الجريدة اليومية الأولى في البحرين


شرق و غرب


جدران بيروت والأزمة السورية

تاريخ النشر : الأربعاء ٢ مايو ٢٠١٢



وأنا أتجول في شوارع بيروت استرعى انتباهي حرب الشعارات المستعرة الآن في العاصمة اللبنانية بين خصوم الرئيس السوري بشار الأسد وحليفه زعيم حزب الله حسن نصرالله من ناحية وأنصارهما من اللبنانيين والسوريين من ناحية ثانية.
لقد ظل بشار الأسد وحسن نصرالله يصنفان أنفسهما على أنهما يقفان في خندق «المقاومة» وقد ظلا يستخدمان مثل هذه الصفة من أجل بناء «شرعيتهما» وتبرير ما يكدسانه من أسلحة لا يترددان في استعمالها ضد شعبيهما. لعل ما يثير الدهشة أكثر من أي شيء أن الشعبين السوري واللبناني قد نزعا عن بشار الأسد وحسن نصرالله قناعهما. ذلك ما نقرؤه في الشعارات التي تكتب على جدران الشوارع والطرق في بيروت، من بين هذه الشعارات التي تنتشر في بيروت ما يلي:
ـ «المقاومة موجهة فقط ضد حريتنا».
ـ «الإنسان الذي يقتل شعبه خائن وجبان».
ـ لايزال لبشار الأسد ونصرالله رصيد من الأنصار الطائفيين، لكن خارج هذه الدائرة التي تضيق عليهما من يوم إلى آخر، فقد بشار والأسد وحسن نصرالله تلك الهالة التي اكتسباها على مدى الأعوام السابقة في الشارع العربي باسم «مقاومة إسرائيل». أما اليوم فقد تعرى بشار الأسد وحسن نصرالله وسقطت عنهما ورقة التوت وافتضح أمرهما أمام العالم العربي، ورقة التوت هي «مقاومة إسرائيل» غير أن هذه الورقة قد سقطت تماما حيث إن بشار الأسد يستخدم السلاح من أجل «مقاومة» إرادة الشعب السوري فيما استخدم حسن نصرالله السلاح كما أنه ظل يهدد باستخدام السلاح من أجل «مقاومة» إرادة الكثير من اللبنانيين. إن السوريين واللبنانيين لم يعودوا يخشون بشار الأسد أو حسن نصرالله وهم يسخرون منهما ويستهزئون بهما صباحا ومساء.
حنين غدار صحفية شيعية لبنانية صاعدة وواعدة كتبت في الأسبوع الماضي رسالة مفتوحة موجهة إلى حسن نصرالله ونشرت في موقع على شبكة الانترنت قالت فيها بالحرف الواحد: «لقد كنت بطلا وقد ألحقت الهزيمة بالجيش الاسرائيلي سنة 2006 وأعدت الكرامة إلى العرب، لكن تلك الأيام ولت وانتهت الآن، كما أن كلمة «الكرامة» أصبح لها معنى آخر، فهي لم تعد لها أي علاقة بالأسلحة المقدسة أو الانتصار المجيد. إن كلمة الكرامة تعني اليوم قوة الشعب في الشوارع ومعركته ضد الحكام الدكتاتوريين.. لنطرح هذا السيناريو الذي قد لا يخلو من خيال.. لنفرض أنك عندما اندلعت انتفاضة الشعب السوري عبرت عن رأيك وأبديت دعمك علنا للحرية.. لنفترض أنك على الأقل قد طالبت نظام دمشق بالكف عن استخدام العنف ضد المتظاهرين. لم تفعل أيا من ذلك على الإطلاق لكن تصور مدى ما كانت ستصبح عليه شعبيتك ومدى ما كنت ستحظى به من حب واحترام من الشعوب العربية لو كنت قد فعلت ذلك لكنك لم تفعل أيا من ذلك. لقد كان السوريون بكل طوائفهم سيعلقون صورك في متاجرهم ومنازلهم كما فعلوا بعد حربك ضد إسرائيل سنة .2006 إنهم يحرقون صورك اليوم في الشوارع ويكنون لك الكراهية، إن السوريين يكرهونك وكذلك المصريين والتونسيين والليبيين. تتساءل لماذا؟ لأنك تؤيد دكتاتورا سفاحا اسمه بشار يبطش بشعبه ويسفك دماءه».
لكن ما العمل مع الثورة السورية؟ لنبدأ بوضع هذه الانتفاضة الشعبية في سياقها التاريخي.
إن ما يحدث في سوريا وعبر العالم العربي اليوم يمثل أول حركة شعبية منذ نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين ولم تحركها أي أطراف سياسية خارجية كما أنها لم تكن مدفوعة بمواقف مناهضة للاستعمار أو إسرائيل أو بريطانيا.
يقول بول سالم، مدير مركز كارنيجي الشرق الأوسط ومقره بيروت:
«إن الأمر يتعلق بفرص العمل ومساءلة الحكومات.. إنها حركة شعبية هدفها إعادة ترتيب الأولويات وتكريس البراجماتية. إنها بحث عن الكرامة.. حركة تبدأ من تحت إلى أعلى».
