الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أفق


مجددا حول السياسة الفاشية في إيران

تاريخ النشر : الأحد ٢٩ أبريل ٢٠١٢

عبدالله خليفة



قلنا إن المسألةَ الصراعيةَ السياسية بين البشرية المسالمة والنظام الإيراني ليست قضية مذهبية أو قومية، إنها تتعلق بطبقة عسكرية عليا مسيطرة بشكل متخلف هستيري، إنها بلطجية القرى الإيرانية وقد سيطرتْ على العاصمة وبقية المدن.
وقد درسنا سابقاً العناصر الفاشيةَ الفكريةَ السياسية التي تم حفرها خلال عقود القرن العشرين الأخيرة خاصة والمعتمدة على الغيبيات المتطرفة ورفض العقلانية والعلوم وآثارها في درس الأديان والمجتمعات، ولكن حتى مؤسسو هذه العناصر أنفسهم ليس لهم حضور أمام الرعاع، بل إن الليبراليين الدينيين المشاركين في السلطة تم اعتقالهم!
إن ثلاثة ملايين إيراني ومعظمهم شيعة، وهم كوادر إيران في العلوم والآداب هاجروا وهربوا من بداياتِ العسف، وهم الذين وضعوا ركائز الليبرالية والتقنية المحدودة في الواقع الإيراني، ولم يقاوموا الظلامية الدينية والشموليات المختلفة أثناء تصاعدها.
لكن هل اهتمت بهم الدولُ العربية أو حاورتهم أو استفادت من خبراتهم ومعلوماتهم ومواقفهم؟
بلطجية القرى الإيرانية أبعدوا الفئاتَ الوسطى المتنورة، ورفضوا طرق التطور المنفتح الديمقراطي والإنساني، لأنهم متخلفون ومتعصبون ولا يقدرون على منافسة الفئات الوسطى والعمال المتقدمين.
وقد تغلغلوا في المراكز الدينية والعبادية خلال عقود وجيّروها للتعصب ضد الديمقراطية والحداثة ووحدة المسلمين والإنسانية.
تحويل الريفيين إلى متعصبين وهم مأزومون عيشاً ووعياً أمر بسيط وخاصة مع ميراث التقوقع والحذر من الطوائف والقوميات الأخرى ومن الأفكار الحديثة، فلم يكن الأمر أمر مذهب ولكنه تغلغل سياسي عسكري، وتحويله لنظام عسكري عنيف.
الشحنُ الطائفي يأتي وسيلةً لإخفاءِ الطابع الفاشي للمؤسسة العسكرية، فتتضخمُ القوى العسكرية وتُشحن بهذه المواد السكانية المُغيّبة الوعي، ويجري استخدام الأسلوب نفسه في الدول العربية الأخرى لإنشاء أحزمةٍ سياسية سكانية حافظة للبؤرة المسيطرة في إيران.
استخدام العبارات الثورية الطنانة هو جزء شائع من طرق الفاشية في الحراك السياسي الاجتماعي، فلنتذكر طرق أداء هتلر وموسوليني والقذافي وعباراتهم الصارخة وادعاءاتهم بالنضال من أجل الجماهير!
الحشود العسكرية تُقام على أساسِ الغوغاء المغسولة الأذهان المنتشية بالتعصب وإدعاءات الحسم، وهذه الحشود العسكرية المنتفخة بغرورِها وآلاتِها وأسلحتها الجبارة مشاهد مسرحية لخنق الوعي في الجماهير وإخافتها وجعل الانصار في الداخل والخارج ينبهرون بما يشاهدونه من جبروت!
إن الطوابير القوية التي تمشي بنظام صارم وتدق الأرض بكعوب أحذيتها تنقل العدوى للغير، وتأتي خطابات الزعماء الفاشيين الملتهبة لتؤسس الوعي الزائفَ وأهدافه في الانتشار على الأرض وسحق الخصوم واحتلال بلدانهم وخيراتهم.
وقد يكون ذلك بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر عبر العملاء والقوى السياسية الموالية أو الجمهور المخدوع.
