أفق
المشروعُ الإيراني
ينخرُ شعبَنا البحريني
تاريخ النشر : الأربعاء ٢ مايو ٢٠١٢
عبدالله خليفة
عبر ثلاثة عقود تمكن المشروع الإيراني من التوغل، ارتكز على قوى عامية ريفية سطحية الوعي شديدة الانفعال وقام فعلُها على تفجير الفوضى في المجتمع البحريني عبر تقلباتها الحادة التي لا تصدر عن جذور نضالية محلية، فلم تظهر بأي مشروع ديمقراطي وطني.
المشروع الإيراني الدكتاتوري الدموي قام على الطائفية ومساعدة المنظمات الطائفية وتوغلها وخاصة في المجتمعات العربية القريبة منه.
وقد استثمر عقوداً من الجمود السياسي في الأجهزة الحكومية والجماعات الوطنية، ووجدَ قوى طائفية جاهزة للحراك.
وقد قبلت الحكوماتُ والجماعاتُ الوطنية المتضائلة الواقعَ الطائفي وكأنه قدر، لكون جهات شجعت الجماعات الطائفية الاجتماعية في مقابل تحجيم القوى الوطنية، فيما القوى الوطنية التي شَحبت وجدت القوى الطائفية الاجتماعية قد تسيست وجندت أناساً وقلبت الموازين ضدها فلم تصبر وتنضج توحداً وطنياً، بل قبلت التعاون مع القوى الطائفية واشتركتْ معها في نشر المشروع الطائفي السياسي الخطِر وتوصيل شعبنا إلى ما وصل إليه من مخاطر جسيمة.
وقد جاءتْ الإصلاحاتُ السياسيةُ البحرينية في بدايةِ القرن الواحد والعشرين قابلةً بالوضع السياسي القديم، وحاولت إعطاء فرص للقوى الوطنية والتحديثية بالظهور والتأثير.
إن المبنى السياسي العام الطائفي لم يتغير، والقوى الطائفية السياسية راحت تشتغل بقوة، وتستفيد من تخلف وعي الشعب بعد عقودٍ من غياب الديمقراطية .
الدكتاتوريةُ الطائفية التابعةُ للمشروع الإيراني وأجندته السياسية، التي فرضتْ نفسَها بقوة عبر الشبكات العبادية والشبكات التنظيمية كانت مترددة في فهم المشروع الإصلاحي من القبول الحاد حتى الرفض الحاد من دون درس عميق، وطلبت مجلساً منتخباً واحداً، ورفضت الثنائية الملتبسة للغرفتين في البرلمان، هادفة الاستيلاء على السلطة.
لكن هذا لم يحدث، وظهرت غرفتان في المجلس.
مشروع البحرين الديمقراطي لم يتطور عبر هذا التردد، ووجود جسم طائفي من الجمهور المغيّب الوعي المتحمس بتشنج، والمرتبط بالنفوذ الإيراني، كل هذا لم يسمح للمشروع بالتطور.
من بداية القرن الجديد راحت السلطة العسكرية تتصاعد في الجار الإيراني، والقوى الليبرالية الدينية أُزيحت واُعتقلت.
وصارت الجماعاتُ الطائفيةُ خطراً سياسياً واجتماعياً متصاعداً لشعب صغير ودولة محدودة المساحة، وهي جماعات تتسم بالعاطفية الحادة والتخلف الفكري الشديد والحماقة.
وكان من الممكن أن تتطور مشاركة هذه الجماعات الطائفية السياسية عبر البرلمان وعبر الصحافة وتطوير البرامج ونقد المشروعات الحكومية وكشف الأخطاء ومعالجاتها.
لكن المشروع الإيراني واصل الصعود في المنطقة، وخاصة مع الثورات العربية التي تفجرتْ في أكثر من بلد، وكانت الجماعاتُ الطائفيةُ مختلفة حول المشاركة في البرلمان والمقاطعة، وفجأة حدث التحام واتفاق على المشاركة في التحول ومحاولة الإطاحة بالنظام في البحرين.
وقد بينت أحداثُ فبراير جمود المعسكرات كافة ، فالقوى الحكومية لم تسرع بالإصلاحات ، وكان وقف مشروع المدينة الشمالية على سبيل المثال نموذجاً وكان يمكن أن يَسحب البساط من تحت أرجل المتطرف في الجماعات الطائفية السياسية.
