الجريدة اليومية الأولى في البحرين


شرق و غرب


ما سبب غياب الدور الأمريكي التقليدي في العالم؟

تاريخ النشر : الأربعاء ٢ مايو ٢٠١٢



هل حدود القوة الأمريكية أكبر مما كنا نعتقد؟
ذلك هو السؤال الذي بات يتداول على الألسن، فقد أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية في عهد إدارة الرئيس الحالي باراك أوباما تجد صعوبة كبيرة في فرض إرادتها على الساحة الدولية رغم أنها تظل قادرة على القيادة، الضعف مع القدرة على القيادة: تلك هي الخدعة التي تنطلي اليوم على العالم وتقنعه. إليكم بعض المشاكل الرئيسية التي باتت اليوم تشغل بال العالم والتي حاولت الولايات المتحدة الأمريكية تسويتها غير أن سياستها آلت إلى الفشل الذريع:
- أطلقت كوريا الشمالية مؤخرا صاروخا طويل المدى حيث فشلت الدبلوماسية الأمريكية المفتولة العضلات في ردع سلطات بيونج يانج عن الاقدام على مثل هذه الخطوة.
- نشوب الحرب بين شمال السودان وجنوبه، الأمر الذي أدى إلى انهيار السلام الهش الذي أمضت الولايات المتحدة الأمريكية عدة سنوات في بنائه.
ـ استمرارنظام دمشق الستاليني في ارتكاب المذابح ضد المدنيين السوريين، حيث فشل الدبلوماسيون والعسكريون الامريكيون في إيجاد أي مدخل ينهي الأزمة السورية ما اضطر إدارة أوباما إلى التخفي وراء منظمة الأمم المتحدة.
- استمرار العسكر في إحكام قبضتهم على مفاصل الحكم في مصر علما أن إدارة الرئيس باراك أوباما قد وجدت صعوبة بالغة في الإفراج عن بعض النشطاء الأمريكيين الذين اعتقلتهم سلطات القاهرة.
ـ تنامي البناء الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة وتواصل العمل على تهويد القدس، وهو ما تعارضه إدارة الرئيس باراك أوباما ؟ على الأقل على الورق ؟ وتعتبره عقبة كأداء أمام تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط.
- استمرار الحرب في أفغانستان رغم حرب العشر السنوات التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية هناك والتي فشلت في تحقيق السلام والاستقرار.
- استمرار الجمهورية الإسلامية الإيرانية في تطوير برنامجها النووي رغم العقوبات الأمريكية والغربية.. بل إن إدارة الرئيس باراك أوباما قد عادت لتشارك في جولة جديدة من المفاوضات في اسطنبول بين الدول الخمس ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي زائد ألمانيا من ناحية وإيران من ناحية ثانية من دون أن يتحقق أي شيء.
ليست الولايات المتحدة الأمريكية عاجزة؛ فقد تخلت عن الكثير من الصراعات وأراحت نفسها كما أنها تولت دور القيادة في جميعها غير أن إدارة الرئيس باراك أوباما هي التي قامت بتغيير نمط الدور القيادي الأمريكي في العالم حتى انها أعطت الانطباع بأن بلاد العم سام قد أصبحت سلبية وعاجزة عن القيام بدورها الكلاسيكي المألوف.
إن العالم الذي نعيش فيه كبير وبالغ التعقيد ولا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تقوم دائما بأقصى ما هو مطلوب منها، فنحن نظل الدولة الأقوى في العالم بلا منازع غير أن ذلك لا يجعل منا شرطي العالم. قد يبدو هذا الأمر بديهيا غير أن الخطاب السياسي الداخلي ؟ وخاصة الخطاب السياسي الخارجي ؟ يعطي أيضا الانطباع بأن الولايات المتحدة الأمريكية تفرض هيمنة هي غير موجودة.