وتتسم خطابات هؤلاء الزعماء بالعاطفية الشديدة والعبارات النارية، معتمدةً على اللاعقلانية، مثلما يحول هتلر صليب المسيحية للصليب المعقوف، ومشاعر الألمان المحبطة من الهزيمة العسكرية الرهيبة في الحرب العالمية الأولى إلى حماس قومي لأخذ الثأر!
وكما يفعل الرئيس الإيراني عبر استغلال رموز إسلامية ملهمة وتحويلها لسلطة رمزية تكاتبهُ وتتصل بهِ، وتدعوهُ للثأر، وهزيمة الغرب الكافر أو سحق اليهود والهجوم على بقية المسلمين واحتلال بلدانهم(العميلة)!
شحن البسطاء وتحويلهم لأدواتِ حرب وهجوم وخراب هي النقطة المشتركة بين الفاشيات، والدبابة حين يقودها مثل هذا المتعصب تغدو سلاحاً فتاكاً بالناس أنفسهم وهم أهلُه وجيرانه، وفرز الصفوف بين القوى الفاشية والجماهير الشعبية المستغَّلة مسألة حاسمة هنا عبر كشف الخطابات الزائفة وتعريتها بشكل دائب.
إن الكثيرين من المشاركين في مثل هذه الأحداث لا يعرفون جذور هذه الظاهرات ولا بمخططات القوى القيادية، فتُقدم لهم أسبابا أخرى، وتؤدي الجماعات المتطرفة الأخرى دورها المشبوه في تقوية هذا النهج الفاشي، عبر قتل الأبرياء وتصعيد حمامات الدم كما تفعل قوى القاعدة في العراق.
بل يحدث التغلغل في القوى المحسوبة على الديمقراطية واليسار، عبر إبراز نواقص الأنظمة، وغياب توزيع الثروة العقلاني فيها، وانتشار مناطق الفقر التي تغدو هي ذاتها بؤراً للخلايا المؤيدة لهذا الهياج المتعصب.
فالقوى الفاشية تستخدم مختلف العناصر الفكرية والسياسية والاجتماعية بدهاء، وتقوم بثورة مضادة، عبر إيجاد الأزمة وتغذيتها وتغيير السلطات في خاتمة المطاف، وهي تعمل الثورة المضادة ليس خدمة للعاملين بل لنحرهم في ميادين القتال وحرائق السياسة.
إن سياسة المحور في منطقتنا تذكرُنا بالمحور الألماني الإيطالي، حيث نشطت عمليات زعزعة الأوضاع في الدول المعادية، وسُممت عقول الجماهير بوجود مركز كفاحي حقيقي لهم وهو غير ذلك، والتخطيط للهيمنة على(المجال الحيوي) ثم الانتشار العسكري فيه، ومساعدة الحليف المنهار في إيطاليا موسوليني، ويذكرنا ذلك بالحليف المنهار الأسد في سوريا، ومذابحه، وكلها علامات منذرة بأخطار شديدة للملايين من البشر!
والتصدي لذلك يعتمد على مقدرة القوى التقدمية والديمقراطية على فهم مثل هذا الوضع، والفرز بين العناصر المخربة وبين الجمهور المنفعل، والقيام بجبهة تحالفات واسعة في بلدانها، وجذب القوى السكانية الإيرانية في الداخل والخارج للتطور السلمي الديمقراطي، عبر رموز فيها وعبر الفضائيات والصحف والقيام بتعاون معها كتابةً وحوارات واستضافة وحشد بحيث توضع قوى الحرب والعدوان والتدخل في زاوية ضيقة لتُهزم في خاتمة المطاف.
إن شعارات مثل هزيمة الدكتاتورية العسكرية والنضال من أجل السلام، والتقدم والديمقراطية لكل الشعوب، ينبغي أن تكون أجندة يومية للأحزاب التقدمية والديمقراطية لنشرها والنضال بها بين الجمهور لتحول دون التحضيرات والأعمال الجارية كذلك لسفك الدماء وحرق البلدان.