يوميات سياسية
لصوص الثورات العربية: القوى الإسلامية الحزبية
تاريخ النشر : الاثنين ٣٠ أبريل ٢٠١٢
السيد زهره
الثورات التي شهدتها بعض الدول العربية، وبالأخص تونس ومصر، هي بداهة من اهم وانبل التطورات التي شهدتها الدول العربية في تاريخها المعاصر من حيث المبدأ.
هذه الثورات التي فجرها شباب وطني، وانخرطت فيها جموع الشعب بقواها المختلفة، فتحت الباب واسعا أمام تغيير تاريخي شامل، وأعطت الأمل في ان تشهد الدول التي اندلعت فيها قفزة تاريخية الى الامام نحو إقامة دولة مدنية ديمقراطية قوية تقيم العدل وتصون الكرامة وتنصف الشعوب بعد عهود من الظلم.
غير ان الذي حدث ان هذه الثورات تعرضت وتتعرض لأكبر عملية سرقة تاريخية بمعنى الكلمة.
لصوص كثيرون تكالبوا على هذه الثورات يحاولون سرقتها، وسرقة كل التضحيات التي قدمتها الشعوب في هذه الثورات، وسرقة الأمل الذي أطلقته.
يحاولون سرقة الثورات بمعنى أنهم يريدون ان يحصدوا هم ثمارها، ويريدون ان يستغلوا الواقع الجديد الذي افرزته لخدمة حساباتهم و مصالحهم ، والتي هي حسابات ومصالح لا علاقة لها في الغالب الأعم بالأهداف والغايات النبيلة لهذه الثورات.
لص1وص الثورات العربية هؤلاء كثيرون، منهم لصوص في الداخل، أي في داخل الدول التي شهدت هذه الثورات ، ولصوص من الخارج.
أما لصوص الداخل فهم معروفون. في مصر وتونس، تمثل هؤلاء اللصوص أساسا في القوى الاسلامية الحزبية المنظمة.
معروف ان هذه القوى لم يكن لها فضل في اندلاع هذه الثورات من الأساس. بالعكس، معروف أنهم في البداية نأوا بأنفسهم تماما عن حركات الشباب التي فجرت هذه الثورات، وأعربوا صراحة وعلنا عن عدم رغبتهم في المشاركة في هذا الحراك الشعبي.
لكنهم في مرحلة لاحقة، وحين فوجئوا بضخامة الحركة الشعبية، انضموا إليها وشاركوا فيها.
ورغم هذا، تمكنت هذه القوى الإسلامية لاحقا من سرقة هذه الثورات لحسابها.
لسنا هنا في صدد تحليل الأسباب التي قادت الى ذلك. المهم ان ثمار الثورة آلت إليهم. انتهى الأمر حتى الآن بهذه الثورات الى ان آلت مقاليد الحكم الى هذه القوى الإسلامية الحزبية المنظمة.
وانتهى الأمر بالقوى الثورية الحقيقية الى ان أصبحت مهمشة بلا وزن كبير، وأصبح دورها في صياغة المستقبل وتحديد مقادير البلاد دورا محدودا.
صحيح انه كما يقال باستمرار ان هذه القوى الإسلامية الحزبية فازت في انتخابات عامة . لكن المشكلة ان الانتخابات في الظروف الحالية لا تعبر بالضرورة عن كامل الإرادة الشعبية، والمنافسة لم تكن أبدا منافسة عادلة بالنظر الى ما تمتلكه هذه القوى من خبرات تنظيمية طويلة، ومن إمكانيات مالية مهولة.
المشكلة هنا ان هذه القوى في نظر الكثيرين بحكم فكرها وايديولوجيتها ومواقفها المعروفة، ليست مؤهلة لأن تقيم حكما ديمقراطيا حقا، وهي في جوهر فكرها وقناعاتها لا تؤمن حقا بالدولة المدنية. كما ان هذه القوى ليس لديها من البرامج والرؤى ما يجعلها مؤهلة لأن تقيم دولة قوية حقا.
وفي المحصلة النهائية، في دول الثورات العربية وبالأخص تونس ومصر، وجدنا أنفسنا أمام مفارقة تاريخية غريبة الشأن.
ثورات شعبية اندلعت وانتصرت، من اجل إقامة حكم مدني ديمقراطي، ومن اجل نهضة شاملة تبني دولا قوية قادرة، انتهى بها المطاف، حتى الآن على الأقل، الى التبشير بإقامة نظم حكم جديدة هي في جوهرها استبدادية.
ليس هذا فحسب، بل ان استبدادها سيكون على الأرجح أسوأ بكثير من استبداد النظم السابقة، لأنه استبداد يرتدي رداء الدين، وبيد قوى تزعم لنفسها شكلا من أشكال الحصانة الدينية، وتحتكر لنفسها حق التعبير عن الدين.
ومع كل هذا، فان لصوص الثورات العربية هؤلاء من القوى الإسلامية الحزبية المنظمة، هم اقل لصوص الثورات مدعاة للانزعاج، وأسباب ذلك كثيرة.
هذه القوى هي في نهاية المطاف قوى وطنية مهما كان الخلاف معها ومع رؤاها.
والشعوب ببساطة سوف تحكم عليها بناء على أدائها وممارساتها وما سوف تحققه أو لا تحققه للدولة والمجتمع. والصراع السياسي هو صراع مفتوح وممتد، ومن الممكن ببساطة ان تشهد السنوات القادمة صعود قوى أخرى وتبدلا في موازين القوى السياسية.
يبقى ان لصوص الثورات العربية من الخارج هم الأكثر خطرا.
للحديث بقية بإذن الله.