لأن الخطب التي القاها الرئيس باراك اوباما ؟ والرؤساء الذين سبقوه أيضا ؟ تصور الهيمنة الأمريكية على العالم على أنها ضرورية ومطلقة. لا عيب على الاطلاق في القول بأن الولايات المتحدة الأمريكية «لن تسمح ابدا لإيران بانتاج وامتلاك أي سلاح نووي» كما أنه لا ضير من أن «الديمقراطية ستعم منطقة الشرق الأوسط بأكملها». لا ضير أيضا من مناقشة كل هذه المشاكل الجوهرية من وجهة نظر أمريكية. فالولايات المتحدة الأمريكية تظل الدولة الأكثر قوة وغنى في العالم، غير أن هذا الأمر يجعل منها الدولة المؤهلة أكثر من غيرها من أجل تقديم المساعدة لمن هو في حاجة ماسة إلى المساعدة.. يجب مع ذلك أن ندرك أنه يوجد فرق بين تقديم المساعدة وتسوية النزاعات مثلما أن هناك فرقا ما بين تولي القيادة وبين جعل الآخرين يسيرون في ركابك، فهناك من يقبل بهذا الدور القيادي وهناك من يرفض. ففي مصر على سبيل المثال هناك من يتحدث دائما عن وجود «أياد أجنبية» تحرك أجهزة السياسة الداخلية في مصر وتؤججها وتوجهها إلى الوجهة التي ترتضيها الولايات المتحدة الأمريكية، يحدث هذا حتى اليوم رغم أنه يبدو أن نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية يتراجع في بلاد الفراعنة مع كل يوم يمر.
رغم ذلك فإن هناك من يظل يعتقد جازما أن القوة الأمريكية المهيمنة لا حدود لها في العالم.
إن الأمر يعود في جزء منه إلى السياسة الداخلية الأمريكية نفسها. لعل المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأمريكية المزمع إجراؤها في شهر نوفمبر 2012 ميت رومني قد قام بحركة سياسية ذكية عندما استغل تلك الملاحظات التي أبداها الرئيس باراك أوباما للرئيس الروسي ديمتري مدفيديف بخصوص عدم قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على إجراء خفض جديد في ترسانتها من الأسلحة النووية قبل الانتخابات الرئاسية وكيف أن هذا الامر سيصبح ممكنا منذ اليوم الأول لما بعد الانتخابات. لا شك أن أي خطوة لخفض ترسانة الأسلحة النووية لن تلقى القبول الشعبي من أغلب قطاعات الرأي العام الأمريكي (رغم أننا لسنا في حاجة إلى آلاف الرؤوس النووية)، مثلما أن الرأي العام الامريكي لن يقبل بتقديم أي تنازلات لدولة أخرى غير صديقة للولايات المتحدة الأمريكية.
إن الرئيس باراك أوباما سيخطئ إذا ما دخل في مفاوضات صعبة وربما مؤلمة ايضا مع دولة أخرى منافسة للولايات المتحدة الأمريكية، ربما لأن هذا يتعارض مع الفكرة الموروثة عن حقبة الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان التي يقول اصحابها ان «قوة الولايات المتحدة الأمريكية ونوازع الخير التي توجهها تؤهلها لفرض شروطها على العالم».
يجب ألا ننسى أن الرئيس رونالد ريجان نفسه قد تفاوض وقدم التنازل وحقق المكاسب ايضا رغم أنه أدرك ايضا أنه يجب عدم القيام بذلك في سنة انتخابية حساسة.
هذا هو الصراع الكبير بين الكيفية التي يعتمدها القادة الأمريكيون في تطبيق السياسة الأمريكية من ناحية وبين السياسة الخارجية الأمريكية من ناحية أخرى: إن السياسة الداخلية الأمريكية تتطلب الثقة قبل كل شيء. أما السياسة الخارجية الأمريكية فتتطلب كثيرا من التواضع مع العالم غير أن الاثنتين مكملتان لبعضهما بعضا.
قد يكون النظام السياسي الأمريكي ينتج قادة يعتقدون كامل الاعتقاد في القوة الأمريكية. قد يكون النظام السياسي نفسه هو الذي يضغط على هؤلاء القادة كي يمارسوا قوة قد لا يمتلكونها أحيانا. قد يبدو أحيانا أن الولايات المتحدة الأمريكية لا ترتقي إلى مستوى طموحاتنا، فنحن لم نستطع الضغط على إسرائيل كي توقف التوسع الاستيطاني، كما أننا لم نردع إيران عن الاستمرار في تطوير البرنامج النووي ولم نمنع الحرب الأهلية في السودان ولم نقم بأي شيء يذكر من أجل مكافحة مرض الإيدز ولم نقض على الارهاب في باكستان، رغم أن الرؤساء الأمريكيين لا ينفكون يشددون على أنهم سيفعلون ذلك. لقد مر علينا زمن كنا فيه نعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية تمارس نفوذا كبيرا على سياسات الدول الأخرى.