من المهم جدا أن نتذكر أن الانتفاضة السورية بدأت أساسا كحركة سلمية قادها شباب طموح ثار على الفساد في مدينة درعا وقد بطشت بهم الأجهزة الأمنية وأذاقتهم شتى صنوف التعذيب الذي عرف عن النظام الدكتاتوري الحاكم في دمشق.
لقد ظلت الانتفاضة السورية سلمية، غير عنيفة ولا طائفية عدة أشهر حيث رفعت شعار «سلمية، سلمية»، بعد ذلك عمل بشار الأسد على تحويل هذه الانتفاضة النبيلة إلى حرب أهلية، فالنشطاء السوريون المقيمون في بيروت يوضحون أن الأجهزة الأمنية السورية وجيش النظام السوري يطلقان النار على المتظاهرين غير المسلحين، أملا في إحداث ردة فعل عنيفة تخدم مصلحة نظام دمشق. لا يمكن لبشار الأسد أن يزعم أن الأمر لا يتعلق أبدا بحركة سلمية ديمقراطية بل ان هذه الانتفاضة هي في حقيقتها حركة تمردية طائفية يقودها السنة الذين يشكلون الأغلبية بهدف إسقاط نظام الأسد العلوي الذي يمثل الأقلية. لقد نجح نظام الأسد إلى حد ما في هذه الاستراتيجية. أصبحنا نشهد اليوم معركة من أجل الديمقراطية غير أنها مغلفة بجوانب طائفية.
لهذا السبب بالذات يعتبر النشطاء اللبنانيون والسوريون أنه من المهم منح خطة المبعوث المشترك لمنظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية كوفي عنان ما يكفي من الوقت من أجل تعزيز تثبيت وقف إطلاق النار ونشر ثلاثمائة من المراقبين الدوليين في مختلف المناطق السورية لأن مثل هذه الاجراءات الميدانية من شأنها أن تكوّن المساحة اللازمة للسوريين كي يصعدوا من مظاهراتهم السلمية، غير الطائفية والديمقراطية. هذا هو الخطر الحقيقي الذي يتهدد وجود النظام السوري.
قد يطول هذا الأمر.
لكن لنتذكر جيدا هذا الكلام: كلما طالت المعركة وازدادت عنفا ودموية من أجل الإطاحة بنظام بشار الأسد ازدادت الاحتمالات بأن يكون نظام ما بعد بشار الأسد أكثر تشوها وعنفا وهيمنة من قبل الاسلاميين، وزاد خطر توسع نطاق الحرب الأهلية إلى لبنان وتركيا والأردن والعراق.. لذلك فإن الاكتفاء بمجرد تسليح المعارضة السورية وانتظار ما قد يحدث بعد ذلك يمثل فكرة سيئة غير محسوبة العواقب.
إذا ما فشلت خطة الأمين العام السابق كوفي عنان فإنه يمكن عندها للغرب ومنظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية التحرك بسرعة من أجل فرض منطقة لمنع الطيران أو إنشاء ممر آمن لإيصال الإغاثة الانسانية ؟ على الحدود بين تركيا وسوريا ؟ الأمر الذي سيوفر ملاذات آمنة للمدنيين الذين يبطش بهم نظام دمشق ويبعث برسالة قوية إلى الجيش السوري النظامي المتآكل وبقايا أنصار بشار الأسد بأن الوقت قد حان من أجل قطع رأس النظام وإنقاذ نفسه وإنقاذ الدولة السورية.
كلما كان سقوط بشار الأسد سريعا كان الصراع أقل دموية وطائفية وعنفا وأمكن إنقاذ الدولة السورية، وكانت عملية إعادة بناء الدولة السورية أقل صعوبة رغم الدمار العارم الذي لحق بالمدن والقرى والأحياء السورية.
يقول المحلل السياسي العربي حازم صاغية:
«إن الجميع يتوقعون من هذه الثورات العربية أن تحل كل المشاكل، غير أن ما فعلته هذه الثورات العربية في حقيقة الواقع هو أنها عرت كل هذه المشاكل المخفية والموضوعة في الثلاجة نتيجة الدعاية الكاذبة التي كانت تمارسها الأنظمة الحاكمة.. على مدى كل هذه السنوات لم يسمح بإظهار شيء واحد ألا وهو «إجماع الشعوب» على حب القائد والعداء الموجه لإسرائيل والامبريالية. لم يكن هناك أي مجال للسياسة الحقيقية وتكريس الحق في الاختلاف.. لقد اتضح اليوم أنه توجد خلف هذه الواجهة المصطنعة مجتمعات خاوية ومتعفنة من كثرة ما استشرى فيها من فساد، وأن هذه المجتمعات تشهد اليوم عودة المقموعين الذين يريدون أن يأخذوا بزمام الأمور».