المال و الاقتصاد
مجموعة QNB: توسع ميزانيات المصارف المركزية يمثل تهديداً للاقتصاد العالمي على المدى البعيد
تاريخ النشر : الأربعاء ٢ مايو ٢٠١٢
ارتفع حجم الميزانيات العمومية لأكبر أربعة مصارف مركزية على مستوى العالم، بمعدل 2,6 مرة خلال السنوات الخمس الماضية، من 3,5 تريليونات دولار في يناير 2007 إلى 9,1 تريليونات دولار في شهر مارس 2012، بمعدل نمو سنوي مركب بلغ 20%. وخلال الفترة بين عامي 2000 و 2007، كانت الميزانيات العمومية للمصارف المركزية في الدول المتقدمة تمثل ما بين 9% و 13% من الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول، غير أن هذا المعدل ارتفع منذ ذلك الحين ليتجاوز 20% من الناتج المحلي الإجمالي.
جاء هذا التوسع السريع نتيجة حدثين ضخمين هما الأزمة المالية العالمية عام 2008، وأزمة الديون السيادية الأوروبية عام 2011.
وقد ارتفع حجم الميزانيات العمومية لأكبر أربعة مصارف مركزية حول العالم بنسبة 60% خلال الأزمة المالية العالمية من 4,2 تريليونات دولار في شهر أغسطس عام 2008، إلى 6,8 تريليونات دولار في شهر ديسمبر من نفس العام. وكان أعلى معدل ارتفاع في الولايات المتحدة، حيث ارتفعت الميزانية العمومية للاحتياطي الفيدرالي بنسبة 145%، من 0,9 تريليون دولار إلى 2,2 تريليون دولار خلال تلك الفترة التي بلغت أربعة أشهر.
كما قامت المصارف المركزية بتوسيع ميزانياتها العمومية لتوفير الأموال اللازمة لمواجهة موجة هائلة من عمليات تقليص مستويات الدين في الاقتصاد العالمي. واشترت المصارف المركزية أدوات الدين للمساعدة في إعادة التوازن إلى مستويات الديون. وقد حصل المستهلكون والبنوك والمؤسسات الاقتصادية والحكومات على قروض كبيرة خلال السنوات التي سبقت الأزمة المالية العالمية. وعقب ذلك، أرغم التراجع الكبير في التسهيلات الائتمانية المتاحة، هذه الجهات على تقليص ديونها، حيث اضطر المدينون إلى تخفيض مستويات ديونهم مقارنة مع الأصول التي بحوزتهم.
أصول «غير تقليدية»
وفي سبيل تخفيف الضغط على الاقتصاد العالمي، اشترت المصارف المركزية أصول «غير تقليدية» (كانت في الغالب سندات حكوماتهم)، ولعبت دور الملاذ الأخير من خلال تقديم سيولة إلى البنوك (غالباً عن طريق تخفيف الضمانات المطلوبة)، بهدف تجنب الجمود في النظام المالي.
على سبيل المثال، قام الاتحادي الفيدرالي الأميركي خلال البرنامج الأول للتخفيف الكمي، بزيادة موجوداته من ديون البنوك والأوراق المالية المدعومة بالقروض العقارية وسندات الحكومة الأمريكية بقيمة تُقارب 1,3 تريليون دولار منذ بداية الأزمة المالية وحتى منتصف عام 2010. وتركزت معظم عمليات الشراء على الأوراق المالية المدعومة بالقروض العقارية. وقام الاتحادي الفيدرالي في البرنامج الثاني للتخفيف الكمي، بعمليات شراء بقيمة 0,6 تريليون دولار معظمها سندات الحكومة الأميركية طويلة الأجل خلال الفترة بين نوفمبر عام 2010، ومنتصف عام 2011. كما أن بنك انجلترا المركزي أطلق برنامج للتخفيف الكمي بقيمة 0,5 تريلون دولار، تركز معظمها في شراء الديون الحكومية، إضافة إلى بعض ديون المؤسسات الخاصة عالية الجودة.
جاءت إجراءات المصارف المركزية كجزء من إجراءات حكومية كبيرة لتقديم الدعم المباشر إلى النظام المالي والاقتصاد العالمي. وتُشير حسابات صندوق النقد الدولي إلى أن قيمة عمليات الإنقاذ الحكومية خلال عام 2009 بلغت ما يقارب 12 تريليون دولار.
منطقة اليورو والولايات المتحدة
عقب الأزمة المالية العالمية، شهدت الميزانيات العمومية لأكبر أربعة مصارف مركزية استقراراً خلال عامي 2009 و2010، حيث بلغ معدل النمو السنوي المركب 2,1%. غير أنها شهدت ارتفاعاً متسارعاً بنسبة 22% منذ بداية العام الحالي وحتى شهر مارس، حيث إن أزمة الديون السيادية الأوروبية أدت إلى مزيد من الدعم الحكومي.
