الجريدة اليومية الأولى في البحرين


قضايا و آراء


مصر بين توافقية صياغة الدستور وتفرد التيار الديني

تاريخ النشر : الثلاثاء ١ مايو ٢٠١٢



بدايةً ان زيارة الرئيس الإيراني نجاد للجزر العربية لا تخدم أي دعوات للتقارب وترطيب الأجواء بين الجارة إيران ودول الخليج العربي وهي مشجوبة ومستنكرة ناهيك عما تتصف به من سلوك استفزازي،كما ان نجاد بهذه الزيارة المفاجئة اسقط مصداقية الدعوات التي يطلقها بضرورة تهدئة المنطقة وتفاهم الدول فيها لتفويت الفرصة على المخططات الصهيونية والأمريكية التي تستهدف تفتيتها وإشاعة حال العداء والقطيعة بين أقطارها، إذ من الواضح اليوم أن الأجندة الصهيونية والأمريكية تسعى بكل قوة في هذا المتغير إلى شغل دول المنطقة بنفسها وإدخالها في دهاليز الصراع، فإذا كان نجاد لا يُراعي مواقف النظم العربية الرسمية بسبب الخلافات السياسية البينية وتحفظ إيران على الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة فعلى اقل تقدير فليحسب حسابا للمشاعر القومية العربية الناهضة على امتداد الوطن العربي، فالأحداث التي تجري في المنطقة العربية يُخطئ من يعتقد أنها ستُشيع الديمقراطية من غير إنعاش وتنامي المشاعر القومية في واقع الأجيال القادمة ولذلك فان توجه الأجندة الصهيونية اليوم هو ضرب العروبة السياسية ومسحها من تاريخ الأمة بمشروع الإسلام السياسي كبديل في واقع العرب.
ان مثل هذه التصرفات التي تنتهجها الجارة إيران لا تخدم فرص تقوية العلاقات بينها وبين جوارها العربي على المدى البعيد كما أن تاريخ تطلع إيران ودعاواها بضم الجزر معروف وموقف دولة الإمارات واضح وصريح ومبني على أساس التوصل إلى حل عبر الحوار أو اللجوء إلى التحكيم الدولي إلا أن إيران ترفض وتستنكف خيار الجلوس إلى طاولة التحكيم الدولي والتوجه الإماراتي ذاك هو الحل الأمثل المتعارف عليه لحلحلة القضايا بين البلدان بالطرائق السلمية لكن إيران الجارة ترفضه.
ثم ان هذه الزيارة وكما تقدم تأتي في وقت تسعى فيه إسرائيل وآلة الإعلام الصهيونية لتصوير إيران على أنها الخطر المحدق بدول المنطقة وبالسلام العالمي لتلهي بذلك الشعوب العربية والرأي العام العالمي عن كون إسرائيل هي محور الشر الذي احدث كل مشاكل المنطقة منذ زرعها في المحيط العربي والإسلامي، ونحن وكثير من أصحاب المواقف القومية المتوازنة ندفع بألا تنجح تلك البالونة السياسية الإسرائيلية لحرف بوصلة المشاعر العربية من العداء لها إلى العداء لطهران، إذ اننا نؤكد دوماً ان ما يصدر عن طهران من تصرفات تجاه جيرانها سببه الفراغ الذي أحدثه غياب المشروع المركزي العربي الواحد للأمة وان إيران هي جوار وستبقى جوارا إسلاميا من الممكن التلاقي معه إذا أحس بوحدة الأمة وبتوجهها الفعلي إلا أن نجاد بزيارته تلك يدفع إلى إنجاح تلك الهجمة الإسرائيلية لتصوير بلاده بالصورة التي تريد الصهيونية العالمية أن تكون فيها، كما انه يضع العروبيين وذوي التوجه القومي ممن يسعون إلى إيجاد معادلة تلاق بين إيران والجوار العربي وتأجيل أي خلافات والتفرغ لإسرائيل في حرج بالغ أمام المشاعر القومية العربية.
