أخبار البحرين
في لقاء مع المستشار العمالي محمد المرباطي
عمال البحرين لهم تاريخ طويل في الاحتفال بعيد العمال
تاريخ النشر : الأربعاء ٢ مايو ٢٠١٢
بمناسبة الاحتفالات بيوم العمال في كل دول العالم احتراما للعامل كإنسان، وتقديرا لدوره في تطوير المجتمع، يتساءل المرء عن الأسباب والدوافع التي تجعل عمال العالم يحتفلون بهذه المناسبة، ويخرجون في تظاهرات عمالية حاشدة، هل هو وفاءا وإخلاصا لأولئك العمال الذين قدموا تضحيات كبيرة كلفتهم حياتهم من اجل بعض المكتسبات المتمثلة في 8 ساعات عمل، و8 ساعات راحة، و8 ساعات نوم. التقت «أخبار الخليج» مع محمد المرباطي المستشار الحقوقي والنقابي لتتعرف على قصة الأول من مايو، والظروف التي أدت إلى انتشاره كيوم وحد العمال تحت راية الحقوق والمساواة والعدالة والتحرر من ساعات العمل الطويلة والأجور المنخفضة، والمطالبة بتحسين بيئة العمل وغيرها.
وفي هذا الصدد، قال المرباطي: «أعتقد انه إلى جانب الوفاء والإخلاص للذين ناضلوا واستشهدوا من أجل الحقوق العمالية، يجسد الأول من مايو تعبيرا عالميا للتضامن العمالي ووحدتهم، وإصرارهم على أنهم الطبقة الاجتماعية الأكثر قدرة على العطاء والتغيير».
وتابع موضحا أسباب الاحتفال بهذا اليوم، ومسلطا الأضواء على دور العمال في مختلف المجتمعات، فقال: العمال وحدهم كانوا على مدار العصور مكان تقدير لدى جميع الديانات والفلسفات والمناهج الإنسانية، ولهذه الأسباب تعزز إصرار العمال في جميع أنحاء العالم بتحويل هذه المناسبة الدامية إلى رمز تضامني عمالي عالمي، يكرس روح التضامن والإخاء بين مختلف عمال العالم.
و في جواب حول مدى إدراك العمال في البحرين لأهمية الاحتفال بهذه المناسبة والتضامن مع عمال العالم، فأوضح ان عمال البحرين ناضلوا منذ سنواتهم المبكرة من اجل إقامة احتفالات بهذه المناسبة وبشتى الطرق والوسائل، حيث يرجع تاريخ أول وثيقة إلى عام (1959) والتي تشير إلى قيام (الاتحاد الوطني لعمال البحرين) بالاحتفال بهذه المناسبة، وتؤكد بعض الوثائق أن هذا الاتحاد، ظل يخوض صراعاً حتى عام 1965 عندما أعلن تأييده للمطالب الوطنية في مارس عام 1965، وظل يعمل لغاية عام .1968
الوثائق تتحدث
ثم ماذا حدث؟، فأجاب: تشير وثيقة أخرى ان العمال خرجوا في مسيرة حاشدة صبيحة يوم (1/ 5/1970) احتفالا وإحياء لهذه الذكرى، طافوا شوارع المنامة وهم يطالبون بتطبيق الباب الثالث من قانون العمل - لعام 1975 - والأول من مايو عطلة رسمية مدفوعة الأجر - وبحسب الوثيقة - أن مسيرة سلمية خرجت في هذا اليوم من مصنع ألمنيوم البحرين (ألبا) ثم لحقها عمال شركة نفط البحرين (بابكو) ثم عمال شركة الإنشاءات النفطية وعمال شركة (ديلونج ومبى).