وخلال الربع الأول من عام 2012، ارتفعت الميزانيات العمومية للمصارف المركزية في دول منطقة اليورو بنسبة 48%. وقام المصرف المركزي الأوروبي بطرح برنامجين للتوسع، الأول هو برنامج سوق الأوراق المالية بحوالي 0,4 تريليون دولار، حيث وجه معظمها لشراء سندات الحكومة الايطالية والحكومة الإسبانية خلال عامي 2010 و2011. وجاء البرنامج الثاني خلال الفترة بين نهاية عام 2011 ومارس من العام الجاري، وقام المصرف المركزي الأوروبي من خلاله بعمليات إعادة تمويل طويلة الأجل لمواجهة المخاوف من نقص السيولة عن طريق تخفيف شروط الضمانات. وحصلت البنوك الأوروبية على قروض مضمونة مدة ثلاث سنوات بقيمة إجمالية بلغت 1,3 تريليون دولار.
ولا تزال عملية توسيع الميزانيات العمومية للمصارف المركزية مستمرة، حيث يدرس الاتحادي الفيدرالي الأمريكي طرح جولة جديدة من إجراءات التخفيف الكمي وشراء المزيد من الأوراق المالية المدعومة بالقروض العقارية. كما رفع المصرف المركزي الأوروبي مؤخراً حجم صندوق الإنقاذ إلى تريليون دولار، وعلى استعداد لتوسيع ميزانيته العمومية في حال ظهرت أي أزمات ديون سيادية جديدة في المنطقة، وخاصة مع ارتفاع معدلات الفائدة على سندات الحكومة الإسبانية. وقد طالب أيضاً صندوق النقد الدولي المصرف المركزي الأوروبي باتخاذ مزيد من الإجراءات. وأيضاً من الممكن أن يدرس مصرف اليابان المركزي مزيد من الإجراءات لمواجهة الانكماش في الأسعار.
مخاطر توسيع الميزانيات
لكن هناك عدة مخاطر تنطوي عليها عملية توسيع الميزانيات العمومية للمصارف المركزية والتي بلغت معدلات غير مسبوقة.
أولاً، أن ارتفاع حجم السيولة في النظام المالي يمكن أن يزيد من معدلات التضخم، ويصبح خطراً على الاستقرار المالي. غير أن هذا الوضع ليس سلبياً بمجمله نظراً إلى أن ارتفاع التضخم سيؤدي إلى تقليص قيمة الديون الحالية وبالتالي سيساعد في مواجهة السبب الأساسي للأزمة المالية المستمرة.
ثانياً، أن ارتفاع كمية المعروض من السندات الحكومية والتي تُستخدم كوسيلة لزيادة الميزانيات العمومية للمصارف المركزية، يمكن أن يؤدي إلى تقليص التسهيلات الائتمانية للقطاع الخاص، نظراً إلى أنه في حال استطاعت البنوك تحقيق أرباح سهلة من الفوائد على السندات الحكومية ستكون أقل استعداداً لتقديم قروض للقطاع الخاص.
ثالثاً، توسيع الميزانيات العمومية للمصارف المركزية يمكن أن يربك أسواق المال العالمية حيث إن قيام المصارف المركزية بشراء السندات الحكومية يؤدي إلى زيادة الطلب عليها وبالتالي زيادة أسعارها وتراجع العائدات أو معدلات الفائدة على هذه الأدوات المالية. هذا سيؤدي إلى خفض معدلات الفائدة المرجعية، أو بمعنى آخر يقلص المخاطر، كما يؤدي إلى خفض كُلفة الاقتراض، وهو الأمر الذي سينتقل إلى المصارف المركزية الكبيرة ويؤدي إلى تراجع معدلات الفائدة في النظام المالي العالمي بشكل عام. هذه العملية ستؤدي إما إلى توسيع التسهيلات الائتمانية بشكل مُبالَغ فيه بسبب انخفاض كُلفة الاقتراض، وإما إلى تراجع مُبالَغ فيه في التعرض إلى الديون، حيث إن المصارف لن يكون لديها حافز قوي للإقراض. ويمكن أن يؤدي هذا الوضع إلى مشكلة في السيولة، حيث تحتفظ البنوك بالسيولة بدلاً من الإقراض لحماية نفسها ضد أي أزمات مالية جديدة في المستقبل.
ومع استمرار المصارف المركزية الكبيرة في توسيع ميزانياتها العمومية، فإنها من الممكن أن تدعم الاقتصاد العالمي في الوقت الحالي، لكنها من الممكن أن تؤدي إلى مشاكل أكبر على المدى البعيد.