زاوية غائمة
من الرياض إلى هامبورغ
تاريخ النشر : الاثنين ٣٠ أبريل ٢٠١٢
جعفر عباس
كنت طوال الأسابيع الماضية على سفر، وكانت نقطة البداية العاصمة السعودية الرياض، بدعوة من أهلي أبناء وبنات جزيرة بدين، حيث ضمّنا لقاء حميم، فقد التقيت أقارب وأصدقاء فارقتهم منذ عقود، وآخرين ولدوا وكبروا من دون أن ألتقيهم من قبل، وكانت أمسية سمر رائعة، وأكثر ما أسعدني خلالها أنني خاطبتهم معظم الوقت باللغة النوبية، ففي قطر حيث أقيم لا يتسنى لي كثيرا أن أستخدم اللغة النوبية في الحديث مع معظم من ألتقيهم، لقلة عدد النوبيين في قطر ولأن العديد من النوبيين نشأوا في المهاجر ولا يعرفون من لغة قومهم سوى «شوية طراطيش».. ثم احتفت بي رابطة الإعلاميين السودانيين في الرياض، وكان لهذا الاحتفاء أيضا طعم خاص، لأن الإنسان يحس بالألفة مع أبناء الكار (وهي كلمة نوبية تعني المهنة ولا تزال مستخدمة بهذا المعنى في العاميتين السودانية والمصرية)، وكان الحديث بلغتي الثانية التي هي العربية، التي عشقتها بعد أن صارعتها طويلا وصرعتني حتى وصلنا إلى مرحلة تطبيع العلاقات، فبادلتني حبا بحب وصرت أغار عليها من هجمات الكلمات الهجين، كما بات يستفزني «تطعيم» العربية بمفردات إنجليزية من باب التباهي من قبل من يحسبون أن الإكثار من استخدام المفردات الإنجليزية دليل وجاهة ثقافية.
وبعدها جاءت رحلتي إلى مدينة هامبورغ الألمانية للاستشفاء، وانطلقنا من مطار الدوحة إلى المنامة، وبعد ساعتين فيها انطلقت الطائرة إلى أبوظبي، ولم يكن هذا الشق من الرحلة موضحا على التذكرة فقلت في سري: ربما انتقلت القارة الأوروبية إلى الجنوب.. ثم انطلقنا إلى امستردام في هولندا، وأبلغونا أننا سنتوقف هناك ساعة واحدة ثم نتجه إلى هامبورغ، وفي مطار امستردام كان علينا ان نقطع نحو 4 كيلومترات كي نصل إلى بوابة المغادرة الصحيحة.. ومشكلتي هي انني لا أعرف السير ببطء، ومشكلة أم الجعافر هي أنها تعتقد انني «قليل الذوق» لأنني لا أجاريها في «مشي الهوينا»، وكما كنت أتوقع فقد ضاعت مني في زحمة المطار ذي الممرات والطبقات المتعددة.. ووقعت في حيص بيص: كيف تسأل عن زوجة إفريقية في مطار يتحرك فيه الآلاف؟.. ولم يكن أمامي من سبيل سوى الوقوف في نقطة معينة في انتظار أن تأتي قادمة من اتجاه ما، وكان المايكرفون الداخلي يعلن ان بوابة الصعود إلى طائرتنا ستغلق بعد دقائق.. وفجأة رأيتها جالسة على كنبة والهلع باد على وجهها، فقد رأت أنه من الخير لها ولي ان «تثبت» في مكان واحد لأتولى أنا البحث عنها (وفات عليها أنني قد أبحث عن «بديل» إذا لم أجدها خلال دقائق).. توجهت نحوها وأمسكت بيدها بطريقة عصرية وسحبتها نحو البوابة بطريقة غير عصرية ولحقنا بالطائرة لأن موعد إقلاعها تأخر قليلا بسبب هطول أمطار شديدة.
وقبل الصعود إلى الطائرة كنا قد استكملنا إجراءات الجوازات، لأن من يدخل أي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي يستطيع ختم تأشيرة الدخول والخروج في أي من مطاراتها، وفتش الهولنديون أمتعتنا وكانوا في منتهى التهذيب مقارنة بـ«المستخبي» الذي كان في انتظارنا في مطار هامبورغ في ألمانيا.
jafabbas19@gmail.com