وماذا جاء في هذه الوثيقة أيضا؟ فكشف ان هذه الوثيقة تشير إلى أن رد شركة نفط البحرين (بابكو) كان قاسيا عندما جرى فصل 200 عامل دفعة واحدة، وذلك في صباح يوم 2/5/1970، عندما أرفقت الشركة رسائل الفصل من العمل مع مغلفات الرواتب مخصوماً منه يوماً واحداً وهو ألأول من مايو عام 1970، ولكن الشركة أعادت العمال المفصولين بعد أن أعلن عمال بابكو في صباح يوم 5/5 /1970 الإضراب العام، كذلك احتفلت اللجنة التأسيسية لاتحاد عمال ومستخدمي وأصحاب المهن الحرة في البحرين بهذه المناسبة عند قيامها في الأعوام 1971 ؟ .1972
وتابع محمد المرباطي موضحا مزيدا من تفاصيل نضال الحركة العمالية في البحرين وخاصة في ما يتعلق بمحاولات تأسيس نقابات عمالية، فأشار إلى أنه في عام 1974 جرى تأسيس عدد من النقابات العمالية، وقد تمكنت هذه النقابات الاحتفال العلني بمناسبة ألأول من مايو، وذلك في صباح يوم الأول من مايو عام 1974 بنادي البحرين في مدينة المحرق، وقد ألقيت العديد من الكلمات تمجيدا لنضال عمال البحرين من قبل النقابيين وبعض أعضاء المجلس النيابي.
وأضاف، تشير مجلة العامل الكويتية في عددها رقم (17 - تاريخ 15/ 5/1976) لرسالة بعنوان (يا عمال البحرين اتحدوا) موقعة باسم (سلمان خلفان) جاء في ها: «يا عمال البحرين اتحدوا - تحت هذا الشعار احتفلت الطبقة العاملة في البحرين بعيد الأول من (مايو) الذي اقتصر على مظاهر توزيع الحلوى وتبادل التهاني، وبطاقات تحمل عبارة - يا عمال البحرين اتحدوا - وكل مايو وأنتم بخير - وتضيف الرسالة أن سرية الاحتفال في البحرين بهذه المناسبة تعود أسبابها إلى منع الاحتفال بعيد العمال في البحرين»
أكثر من 60 عاما
وفي خضم هذا الحديث حول تاريخ الحركة العمالية في البحرين ومسيرتها عبر أكثر من 60 عاما، واصل محمد المرباطي واصل القول، وهو يستحضر تلك اللحظات (الذكريات)، وكيف لا، وهو الذي عايش تلك الفترة من تاريخ الحركة العمالية في البحرين، منوها إلى أن ما سرده، إنما هو بعض الإشارات التاريخية التي وردتنا حول إصرار عمالنا بالاحتفال أسوة بعمال العالم في هذه المناسبة التاريخية المجيدة، ولاشك ان هذا الإصرار كان يعبر عن عمق الانتماء العمالي، والإدراك بأهمية التضامن العمالي، والوعي بأن عمال البحرين هم جزء من الطبقة العاملة العالمية، لهذه الأسباب كان عمال البحرين حريصين على الدوام على إحياء هذه الذكرى بطريقتهم الخاصة وبحسب الظروف والأوضاع السياسية السائدة في تلك المرحلة.
بعد إلغاء العمل بقانون النقابات العمالية المتضمن في قانون العمل عام 1957، ومنع النشاط وحل النقابات العمالية، صدر قانون العمل في القطاع الأهلي في 16/ يونيو/1976 الذي أجاز تشكيل اللجان المشتركة واللجنة الدائمة لعمال البحرين، والتي تحولت في ما بعد إلى اللجنة المؤقتة لعمال البحرين، وأخيرا إلى اللجنة العامة لعمال البحرين كمشروع بديل عن النقابات العمالية، وكانت تقيم احتفالا سنويا بهذه المناسبة.
واستكمل، اليوم وقد حصل عمال البحرين على مبتغاهم الذي ناضلوا من أجله عشرات العمال والنقابيين ذاق البعض منهم ويلات السجون والنفي والتشرد، لا يسع المرء إلا أن يقف وقفة إكبار وإجلال لهؤلاء المناضلين الذين افنوا زهرة شبابهم للاحتفال بهذا اليوم المجيد (الأول من مايو)، وقد تحققت لنا تلك الأمنية التي كانت يوما حلما لعمال البحرين أن يحصلوا على عطلة رسمية في الأول من مايو وعلى نقابات وقانون للنقابات.
