الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٥٧ - الثلاثاء ١ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ١٠ جمادى الآخرة ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


الصينيون يغزون اقتصادات العالم ويواجهون مشاكل مستجدة





ترافق الانتشار الكبير للعمال والخبراء الصينيين في أصقاع الأرض قاطبة مع ارتفاع دراماتيكي في حوادث الاختطاف التي يتعرض لها هؤلاء العمال الصينيون في الخارج ولاسيما في السودان كما رأينا أخيراً، وقد اصبح بند «حماية الصينيين المغتربين» يحتل اولوية على الأجندة الأمنية الصينية وخصوصا بعد حادثة مقتل ١٤ عاملا صينيا في أفغانستان وباكستان في عام ٢٠٠٤، ومقتل احد المختطفين في السودان في ٢٠١٢، لكن الوضع يزداد تردياً. علماً ان السلطات الصينية أجلت بين عامي ٢٠٠٦ و٢٠١١ اكثر من ٦ آلاف صيني من دول مختلفة شابتها اوضاع مضطربة منها تيمور الشرقية، لبنان، تشاد، تايلند، هاييتي، قرغيزستان.

وفي العام الماضي، عادت موجة الاختطاف التي لاحقت العمال الصينيين لتطل برأسها من جديد، وأجلت الصين اكثر من ٤٨ ألفا من رعاياها من دول مختلفة مثل مصر، وليبيا، واليابان. مع ذلك، قتل ١٣ بحارا صينيا في نهر ميكونغ في شمال تايلند في اكتوبر ٢٠١١، وفي اواخر يناير ٢٠١٢ تم اختطاف نحو ٥٠ عاملا صينيا في حادثتين في السودان على يد مسلحين من كردفان، وكذلك من قبل رجال قبائل في شبه جزيرة سيناء المصرية.

«أورينت برس» اعدت التقرير التالي:

ينتشر الصينيون بقوة في دول مختلفة حول العالم، ففي عام ٢٠١٢ يتوقع ان يسافر ٦٠ مليون صيني إلى الخارج، وهو رقم قد تضاعف بست مرات عما كان عليه في عام ٢٠٠٠، ومن المرجح ان يصل إلى ١٠٠ مليون في عام ٢٠٢٠، كما ان هناك ٥ ملايين صيني يعملون في الخارج بوتيرة غير منقطعة.

وبسبب ارتفاع نسبة الاعتداءات والحوادث التي يتعرض لها العمال الصينيون في الخارج تبذل السلطات الصينية ما في وسعها لتأمين الحماية لرعاياها، لكن المؤسف ان السلطات لا تملك احصاء دقيقا عن عدد العمال في الخارج لكنها تقدر عددهم بـ٥,٥ ملايين في عام ٢٠١١، بينما كانوا نحو ٣,٥ ملايين في عام .٢٠٠٥

تنسيق امني

واليوم يجرى التنسيق بين وزارة الشؤون الخارجية، وجيش التحرير الشعبي كما يسمى الجيش في الصين، ووزارة الامن القومي، ومجموعة كبيرة من الوكالات الرسمية والشركات الخاصة لتأمين الحماية للصينيين في الخارج وحمايتهم من اي مكروه قد يتعرضون له.

وسيتم رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي للكثير من البلدان التي يعمل فيها عمال صينيون، كما ان الصين ستعمل على سبل الوقاية الامنية وذلك من خلال متابعة احوال المغتربين وتزويدهم على الدوام برسائل هاتفية قصيرة عن الاوضاع الامنية في الدول التي يعملون بها للإبقاء على الحيطة والحذر، وتؤكد السلطات الصينية أنه «ليس للمواطنين الصينيين العاملين في الخارج أي علاقة بالنزاعات السياسية الداخلية ويجب ألا يصبحوا ضحايا لنزاعات ليس لهم علاقة بها.. وفي حين تحافظ الصين على سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، فإنها لن تدخر جهداً من أجل حفظ سلامة مواطنيها في الخارج».

صدمة شعبية

في الواقع، شعر الشعب الصيني بصدمة إزاء الحادثين اللذين وقعا أخيراً حيث تم اختطاف أكثر من ٥٠ عاملا صينيا واحتجازهم كرهائن في السودان ومصر وهو ما أثار مخاوف واسعة النطاق بشأن سلامة العاملين الصينيين في الخارج، وأيا كان الهدف في أذهانهم يبدو من الواضح أن خاطفي العمال الصينيين يرغبون في جذب انتباه العالم لتعزيز مطالبهم مستفيدين بذلك من تنامي النفوذ الصيني في شتى أنحاء العالم، وغالبا ما تدفع الصين الفدية لتحرير الرهائن، لذا تعتبر الصين هدفا سهلا، وقد يدل اختطاف الصينيين على القوة الاقتصادية المتنامية لبكين وتوسعها في الخارج بإرسال المزيد من مواطنيها للعمل في مشاريع البنية التحتية والتنمية وغيرها.

