أفق
تطورُ الديمقراطيةِ مرهونٌ بهزيمةِ ولايةِ الفقيه
تاريخ النشر : الثلاثاء ١ مايو ٢٠١٢
عبدالله خليفة
تجابه الأممُ العربيةُ والإسلامية قضايا شائكةً متقاربة، وفيها اختلافاتٌ كذلك بين درجات التطور لهذه البلدان حسب بُناها الاجتماعية وتطور النضالات الشعبية الحديثية التوحيدية فيها.
في القسم الشرقي من المنطقة لعبتْ ولايةُ الفقيه دور الدولة القومية الفارسية الشمولية في صعودها وتغلغلها بين دول المنطقة، واستثمار المشكلات لتوقف العمليات التحولية الديمقراطية الاجتماعية والسياسية التوحيدية، من أجل السيطرة عليها والهيمنة على المجال الحيوي (العقيدي المذهبي) فيها.
وكان استثمار العبادات والعقائد من أجل الهيمنة العسكرية والاجتماعية المحافظة لكبار رجال الدين والسلطة غدا نموذجاً لدوائر السياسة الإيرانية المسيطرة لتطبيقه على بلدان أخرى، عبر استغلال مشكلاتها الداخلية.
وهكذا غدت الأوضاع السياسية في البلدان التي تكثر فيها طائفة الشيعة وتجذرتْ فيها المنظماتُ العباديةُ والسياسية مناسبةً لهذا المشروع التوسعي.
قدرةُ المركز الإيراني نفسه على التطور الديمقراطي انتفتْ وغدا التراجع عن السلطة المستبدة العنيفة المزدوجة يعني انهيار النظام، فاشتدت القبضة على فروع المشروع خارج المركز.
ولم يقم التدخل الأمريكي في العراق بإيجاد ديمقراطية على أسسٍ حديثة فيه، وضربَ ركائزَ التوحيد في الوعي الوطني العلماني الديمقراطي، وبعثَ القوى التقليدية القومية والطائفية، بحكم الموقف الديني اليميني لمجموعات المحافظين الجدد وقتذاك المسيطرة في واشنطن وعدم مراجعة هذا الموقف في الإدارات اللاحقة.
القوى السياسية الاجتماعية الطائفية في استثمارها الإسلام للسيطرة على الكادحين والفئات الوسطى، لم تقم بأي عمليات تنوير وديمقراطية في صفوف المسلمين، فأي تعميق للثقافة الحديثة وسط الجماهير تعتبرها هادمةً لسلطاتها على الفقراء المحدودي الوعي، وهم الحصالاتُ الاجتماعيةُ التاريخية لها.
وإذا كان هذا ينطبقُ بشكلٍ كبيرٍ على تطور إيران السياسي فإنه ينطبقُ بأشكالٍ أخرى على الدول العربية، ذات التباينات السياسية ولحظات ودرجات التطور السياسية الاجتماعية المختلفة.
فقد أوضح التطورُ العاصفُ الأخير من الربيع العربي كيف أن المحافظة الفكرية والسياسية موجودة كذلك في القوى المذهبية اليمينية السنية، وهو أمرٌ موضوعي لتشابه البُنى الإقطاعية خلال عدة قرون، وحيث تغدو السيطرةُ على الفقراء المتخلفين وعياً وظروفاً وسائل لنفوذ هذه القوى الاجتماعي السياسي.
ومن هنا لا تقوم هذه الحركاتُ السياسية بتنفيذ مهام الثورة الديمقراطية الحديثة، من تحرير للفلاحين والنساء والمؤسسات السياسية وأدوات الوعي الفكرية من الهيمنات العتيقة، وإذا كانت إيران قد سبقتْ القسمَ السني في تشكيل دكتاتوريتها، بسبب المركزية الشديدة القومية وضخامة الريف وتشكل التحولات الرأسمالية في الزمن السابق لفئات صغيرة في المجتمع، فإن القسمَ السني المتعدد المستويات، حيث قامت بلدانٌ معينة بإضعاف المركزيات الحكومية وتحجيم الإقطاع بعض التحجيم، وبقيتْ دولٌ أخرى في المستوى الإيراني السابق لعهد ولاية الفقيه، حيث يتم تصدير هذا النموذج واستغلال الأقسام المتخلفة الوعي من الطائفة الشيعية للمشروع الشمولي العنيف.
هكذا يغدو الطرفان من الأمم العربية الإسلامية مترابطين، مختلفين، متشابهين، عبر هذه المستويات المركبة من التطور المتشابه، ومن التطور المتباين.
ويغدو تحقيق مهام الثورة الوطنية الديمقراطية غير المنجزة في العقود السابقة، وخاصة في قسمها الاجتماعي الفكري، مطلوب الانجاز في هذه الدول كافة.
إن ولايةَ الفقيه القوية العنيفة الخطرة في إيران مرفوضة شعبياً داخل هذا البلد بعد خبرَ أدواتها الدموية وتشويهها للإسلام، في حين أن ولايات الفقهاء في دول أخرى عربية والمتغلغلة عبر سواعد الجماهير الشعبية العربية المُستغَّلة الثائرة، ليست مرفوضة، لكونها قامتْ في خضمِ إستكمالِ الثورة الديمقراطية، ولكن لتؤسسَ دكتاتوريات جديدة بديلاً عنها مع غياب وعي هذه الجماهير العربية وعدم استفادتها من درس إيران البليغ!
قد تتفق الولايات الفقهية وقد تختلف، وقد تتعاون بعضها أو جميعها لضرب الدول الأخرى المعتدلة وضرب الأحزاب الديمقراطية والتقدمية في عموم المنطقة، وقد تتجمد في هياكلها العنيفة، وقد تتقارب مع الليبرالية، ولكن الأسسَ الإقطاعية المحافظة ظلت في كل منها قوية مرتبطةً بإعادة إنتاج الإرث الطائفي المحافظ المستغِّل للجماهير. فهم لا يريدون حريات الفلاحين والنساء وصعود الليبرالية والديمقراطية والعمال والحداثة السياسية بأسسها العالمية، وبالتالي فإن النضالات العميقة مطلوبة، وتوسع الوحدات الشعبية العربية الديمقراطية العلمانية ضرورة حياة لهذه الأمم على الضفتين معاً.
سيظل إنعاش الوعي التقدمي وانسحابه من الشموليات الماضوية والراهنة وقدرته على تأسيس النضالية الجدلية المركبة ونشر الجبهات الكفاحية مع كل بصيص ليبرالي وديمقراطي ونهضوي، هو حجر الأساس للتطور السياسي لهذه الأمم