العمال في العالم
ثم سألناه: كيف كان الوضع العمالي بدول العالم قبل إقرار الأول من مايو كعيد عالمي لهم؟، وهل توصف لنا وضعهم بلمحة عامة؟ فأجاب: لقد أدرك العمال في بعض بلدان العالم قبل غيرهم أن بنضالهم ووحدتهم وحرية واستقلالية قرارهم يمكنهم الخروج من تلك الأوضاع المزرية التي أحاطت بهم مدى حياتهم وحيات أجيالهم، ولذا كان من الضروري أن تتقدم الصفوف كوكبة عمالية لتقول لا للاستغلال البشع والاضطهاد المريب الذي كان يمارسه الرأسماليون بحق العمال، حيث انعدام القوانين والعقود المنظمة لعلاقات العمل، مما سمح لأصحاب الأعمال أن يستغلوا النساء والأطفال والرجال لساعات طويلة في العمل تصل إلى 18 ساعة، ومن شروق الشمس حتى الغروب وبأجور زهيدة، وظروف عمل قاسية، وحياة صعبة.
واسترسل المستشار النقابي والحقوقي في القول: «هذه الأسباب وحدها التي أنضجت الوعي العمالي بأهمية التضامن والوحدة بين صفوف عمال الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك في عام (1884) عندما اتخذ اتحاد المنظمات النقابية في الولايات المتحدة وكندا قرارا في مؤتمره السنوي الرابع الذي عقد في مدينة شيكاغو، يقضى المطالبة بجعل ساعات العمل اليومية ثمان ساعات، ولتحقيق هذا المطلب قرر ان يكون الأول من مايو عام 1886 موعدا للإضراب العام، وان تقوم مظاهرات عمالية تأييدا لهذا القرار.
الأول من مايو
وأعلن الأول من مايو عام 1886 يوم «الإضراب العام» شارك فيه حوالي 250 ألف عامل، وكان المركز الرئيسي للاضراب مدينة شيكاغو، حيث كان للجناح اليساري للنقابات نفوذا قويا، وقد رفع العمال في هذا الإضراب شعارهم المتفق عليه (8) ساعات عمل - (8) ساعات راحة و(8) ساعات نوم، إضافة لبعض الشعارات الاخرى مثل بناء المساكن العمالية وإصدار قوانين الوقاية والحماية من التعسف ومن إصابات العمل وتعريف الحد الأدنى للأجور، وتحريم تشغيل الأطفال والنساء في الأعمال المرهقة.
ولكن الإضراب لم يحقق غايته عندما تمت مواجهة المضربين بالقمع وبالرصاص أدى إلى جرح وقتل العشرات منهم، واتهم العمال المنظمات الصناعية الأمريكية بالتسبب في إفتعال هذا الحادث، وعلى إثرها دعا اتحاد المنظمات النقابية في الولايات المتحدة وكندا جميع العمال للقيام بتظاهرات احتجاج على تدخل الشرطة والاعتداء على العمال وقتلهم، وفي (4) مايو نفس العام تجمع العمال بأعداد كبيرة في (هاى ماركت) بمدينة شيكاغو تلبية لدعوة إتحاد المنظمات النقابية للاحتجاج على قتل 6 من العمال المضربين في مشروع (ماك كروميك للآلات الزراعية)، ووسط الحشد العمالي الكبير ألقى بعض عملاء المنظمات الصناعية قنبلة يدوية أعقبها طلقات أدى إلى قتل (17) وجرح (150) عاملا، وقتل من الشرطة (4) وجرح (47) بحسب تصريح مدير الشرطة حينها، وجرت محاكمات جائرة بتاريخ 11/ نوفمبر 1887 بحق قادة العمال عندما شنق عدد من قادة العمال النقابيين، وقتل بعضهم تحت التعذيب.
ما بعد المحاكمات العمالية
وتابع المرباطي الحديث في تقديم تفاصيل أعمق لمرحلة ما بعد المحاكمات العمالية الجائرة، أي بعد مرور ستة أعوام على هذا الحادث اعترف احد عملاء المنظمات الصناعية بأن مدير الشرطة في مدينة شيكاغو هو الذي دبر هذه المؤامرات، وعلى إثر هذا الاعتراف تم فتح تحقيق اضطر حكومة (إلن وي) ان تبرأ المحكومين، ولكن إتحاد العمل الأمريكي الذي طالب بمحاكمة رئيس الشرطة وجميع الذين تسببوا في عمليات قتل واعتقال وتعذيب العمال، قرر في أوائل عام 1888 القيام بحملة جديدة من اجل 8 ساعات عمل و8 ساعات راحة و8 ساعات نوم وغيرها، ولتحقيق مطالبه قرر القيام بالاضراب في صناعة واحدة وفي وقت واحد في جميع أنحاء البلاد، وذلك في الأول من مايو من كل عام.
