نظام برلماني أم رئاسي.. أيهما أفضل؟
 تاريخ النشر : الأربعاء ٢ مايو ٢٠١٢
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
مرت المنطقة العربية بثورات متتالية في فترة واحدة كأنها تقول ان المنطقة العربية هي منطقة واحدة بالرغم من التقسيم والقطرية اللذين فرضها الاستعمار ومن بعده الانظمة الحاكمة على الشعوب واستمراؤها البقاء في الحكم والسيطرة على القرار والثروة واستعباد الانسان. نجح عدد من هذه الثورات وتأثرت اخرى برياح الربيع وحدثت بها تحولات في جوهرها كتوزيع بعض الصلاحيات من السلطة العليا في الملكيات كالاردن والمغرب إلى مجالس الشعب والحكومات المنتخبة. في خضم ذلك يطرح سؤال حول المصير الذي ينتظر الدول العربية وهل ستنجح ثوراتها ام لا؟ وكيف سيتشكل الشرق الاوسط بعد ان تنتهي مرحلة «الذوبان»، (التحولات) وتبدأ الاحوال بـ «التجمد»؟
على هذه الخلفية جرى حديث مع احد الاصدقاء حول امكانية نجاح الثورات العربية اظهر فيها خوفا على الحالة المصرية من العودة إلى الاستبداد من جديد في حلة الاخوان او اي قوى اخرى تستغل الديمقراطية لتستولي على الحكم وتفرض حكما استبداديا من نوع آخر فيما بعد. اختلفت معه وكنت متفائلا بسبب استعداد الشباب والمجتمع للخروج لحماية ثورته والوقوف مع الديمقراطية.
رأينا كيف ان الشعب المصري خرج في مليونية من جديد لحماية ديمقراطيته وحريته وتجسيد مبدأ الشعب مصدر السلطات. هذه المواقف هي التي سوف تحمي الثورات العربية من الانتكاسة إلى مرحلة الاستبداد، وستؤثر هذه الروح في الدول التي لم تشارك بعد في الربيع العربي، والتي استمر فيها حكم الفرد الواحد عقودا طويلة ادى إلى تصلب شرايين المجتمع واستشراء الفساد وتراجع الاداء الاقتصادي وتوقفت مساعي تنويع مصادر الدخل. في الجانب الآخر يراهن المتمسكون بالسلطة على استراتيجية «النَفَس الطويل» لاخضاع الشعوب، فالسلطات قادرة على الصمود وقتا اطول وخصوصا انها مستقلة ماليا عن المجتمعات. هذا الرهان ينم عن عدم اهتمام بمصالح البلاد العليا ومصالح المجتمع الذي انهكته حالة الجمود والركود الاقتصاديين بسبب الازمات.
التفاؤل بمستقبل افضل يجب الا يكون مفرطا؛ فالمخاطر محدقة بالعالم العربي من الداخل والخارج. هناك قوى خارجية تحاول ان توجه النتائج إلى مصالحها ومن الداخل صراع القوى السياسية التي تحاول ان تأخذ لنفسها مكانا في الخريطة السياسية وتكون قوة مؤثرة. التدافع الداخلي بين مختلف الفئات امر طبيعي وصحي وتقوم عليه سنة الحياة، وغياب هذا التدافع وسيطرة فئات على نظم الحكم هما اللذان اديا بالدول العربية إلى هذا المصير من الاستبداد والفساد.
عودة إلى مصر، ففي نهاية المطاف سوف يُنتخب رئيس ولكن السؤال ما هي الصلاحيات التي سيمنحها اياه الدستور وما هي علاقته بالحكومة وكيف يتم تعيينها وما هي صلاحيتها؟ هذا يقود إلى التساؤل حول اي النظامين افضل في دول الربيع العربي: النظام الرئاسي ام النظام البرلماني؟ اذا نظرنا إلى التجارب العالمية نجد ان المجتمعات التي نجح فيها النظام الرئاسي مثل أمريكا وفرنسا هناك ارث ديمقراطي يمنع الرئيس من الهيمنة الكاملة على مفاصل الحياة السياسية بفضل وجود منظمات مجتمع مدني حيوية وفاعلة وصحافة واعلام حر وسلطة برلمانية قوية وقضاء مستقل يحقق التوازن مع سلطة الرئيس ويحد من سيطرته الكاملة. اما معظم الدول الديمقراطية الاخرى فهي تنتهج النظام البرلماني مع رئيس او ملك بسلطات معينة يمثل الدولة ويحمي مؤسساتها ويمثل الحَكم بين السلطات، فأي النظامين أفضل للدول العربية؟
الصراع بين الدول الكبرى على النفوذ والهيمنة في المنطقة يُعَقد المشهد الداخلي ويضع ضغوطا على المطالبين بالديمقراطية والحرية ويغري التيارات المتصارعة على السلطة الداخلية ان تستقوي بقوى خارجية او تحاول اقناعها بأنها لن تمس مصالحها كما يشاع من اتفاق بين أمريكا والاخوان المسلمين او السلفيين مع قوى اخرى. يضاف اليها تعقيدات الصراع الايديولوجي والمذهبي بين العلمانية والدولة الدينية والصراع الديني بين المذاهب ومن يحاول العودة إلى الخلافة الاسلامية.
كل هذه المصالح والصراعات المختلفة تجعل من الخطورة بمكان وضع صلاحيات كبيرة في يد اي انسان سواء كان رئيسا او غيره، فالقوى الخارجية ستحاول ان تنشئ منه دكتاتورا اذا رأت فيه خدمة لمصالحها، كما كان في مبارك مصر. النظام الرئاسي أكثر قابلية لذلك بوضعه على رأس السلطة فردا سرعان ما يتحول في مجتمعاتنا العربية العاطفية إلى رمز تبدأ عامة الناس بتمجيده وتعظيمه إلى ان ترفعه فوق الشبهات وفوق المساءلة وتجعل منه طاغية وفرعون آخر. ومع استغلال العوامل الدينية والمذهبية فان تغول هذا الشخص قد يتحقق تدريجيا ويحدث تغييرات دستورية تجعل منه دكتاتورا تحتاج الشعوب إلى ثورات اخرى للتخلص منه. هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى فان التركيبة السكانية المعقدة للمجتمعات العربية من قوميات واديان ومذاهب وعدم تجذر مفهوم المواطنة المتساوية فان النظام الرئاسي بالضرورة يركز سلطة في يد طائفة معينة او قومية محددة تجعل التهميش والظلم وانتفاء العدالة الاجتماعية امرا واردا.
النصر في النهاية للنظام الذي ينظر إلى الانسان على انه الهدف والوسيلة في صنع العلاقات الدولية وصياغة المشاريع الداخلية. هذه الصراعات سوف تستمر إلى ان تستقر الامور، وسوف يستقر الأمر لمن يدرك قبل غيره ان رياح التغيير التي هبت لن تعود، والغلبة ستكون لمن يدرك قبل غيره ان المواطن الذي يريد ان يعيش بكرامة وحرية مستعد ان يظهر في الشارع ويناضل ويدافع عن حقه في هذه الحياة وحقه في إيجاد الصيغة التي يريد والتي تخدم مصالحه.
.