاعات الرأي إلى أن ربع ناخبي المرشحة اليمينية المتطرفة ماري لوبان تقريباً قد يصوتون لمصلحة المرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند في الجولة الثانية، لذا سيحاول الرئيس نيكولا ساركوزي حتماً استمالة هذه الاصوات والتركيز في مخاطر البرنامج اليساري الوهمي الذي طرحه هولاند والذي ينص على زيادة حجم الإنفاق، ورفع الحد الأدنى للأجور كي يصل إلى 1700 يورو شهريا، وتخفيض سن التقاعد مجدداً من 62 إلى 60 عاماً، ورفع الحد الأعلى للضريبة على الدخل هامشيا إلى 75 في المائة.
قد لا يكون ساركوزي صاحب شعبية كبيرة، لكنه ربما لايزال يملك فرصة الفوز بولاية رئاسية ثانية تمتد إلى خمس سنوات. ربما تصب النتيجة الأولية في مصلحة الحركة الاشتراكية التقليدية واليسار الفرنسي أكثر من ساركوزي، ولكنه قد يتغلب على هذا الوضع في حال تمكن من حصد اصوات اليمين المتطرف.
علماً انه في الحقبة المعاصرة، أصبح ساركوزي أول رئيس فرنسي منتهية ولايته يخسر في الجولة الانتخابية الأولى، ويحل في المرتبة الثانية بنسبة 26,7 في المائة من الأصوات مقابل 28,6 في المائة لمرشح الحزب الاشتراكي. لكن المتفائلين يعتبرون ان النتيجة متقاربة جدا لدرجة أن ساركوزي يستطيع الارتياح بعض الشيء حتى موعد المواجهة القادمة بينه وبين هولاند في 6 مايو.
اورينت برس اعدت التقرير التالي:
كانت الصدمة الانتخابية في الجولة الاولى من الانتخابات الفرنسية تتعلق بحصول المرشحة اليمينية ماري لوبان من حزب الجبهة الوطنية على 19,3 المائة من الأصوات. لا شك أن حلولها في المرتبة الثالثة بهذه النسبة العالية يعكس صرخة شعبية ضد طبقة سياسية غير متجاوبة لا فكرة لديها على ما يبدو عن كيفية تحسين الاقتصاد الفرنسي باستثناء مهاجمة قطاع الأعمال ورفع الضرائب إلى مستويات قياسية.
وتريد لوبان أن تحفظ فرص العمل للفرنسيين وأن تغادر فرنسا منطقة اليورو، فلايزال برنامجها غير قابل للتطبيق ورجعيا بعض الشيء، ولكنه يعبر عن تحول يلامس الأنظمة الديمقراطية في أغلب الأحيان عندما يعجز السياسيون عن معالجة ارتفاع نسبة البطالة وزيادة الدين وانهيار الاقتصاد.
جذب الاصوات
بكل الاحوال لا تملك لوبان فرصة للوصول إلى الاليزيه، أقله ليس خلال الانتخابات الحالية لكن من شأن قاعدتها الانتخابية ان تقول كلمة حاسمة. باعتقاد الخبراء اليمينيين انه يجب أن يجد ساركوزي طريقة لجذب معظم ناخبي لوبان، بالإضافة إلى الأشخاص الذين صوتوا للمرشح الوسطي فرانسوا بايرو الذي حل في المرتبة الرابعة (بنسبة 9,2 في المائة). هذه المهمة ليست سهلة، ولا شك أنه سيركز في الهجوم على المهاجرين والمسلمين كما فعلت لوبان، وسيعزز هجومه على البنك المركزي الأوروبي الذي أصبح الهدف الفرنسي المعاصر بدل نزعة مهاجمة الألمان.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن ربع ناخبي لوبان تقريباً قد يصوتون لمصلحة هولاند في الجولة الثانية، لذا سيحاول ساركوزي تغيير هذه الحقيقة.
الى ذلك، حصد جان لوك ميلينشون من الحزب اليساري 10,8 في المائة من أصوات الناخبين فقط، ومن المتوقع أن تصب جميع تلك الأصوات تقريباً في مصلحة هولاند. هكذا يستطيع المرشح الاشتراكي ترسيخ تفوقه، لكن من المعروف أن برنامجه الانتخابي يساري بامتياز وسيصعب تنفيذه عمليا.
لكن الواقع ان فرص ساركوزي للاحتفاظ بمنصبه تعتمد إلى حد كبير على قرار يجب ان يتخذه فوراً ليتمكن في الاسبوعين المقبلين من استمالة اليمين القومي الذي صوت انصاره لمارين لوبان.
خيبة امل
ساد شعور بخيبة الأمل في اوساط أنصار نيكولا ساركوزي بعدما تواردت النتائج غير المرضية في الجولة الاولى. لقد علم المؤيدون أن ساركوزي سيحتاج لما يشبه معجزة لقلب الموازين وتجنب خسارة الرئيس الفرنسي الثاني خلال 52 عاماً في مسعاه لإعادة انتخابه.
