الجريدة اليومية الأولى في البحرين


هوامش


التكتل الوطني ضرورة وليس مطلبا

تاريخ النشر : الاثنين ٣٠ أبريل ٢٠١٢

عبدالله الأيوبي



بخلاف أي وقت مضى، فنحن اليوم بحاجة ماسة إلى تكتل وطني واسع لمواجهة الاستقطاب الطائفي الحاد الذي يمر به المجتمع البحريني بعد تفجر أحداث الرابع عشر من شهر فبراير من العام الماضي، حيث تصاعد التوترات الطائفية واستمرار خطاب التأزيم والتأجيج ذي الصبغة المذهبية المقيتة، وهنا علينا أن نشير إلى أن الجهود القادرة على تجاوز هذا الاستقطاب والتصدي له تتحملها بالدرجة الأولى قوى التيار الوطني الديمقراطي التي تعتبر تاريخيا، الأوعية التي تحتضن في قيعانها مكونات الشعب البحريني العرقية والدينية والمذهبية كافة، على خلاف قوى تيار الإسلام السياسي التي تتسبب في إحداث الشرخ الطائفي في البحرين، حيث إن هذه القوى لا تستقطب سوى لون مذهبي واحد، سنيا كان أم شيعيا.
الدعوة التي وجهها الأمين العام السابق للمنبر الديمقراطي التقدمي حسن مدن إلى «إطلاق تيار وطني جامع من القوى والشخصيات العابرة للطوائف لا ينطق باسم هذه الطائفة أو تلك وإنما باسم مكونات المجتمع كافة»، ليست وليد الساعة وإنما نادت بها أصوات وطنية من قبل، إلا أنها أكثر إلحاحا في الوقت الحاضر، حيث تشهد بلادنا انقساما مذهبيا حادا لم يسبق له مثيل في العصر الحديث، وصل إلى حد «الحرب» الاقتصادية المذهبية، ولعب الخطاب الديني الطائفي دورا سلبيا ومؤثرا في ذلك حيث استمر هذا الخطاب يغذي التوترات الطائفية ويصب الزيت فوق نيرانها واستغلال منابر الخطابة الدينية لهذا الغرض.
تحقيق هذه الدعوة ليس بالأمر الهين والسهل، فالتيار الديني الذي هو أساس الشرخ المذهبي، يسيطر على حركة الشارع مقابل تراجع شعبية قوى التيار الوطني الديمقراطي التي تمثل صمام الأمان لمواجهة الاستقطاب الطائفي، والتيار الديني غير قادر ولا مؤهل من حيث تركيبته الفكرية والعقدية، للخروج من دائرته المذهبية إلى الدائرة الوطنية الجامعة، والمسألة ليست مرتبطة بالخطاب «الوطني» الذي تتحدث عنه قوى الإسلام السياسي، وإنما في تركيبة هذه القوى حيث تستند إلى مفهوم وقناعة تحت المظلة الدينية المذهبية.
ولكن رغم صعوبة تحقيق ذلك على المدى المنظور، فان هذا يجب ألا يكون مانعا دون أن تتحرك قوى التيار الوطني الديمقراطي والشخصيات الوطنية المستقلة غير المرتبطة بمصالح فئوية أو طائفية، للدفع نحو إيجاد شكل من أشكال الصيغ لتكتيل جهود هذه الأطراف من أجل بناء حائط صد في وجه الاندفاع الطائفي الخطر الذي بات يهدد النسيج الوطني البحريني تهديدا جديا، ولا يحتاج المرء إلى بصيرة نافذة ليرى حجم الخطر الذي يتهدد مجتمعنا بسبب الانقسام الطائفي الحاد.
فقوى التيار الوطني الديمقراطية والشخصيات الوطنية المستقلة مسئولة أكثر من غيرها من قوى المجتمع عن ترجمة مبادئها وإيمانها بالنسيج الوطني الجامع ترجمة عملية من خلال المساهمة العملية في صيانة الوحدة الوطنية من التهديد الذي تتعرض له بسبب ذلك الانقسام، كما أن هذه القوى من دون غيرها مؤهلة للعب هذا الدور حيث انها تنطلق في عملها من مبادئ وأهداف وطنية جامعة تضع مصالح الوطن بجميع مكوناته في جل اهتماماتها، أي أن أجندة هذه القوى خالية تماما من أي أهداف فئوية أو طائفية أو عرقية.
فالوضع الذي تمر به البحرين في الوقت الحاضر والتهديد الذي يتعرض له النسيج الوطني بسبب الاصطفافات الطائفية التي برزت بشكل واضح وجلي على الساحة الوطنية يحتمان على هذه القوى والشخصيات الوطنية المستقلة المبادرة إلى تحرك وطني جامع يعمل على إخراج شعبنا من المستنقع الطائفي الخطر الذي أخذت مساحته تتسع مع استمرار الأوضاع غير السليمة المستمرة منذ أكثر من أربعة عشر شهرا
من دون أن تلوح في الأفق أي عوامل على قرب مغادرة هذه الأوضاع.
فالإخفاقات والنواقص السياسية التي اعترت مشروع الإصلاح يمكن معالجتها بالمزيد من الحوارات الوطنية وتصحيح الأخطاء، فالمشاريع السياسية ليست خالية من النواقص أو القصور وهي ليست محصنة من التعثر أو الإخفاق في تلبية طموح الجماهير، لكنها مسائل ليس لها ذلك التأثير الخطر في النسيج الوطني، أما الاصطفاف الطائفي الذي طالما حذر المخلصون من أبناء هذا الوطن من مخاطر الوقوع فيه، فإن علاج آثاره وإفرازاته يكون عادة في غاية الصعوبة، وإن تم ذلك فإن الثمن المقابل باهظ جدا، وبالتالي فإن بناء حائط وطني يجمع قوى التيار الوطني الديمقراطي والشخصيات الوطنية المستقلة يمثل مطلبا آنيا لا غنى عنه.