إن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه في واقع الحراك السياسي المصري هو مدى حقيقة التباعد بين المجلس العسكري وتنظيم الإخوان وهل الطلاق الذي حصل بين الإسلاميين والمجلس العسكري هو طلاق بائن لا رجعة فيه؟ أم انه طلاق من مستلزمات عمل المرحلة السياسية الراهنة؟ ويأتي هذا التساؤل بعد تسارع الأحداث في واقع الحراك المصري حيث شهد في الآونة الأخيرة جفوة وفتورا في التعامل بين المجلس العسكري والإخوان وذلك مما يبدو على اثر تراجع الأخيرة عن وعودها بعدم التطلع لمنصب رئاسة الجمهورية، ويذهب اجماع المراقبين للفترة التي اتسمت بالتلاقي بين الاخوان والمجلس العسكري بأنه تم توافق ضمني واضح المعالم لاقتسام السلطة بين الاثنين لمرحلة ما بعد سقوط مبارك وهذا التلاقي يقضي بسيطرة للإخوان على المجلس النيابي مقابل ترك منصب الرئاسة لرجل يأتي من خلفية أو على اقل تقدير مستهوى من لدن المجلس العسكري، إلا انه من الواضح أن الأمور لم تجر بما تشتهي السفن.
طبعاً تلك المرحلة من العمل السياسي للإخوان جعلت البعض يتهمهم بالانتهازية السياسية في سبيل الإمساك بمراكز السلطة والقرار كما يذهب القائلون بذلك إلى أن المجلس العسكري تعمد تفتير روح الثورة عدة أشهر وافلت رموز النظام السابق من المساءلة والمحاسبة الحقيقيتين، وربما أتاح فرصة من الأشهر لإخفاء وإتلاف الكثير من الوثائق المتعلقة بالفساد من قبل النظام السابق وتابعيه وهذا الدفع من محاولات التفتير ما كان المجلس العسكري قادراً وحده على المضي فيه لولا تعاطي قيادة الاخوان معه وقبولهم بالتورية على مثل ذلك النهج من العمل السياسي، فمثلاً عدم البت ومنذ سقوط مبارك بتشريع قانون يُقصي رموز النظام السابق من التقدم لمزاولة العمل السياسي يُعد مثلبة ارتكبها المجلس والاخوان في حق الشعب وذاك هو ما أتاح لعُمر سليمان وغيره السماح لأنفسهم بتبني فكرة طرح أنفسهم مرشحين لرئاسة الجمهورية، ولا ندري هل جاء هذا السلوك من سُليمان من باب الاستخفاف بالعقلية المصرية وبمشاعر السواد الأعظم من الجماهير أم أن تلك محصلة طبيعية افرزها التعاطي الخجول للمجلس العسكري مع رموز النظام السابق وسياساته على حساب روح وأدبيات الثورة؟
إن مبدأ إقصاء رموز أي نظام سقط من على دفة الحكم هو مبدأ معمول به في كل الثورات إلا انه في حال الثورة المصرية قد شذ متجاهلاً حقا أصيلا من استحقاق الثورات وكل تلك المسلمات التي تم إهمالها أدت إلى اتهام البعض للإخوان ببيع مواقفهم ومبادئهم وتضليل الشعب المصري في سبيل الإمساك بمقاليد الحكم، ونحن شخصيا لا نميل إلى مثل تلك الحدة تجاه اخوان مصر، كما أننا في واقع الحال نُفرّق بين حركة الاخوان في مصر عن غيرها من باقي البلدان العربية إذ إننا نعتقد ان الإخوان في مصر ورغم أخطائهم في مراحل متقدمة من نهضة المشروع القومي للأمة إلا فاننا نعتقد ان تلك الأخطاء تندرج تحت السياق الزمني لطبيعة عدم تخصّب المدارك الفكرية في العمل السياسي لكل الحركات السياسية في الوطن العربي في القرن الماضي، وهو واقع قد مس بأخطائه الجميع حتى نظم الحكم ومع ذلك فقد قدم الإخوان من اجل مشروع التغيير والإصلاح في مصر الكثير من العرق والدم كما دأبوا على التصحيح والمراجعة لمواقفهم عبر تاريخ نضالهم السياسي ومن ذلك اللجوء للدعوة والإصلاح بالشكل السلمي والتخلي عن أي عمل مسلح رغم موجات الاعتقالات والملاحقات التي طالت الكثير من كوادرهم وهو ما خصب وهذب في تقديرنا نفسية الخط الإخواني وخطابه وصار أكثر ميلا للإصلاح المعتدل ومن دون الإكراه، لكن وكما تقدم من الواضح أن الإخوان تلاقوا مع العسكر على رؤية معينة لتسيير حال مصر بعد مبارك حتى تصل إلى بر الأمان وربما كان ذلك من باب الخوف على مصير مصر من أن تنزلق إلى غياهب الفوضى والضياع، وهنا ربما يُتفهم بعض تراجعات الاخوان عن مكاشفة جماهيرهم لما يدور تحت الطاولة من توافقات غير معلنة إذا كان القصد منه توخي الحذر بهذا البلد العربي المحوري العزيز من أن يقع في أتون الفتنة والتشرذم.