وألقى ساركوزي بكل ما لديه في محاولة لإقناع الناخبين بأنه يجب أن يكون الفائز في الجولة الأولى من أجل قطع تهديد اليسار، وكان ساركوزي قد غازل اليمين المتشدد طوال حملة الجولة الاولى من الانتخابات وكرر الاستراتيجية التي ضمنت له الفوز في عام 2007، وقد صور نفسه حاميا للأمة الفرنسية من غزو المهاجرين غير الاوروبيين والمنافسين التجاريين غير المنصفين، ووعد بأنه اذا اعيد انتخابه، فسيخفض إلى النصف عدد المهاجرين الذين يسمح بدخولهم إلى البلاد سنويا وبالانسحاب من ترتيب الاتحاد الاوروبي القاضي بالحدود المفتوحة اذا لم يسمح بقيود جديدة على اعطاء سمات الدخول والعبور إلى الدول الاوروبية.
بلا مصداقية
مع ذلك، فإن وعود ساركوزي فشلت في استمالة الجبهة الوطنية واليمين المتطرف الذين يعتبرون ان ما يقوله مجرد كلام في الهواء وبلا مصداقية، وهناك من يرى ان كلامه الزائد وتصريحاته الكثيرة عن المهاجرين باتت مبالغا فيها إلى حد كبير، ومن الواضح ان الرئيس الفرنسي بدأ عملية التملق لليمين المتطرف عندما ادلى بتصريحات تنضح عنصرية، وخاصة قوله ان هناك مهاجرين اكثر من اللازم في فرنسا، ولابد من وقف كل اشكال الهجرة وترحيل المهاجرين غير الشرعيين. ومن المفارقة ان ساركوزي هو في الاصل مهاجر من المجر وابن لاب يهودي، اي انه لا يختلف عن ملايين المهاجرين الذين لجأوا إلى فرنسا وساهموا في نهضتها الاقتصادية، مثلما فعل غيرهم في دول اوروبية عديدة. ولا جدال في ان النظام السياسي الفرنسي الذي جاء بابن مهاجر إلى قمة السلطة يستحق الاحترام، ويكشف عن رسوخ قيم العدالة والمساواة في اعماقه وتكريس التسامح بعيدا عن اشكال العنصرية كافة ، لكن المشكلة تكمن في ساركوزي نفسه الذي يتنكر لهذه القيم ويتبنى سياسات عنصرية ضد امثاله من المهاجرين على عكس غريمه هولاند الذي يريد اضفاء الشرعية على اكثر من 300 الف مهاجر يقيمون بصورة غير قانونية في فرنسا، مثلما يريد الارتقاء بسكان الضواحي من المهاجرين الفقراء وايجاد فرص عمل للشباب العاطل.
ولا شك ان التودد لزعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية لكسب اصوات الناخبين في الجولة الثانية، ومحاولة الصاق تهم الارهاب بالجالية الاسلامية، ومحاربة بناء المساجد والنظر بعين الشك إلى روادها، كلها مؤشرات ستنعكس على فرنسا وامنها بشكل سلبي على المديين القريب والبعيد في آن.
تعليمات لوبان
في ظل هذا السعي باتجاه كتلة الناخبين في صفوف الجبهة الوطنية، لا يتوقع أن تعطي مارين لوبان تعليمات ملزمة بالتصويت لأي من المرشحين.
لكن زعيمة الجبهة الوطنية التي ترغب في كسر اليمين التقليدي لتولي قيادة المعارضة المقبلة، لمحت إلى أن ساركوزي هو المرشح الذي يجب إسقاطه. وقال نائبها لوي أليو إن «ناخبي الجبهة الوطنية سيختارون، إنهم أناس أحرار»، وأضاف متحدثا عن الحزب الحاكم «كيف يمكن أن تتعرض يوما للإهانة منه وتمنحه صوتك في اليوم التالي؟». ولكي يحظى نيكولا ساركوزي بفرصة للفوز في الدورة الثانية يحتاج برأي المحللين لجذب 70 إلى 80 في المائة من أصوات الجبهة الوطنية، وحتى الآن عبر نصفهم فقط عن استعدادهم للتصويت له.
في المقابل، وفي رده على سؤال عن تغيير محتمل في الاستراتيجية المتبعة من أجل جذب أنصار الجبهة الوطنية، رفض المرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند أن يكون قد غير أو تخلى عن مقترحات في برنامجه الانتخابي. وقال هولاند واصفاً الرئيس الفرنسي ساركوزي «أنا لست شخصا متقلبا مثل الرئيس المنتهية ولايته»، منتقدا ما سماه غموض ساركوزي حيال الجبهة الوطنية، وكان هولاند قد ذكر أنه يستعد لخوض الجولة الثانية المقررة في السادس من مايو المقبل من موقع قوة بعد حصوله على 28,6 في المائة من الأصوات في الجولة الأولى، مضيفا أنه مطالب بإقناع ناخبي الجبهة الوطنية.
ويرى المرشح الاشتراكي أن الرهان يتمثل في استمالة الذين خابت آمالهم من اليسار ولجأوا إلى الجبهة الوطنية بسبب الإحباط الاجتماعي وليس اقتناعا منهم بأفكار متطرفة.