إن عدمِ تغييرِ ظروف الجماهير ربما يكون هو من أهم الأسباب التي تعكز عليها الطائفيون المتطرفون لإثارة أزمة كبرى.
لقد جرتْ تغييراتٌ كبيرةٌ في مجالات أخرى وفي زمن قصير، لكن نظر الدولة لم يتجه لبؤرةِ المشكلة وهو وضع الجماهير العاملة وخاصة في الريف والمدن الصغيرة والأحياء القديمة، وإلى ضرورة حل مشكلات الإسكان والبطالة والأجور خاصة وتحجيم العمالة الأجنبية وخاصة السائبة منها، ومشروع المدينة الشمالية السابق الذكر كان يمكن أن يلعب دوراً مهماً في حفر مجرى جديد من التطور الاجتماعي السياسي كنموذج للتعاون بين القوى الاجتماعية المختلفة.
حين نجد المشاركين في الأحداث نجدهم من القوى الشبابية العمالية الذين وقعوا ضحايا لغياب الوعي الوطني الديمقراطي وصعدتهم الخطاباتُ الطائفيةُ في المراكز السياسية، وهم ينطلقون من ظروفهم ومشكلاتهم ولا يعرفون خيوطَ السياسة الممتدة من بعض السياسيين إلى القيادة الإيرانية.
وهناك شبكات قوية داخلهم لعزلهم عن الصحافة المختلفة ومراكز السياسة والوعي خارج خطابات التطرف الطائفية والهيمنة، بحيث يبقون باستمرار في هذه الدائرة، وبحيث تنزل المستويات للأطفال ويتم تجنيدهم من خلال المراكز العبادية وشحنهم عاطفياً وفصلهم عن إخوتهم في الوطن والعروبة.
لقد أدى تفجر الثورات العربية إلى خلط الأوراق بين الواقع البحريني والدول العربية الأخرى، ليس لأنه لا توجد مشكلات في بلدنا، ولكن لأن الخيط ضاع بين (المعتدلين) الطائفيين و(المتطرفين).
وهو حدثٌ يثبتُ أن الوعي الديني اليميني التقليدي ليس فيه عمق أو تيارات أو مستويات تحليلية مختلفة، فالمعتدلون لم يواصلوا النضالَ من داخل الأجهزة البرلمانية والبلدية، ولم يجثموا سوى بضعة شهور وكانوا يريدون التغيير الواسع الجذري!
فيما كان المتطرفون المطرودون من هيمنة الدكتاتورية الطائفية المحلية ومن الانتخابات والحصول على مقاعد وفرص سياسية، مستعدين ببساطة للقفز في الفضاء السياسي بأي شكل.
وكان من الضروري للمؤسسات الحكومية أو للمؤسسات السياسية الأهلية أن تسمح لهؤلاء المتطرفين بالوصول للمجلس المنتخب وللبلديات والاندماج في الحياة السياسية بدلاً من عزلهم.
لقد كان التقاء هؤلاء واتفاقهم على القفزة السياسية المغامرة يوضح غياب الاعتدل والتراكم الديمقراطي وانهيار ذرات الموضوعية بسرعة شديدة، مما يوضح الجذور للمواقف السياسية السطحية وعدم امتلاكهم أدوات التحليل والتجذر الوطني.
وبالتالي كان هذا جراً خطيراً بتمزيق الشعب وتعريضه للصراعات الطائفية الشوارعية وتأجيج الصراعات بين الدول الخليجية العربية وإيران التي ألهبتْ هذا التطرف وقادت خيوطه من البدايات الأولى لتأسيس المنظمات الطائفية.
وتفاقم هذا أكثر مع تحول الثورات العربية وتهديدها للنفوذ الإيراني، وصارت هذه السنة 2012 هي سنة الثورة السورية، وضرب العروة الوثقى لهذه السيطرة الإيرانية امتد من العراق حتى لبنان.
وغدت البحرين الضحية لهذا الصعود الإيراني وللانحدار الإيراني في المنطقة على حد سواء، رأت فيها الجدار الهابط الذي تقفز فوقه ووجدت قوى تساعدها على هذا القفز الإجرامي.
فمن الضروري للقوى السياسية التوجه للمواطنين وللمواطنات كافة، والدفاع عن حقوقهم ومعيشتهم من دون نظر لأي جانب آخر، وعدم الانسياق وراء ردود الأفعال ومجابهة القوى الطائفية بطائفية مضادة بل بنضالية صامدة وتضحية كبيرة من أجل الوطن وهزيمة المشروع الإيراني الطائفي.