وكان هدف اتحاد العمل الأمريكي ان يقوم العمال في الصناعات الأخرى بدعم المضربين، خلالها صادف ان انعقد في نفس اليوم الأول من مايو عام 1888 في مدينة (بوردو) الفرنسية المؤتمر الوطني لاتحاد النقابات والتعاونيات للعمال الفرنسيين، وفي هذا المؤتمر تحدث الزعيم النقابي الفرنسي البارز (دروموا) عن الجريمة التي حدثت في مدينة شيكاغو في الأول من مايو، ووجه نداءا الى جميع عمال العالم ان يكون ذلك اليوم الدامي (الأول من مايو) ذكرى تاريخية في جميع أنحاء العالم، وقد صادف أن عقد في باريس خلال الفترة من (14- 21/ 7/ 1889) بدعوة من عمال فرنسا المؤتمر التأسيسي للأممية الثانية، وحضر هذا المؤتمر (391) مندوبا يمثلون الحركة النقابية والتعاونية في 20بلدا، وتعبيرا عن تضامن عمال العالم مع زملائهم العمال في أمريكا وكندا اتخذ مؤتمر الأممية الثانية عدة قرارات منها النضال من اجل ثماني ساعات عمل وقرار دولي باعتبار الأول من مايو يوما للتضامن العمالي في جميع أنحاء العالم.
المطالب الموحدة
وكان قرار الأممية الثانية على النحو التالي: تنظيم تظاهرات أممية كبيرة في تاريخ واحد، يقوم العمال في جميع أنحاء العالم وفي اليوم والوقت المتفق عليه بمطالبة السلطات العامة بتخفيض ساعات العمل اليومي بقانون إلى ثماني ساعات، كذلك قررت الاممية الثانية تبنى قرار اتحاد العمل الأمريكي بأن يكون يوم الأول من مايو عام 1890 يوما للتضامن بين عمال العالم، وهكذا اعتبر تاريخ (1/ 5/1890) بداية لتاريخ الاحتفال بالأول من مايو، حيث خرج عمال العالم وللمرة الأولى تلبية لقرار مؤتمر الأممية الثانية في تظاهرات واحتفالات ومهرجانات عمالية وشعبية ضخمة عمت بلدان العالم، وكان يوماً مشهودا في تاريخ الحركة العمالية والنقابية العالمية.
الاحتفالات بالدول العربية
وكان سؤالنا الأخير في اللقاء مع محمد المرباطي: ماذا عن الاحتفالات بهذه المناسبة بالدول العربية، ومتى بدأت؟ فأوضح ان أول احتفال بهذه المناسبة جرى في لبنان، عندما أعلنت مجموعة من الشباب العامل، تحت مسمى الشبيبة العمالية الحرة الاحتفال بهذه المناسبة، وكانت لبنان تخضع حينها للحاكم العثماني عبدالحميد باشا، وقد ترافق هذا الاحتفال مع إعلان الدستور في السلطنة العثمانية، وعليه جرى أول احتفال علني بالأول من مايو في لبنان عام 1925، وذلك بمدينة بيروت في قاعة سينما كريستال.
أما الدولة الثانية التي حصل في ها احتفال بـ (عيد العمال)، فهي مصــر حيث احتفل العمال المصريون للمرة الأولى بمناسبة ألأول من مايو في صباح يوم 1/ 5 / 1920 في المنطقة الصناعية بالمحلة الكبرى، وقد أشارت «صحيفة روح العصر - القاهرية في عددها رقم - 12 - الصادرة بتاريخ 2/5/1920» لهذا الحدث، وكانت - فلسطـين هي الدولة الثالثة بالوطن العربي التي احتفلت بعيد العمال العالمي، وقد أشار إلى ذلك الأستاذ يوسف إبراهيم يزبك في كتابه (حكاية ألأول من مايو) ان عمال فلسطين احتفلوا بهذه المناسبة للمرة الأولى في 1/ 5/1921 في مدينة حيفا.