ومع ذلك فان الأشهر الماضية لا تعفي المجلس العسكري والاخوان من بعض أخطائهما وربما يتحمل المجلس العسكري الجزء الأكبر مما وقع من أخطاء فأولاً: إن المجلس العسكري وحسب علمنا هو ليس سلطة دستورية أو أصيلة في تاريخ الدولة المصرية وإنما هو استُحدث بعد ثورة مصر وإسقاط الملكية. ثانيا: إن سقوط مبارك لم يأت من داخل انقلاب المؤسسة العسكرية حتى يخولها ذلك وضع نفسها وصية على الشعب والثورة وبشكل فيه الكثير من مبهمات الأمور والأحداث فالأمة المصرية هي من حررت المجلس العسكري قبل غيره من استهتار مبارك بمصير مصر وهيبة أركان جيشها وعلى الرغم من ذلك فقد ماطل المجلس العسكري عدة أشهر في ترك رموز النظام السابق يسرحون تحت الخفاء في الواقع المصري، كما انه تعامل مع رموز العهد السابق وعلى رأسهم مبارك بشيء من الخجل والتوقير رغم أن مباركا تسبب بهدم مصر وبتجريفها بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخها، فمصر وما أدراك ما مصر وما دورها في واقع الأمة إذ صحت؟ ومن ذلك فإنا نعتقد أن كل ما جرى ويجري لواقع الأمة من انحدار سريع منذ ثلاثين سنة حتى يومنا كان بسبب مواقف مبارك وطموحه إلى جعل مُلك مصر ملكا عضوضا وموّرثا، ولو انه يومذاك أكد للقيادة العراقية الا تجعل من مصر تتصدر خيار الحرب بوجه العراق لما سارت الأمور العربية لما وصلت إليه بسبب ذلك الدور المريب لمبارك يومها.
إن ما جرى على مصر من ضعف ومن تخريب للذائقة وللعقلية المصريتين يشلها عن الإصلاح اليوم وهذا التسبب من الانحدار وحده يكفي لمحاكمة مبارك ورموزه وإنزال أغلظ العقوبة بهم وذلك لأنهم لم يدمروا مصر بأساليبهم فقط بل جنوا على امة الضاد العربية بأكملها وجعلوها في ضياع مما هي عليه اليوم، كما أن تسميمهم لمصر قد وصل إلى حد لا يعلم إلا الله بمدى زمن شفائه.
وهناك من مواقف المجلس العسكري الركيكة الكثير تجاه التعاطي مع الثورة وهو ما ادخل المجلس العسكري مرحلة الشك الأقرب إلى اليقين تجاه جديته بالتغيير الجذري المطلوب للشارع المصري، والآن وبعد أن غيرت إشكاليات الواقع المصري المزمنة واستحقاقات مطالب الثورة الجميع عن المضي في توافقاتهم صار من الضروري العمل الجاد والخوض في الملفات البارزة التي لا تحتمل التمييع ولذلك نعتقد أن على الاخوان التحلل من تاريخ تعاطيهم السياسي في الأشهر الماضية وخصوصاً أنه لم تتبلور لدينا أي مؤشرات جوهرية تنم عن إصرارهم على الاستئثار بالسلطة، وبعد تبدل موقف الإخوان وعزمهم الدفع بمرشح إخواني لرئاسة الجمهورية وتباعد المسافة بينهم وبين المجلس العسكري بخصوص هذا الشأن نعتقد أن الاخوان كسبوا سابقاً جولة استحقاق الانتخابات البرلمانية في وقتها وحصلوا على غالبية المقاعد ثم هاهم ينزلون للشارع بمرشح رئاسي إخواني وسوف تكون نتائج الانتخابات الرئاسية القادمة مؤشرا على مدى مصداقية الرؤى التي تذهب إلى تراجع رصيدهم في الشارع، ونعتقد أنه من الواجب على الإخوان أن يدفعوا نحو تشكيل لجنة صياغة دستورية توافقية مشتركة تجمع في نصابها كل أطياف تيارات الطيف السياسي المصري وبشكل متوازن، فذلك أصلح لمصر وأفضل حال للإخوان وعبرة لهم من أن يقعوا في الأخطاء التي وقع فيها من سبقهم لمقاليد الحكم، وبالطبع أن صياغة الدستور القادم إذا تم التلاقي عليها من كل الأطراف فإنها ستحدد مدى مدنية الدولة كما ستحدد حجم الصلاحيات الرئاسية وهو ما سيُفضي إلى تشكل صورة أخرى لوجه مصر وسيرسم في المحصلة توجه سياستها على المستويين الداخلي والخارجي.