وكان متمردون في السودان من حركة تحرير الشعب السوداني قد أمسكوا بـ ٢٩ من الرهائن الصينيين في ٢٨ يناير بعد أن هاجموا معسكر شركة بناء الطرق الصينية، وفي مصر تم الإفراج عن ٢٥ من الرعايا الصينيين الذين يعملون في مصنع للأسمنت في شبه جزيرة سيناء المصرية بعد اختطافهم.

ولا شك ان هذه الحوادث ستدعم المطالبات داخل الصين لتوسيع قدرات جيشها، وبالرغم من أن ميزانية الدفاع الصينية هذا العام تبلغ نحو ٩٥,٣ مليار دولار، وتأتي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الامريكية، فان ذلك لا يجعلها قوية بما يكفي، فالصين حتى اليوم ليست قوية بما فيه الكفاية لتوفر الحماية لكل مواطنيها المنتشرين في جميع أنحاء العالم.

دعوة دولية

من جهتها، دعت الصين المجتمع الدولي إلى اتخاذ اجراءات ملموسة للتأكد من سلامة المواطنين والمؤسسات الصينية في الخارج، مؤكدة أنها تعارض بقوة الاختطاف، وأنها على ثقة بأن المجتمع الدولي بأسره يدين اختطاف مدنيين لأغراض سياسية، مشيرة إلى أن الشركات الصينية قدمت إسهامات إيجابية لتنمية الدول الافريقية تحديدا اقتصاديا واجتماعيا مما عاد بالنفع على شعوبها في السنوات الأخيرة.

يذكر انه في بعض دول إفريقيا حيث تنشط الاستثمارات الصينية ويفتتح المزيد من الشركات الصينية فروعا لها، بات بعض العصابات المسلحة يعتبر العمال الصينيين اهدافا سهلة لطلب الفدية وليس ادل على ذلك من تعرض الصينيين لهجمات دامية كثيرة خلال السنوات الاخيرة في السودان واثيوبيا وكينيا ونيجيريا بينما تعين اجلاء آخرين من تشاد وشرق الكونغو. وفي ليبيا قامت الصين السنة الماضية بأكبر عملية اجلاء اثناء الحرب الاهلية نقلت خلالها ٣٦ الفا من مواطنيها العاملين هناك.

وقد كثفت الشركات الصينية سواء العامة او الخاصة، كثيرا وجودها في الخارج خلال السنوات الاخيرة وخاصة في القارة الافريقية سواء لاستغلال النفط او المواد الاولية وزراعة الاراضي او بناء المستشفيات والطرق والسدود، ورغم اتهامها بالتقصير، فان هذه الشركات الخاصة تضخ المزيد من الاموال لتأمين حياة عمالها وموظفيها وحمايتهم من اي خطر يحدق بهم.

في السلم كما الحرب

حتى في زمن السلم تحصل احتكاكات مع السكان المحليين، فالشركات الصينية غالبا ما تجلب عمالها من الصين وهو ما يضايق بعض الجهات المحلية التي ترغب في ان تكون اليد العاملة المحلية هي المشغلة لهذه المصانع والشركات الصينية، على جانب آخر تتهم الصين في بعض الاحيان بسوء معاملة اليد العاملة المحلية كما حصل في زامبيا حيث تحولت معاداة الصينيين إلى موضوع حملة مايكل ساتا الذي انتخب رئيسا في سبتمبر الفائت، وتم التشديد خلالها على انتهاكات حقوق الانسان في الصين والخارج.

كما ان العمال الصينيين اصبحوا ضحايا السياسة الصينية الداعمة للأنظمة المحلية في بعض الاحيان، لان حركات التمرد تريد معاقبة جمهورية الصين الشعبية لدعمها حكومات مطعونا في شرعيتها فتقوم بالاقتصاص من حملة الجنسيات الصينية مهما كانت طبيعة عملهم حتى وان كانوا مجرد عمال بسطاء، وتذهب نظريات المؤامرة إلى ابعد من ذلك، فهناك من يتهم الجماعات المسلحة التي تقوم باختطاف وايذاء العمال الصينيين بأنها ترغب في الضغط على العاصمة بكين جراء مواقفها على الساحة الدولية وفي طليعتها دعمها المستمر للجمهورية الاسلامية في إيران مقابل العقوبات الغربية المفروضة عليها.

وتحاول السلطات الصينية حتى اليوم الا تحمل الدول التي تحصل فيها مثل هذه الاعتداءات المسؤولية الكاملة، بل انها تلقي باللوم على عصابات وجماعات مسلحة وتعتبر الحوادث «فردية» لا علاقة للنظام بها، وهي بذلك تسعى إلى الحفاظ على استثماراتها وعلاقاتها بالدول المضيفة لانها لا تتحمل تكبد خسائر اقتصادية في الخارج مهما تكن. وبعد الحادثين الاخيرين اوفدت الصين مجموعة من القيادات إلى السودان ومصر للتفاهم ولملمة ذيول القضية حتى لا تتفاقم على المستوى الشعبي.































.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

    الأعداد السابقة