دراسات
نزع فتيل الصراع بين السودان وجنوب السودان حاجة دولية
تاريخ النشر : الخميس ٣ مايو ٢٠١٢
بعد استيلاء قوات جنوب السودان على منطقة هجليج الحدودية، الغنية بالنفط والعائدة لجمهورية السودان، وما اعقب ذلك من تصعيد مسلح بين الشمال والجنوب، وصلت كلتا الدولتين إلى حافة حرب كبرى جديدة وخصوصا بعدما أعلن الرئيس السوداني عمر البشير، سريان احكام الطوارئ في المناطق الحدودية مع جنوب السودان، في ولايات جنوب كردفان والنيل الابيض وسنار.
ورغم ان جنوب السودان اظهر بادرة تهدئة جديدة عبر إعلان رئيس جنوب السودان سلفا كير، العائد من زيارة للصين استعداده لسحب قواته من منطقة أبيي المتنازع عليها والتزام الوقف الفوري لكل الأعمال القتالية ضد السودان، فان الوقائع على الارض تؤكد ان النزاع مستمر وأنه يتطور فصولاً.
وقد شطب تصاعد المواجهات المسلحة محاولات التفاوض لحل الخلافات الإقليمية ومشكلة اقتسام العوائد النفطية بين الدولتين السودانيتين. ومما يعقد الأوضاع اكثر دعاوى الطرفين في تأييد جماعات المعارضة الثورية سواء في الشمال او الجنوب. وبالإضافة إلى هجليج تحاول جوبا الزحف على ابيي، وتثير هذه المحاولات «الجريئة» من جانب جنوب السودان، لحل المشاكل الإقليمية والبترولية بالقوة، الدهشة إن لم نقل أكثر. ذلك لأن جيش الجنوب الأقل تجهيزا والأضعف إعدادا من المستبعد ان يحقق، بقواه الذاتية، نصرا حربيا على الشمال، ثم ان استمرار المواجهات الحربية يعقد الوضع الاقتصادي المعقد أصلا في كلا البلدين، كما يسبب مشاكل انسانية عويصة، ويرى بعض الخبراء والمحللين ان جنوب السودان يستفز الغرب بتصرفاته اذ انه ولد نتيجة ضغوط امريكية وغربية بغية تحقيق السلام لكنه سرعان ما اختار العودة إلى الصراع الدموي.
«اورينت برس» أعدت التقرير التالي:
عاد السودان إلى حالة الحرب مجدداً، لا أحد يعلم إذا كان الصراع سيدوم بضعة أيام أو أسابيع أو سنوات. الأمر المؤكد هو أن ادعاء السلام لم يعد ممكناً. لقد حارب النظام الشمالي في الخرطوم جنوب السودان أكثر من نصف قرن وأسفر ذلك الصراع عن مقتل مليوني شخص، ومن ثم عقد الطرفان السلام رسميا بموجب اتفاق أُبرم في عام 2005، وقد أدى هذا الاتفاق في السنة الماضية إلى انفصال الجنوب عن السودان ونشوء بلدين منفصلين، لكن لايزال النزاع قائماً على الحدود في نقاط عدة وخاض الفريقان مناوشات متقطعة على طول الحدود خلال سنوات.
صراع هجليج
في الأشهر الأخيرة، تركز الصراع الأخطر في هجليج ومحيطه، وهو عبارة عن حقل نفطي يقع رسميا في الشمال لكن يطالب به الجنوب. تبادل الجنود إطلاق النار من الطرفين، وجرؤ الجنوب على بدء النزاع مما ادى إلى معارضة دولية لتصرفاته، ويدعي جنوب السودان أنه كان يدافع عن نفسه ضد الاعتداءات الشمالية، لكن سرعان ما فقد ذلك الادعاء قيمته بسبب مشاركة عناصر من حركة العدل والمساواة المتمردة التي تسعى إلى إسقاط نظام الرئيس عمر البشير في الخرطوم.
رسميا، يدعي جنوب السودان أنه غير مرتبط بثوار دارفور، لكن تصرفاته في حقل هجليج، تثبت انه ادعاء آخر لا يمت للواقع بصلة. وبحسب المعلومات فإن الجنوب يخطط للتوغل لمسافة 90 كلم في شمال هجليج، وفي أنحاء جنوب السودان، وان الاستعدادات جارية للدعوة إلى تعبئة شاملة، بحيث يتدفق مئات الجنود إلى حدود هجليج يوميا في شاحنات نقل عسكرية.
هذا ويرسل الفريقان أيضاً تعزيزات عسكرية هائلة إلى النقاط الساخنة على الطرف الآخر من الحدود، وتحديداً في منطقة راجا غرباً والرنك شرقاً.
تداعيات اقتصادية
تأتي هذه العملية الهجومية لتضاف إلى مآسي الجيش السوداني المنتشر في الخرطوم. في وقت سابق من هذه السنة، شاركت قوات النظام في سلسلة من المعارك الضارية على جبهة أخرى باتجاه الشمال الشرقي، في جبال النوبة في ولاية جنوب كردفان. في تلك المنطقة، عبر المتمردون في النوبة صراحة عن نيتهم طرد جنود الخرطوم من أرضهم والتفوق على شمال السودان، ولم يتوانوا أيضاً عن اعلان تحالفهم مع حركة العدل والمساواة ومتمردين آخرين في الشرق، في ولاية النيل الأزرق.
ولا شك ان لهذه الصراعات تداعيات اقتصادية قد تنجم عن إغلاق حقول النفط في هجليج واستنزاف عوائد الحكومة السودانية، وكان قد سبق أن أغلق جنوب السودان حقوله النفطية في وقت سابق من هذه السنة، فحرم نفسه من عوائد بقيمة 4 مليارات دولار سنويا، ولكنه نجح أيضاً في ضرب اقتصاد الخرطوم بما أن النفط الجنوبي يتم ضخه في أنحاء شمال السودان وتحصل الخرطوم على ملايين الدولارات بفضل الرسوم التي تفرضها على هذه الخدمات، ومن الممكن لجنوب السودان تضييق الخناق أكثر على السودان، اذ تقع معظم حقول النفط الأخرى التابعة للخرطوم بالقرب من الحدود مع جنوب السودان وقد تصبح بدورها مواقع مستهدفة، أو ساحات حرب.
بالنسبة إلى القوى العالمية التي استثمرت سنوات طويلة ومليارات الدولارات لعقد السلام في السودان، يبدو الوضع الراهن أسوأ من أي وقت مضى. كانت الولايات المتحدة تحديداً الجهة التي دعمت اتفاق السلام في عام .2005 بعد سبع سنوات على ذلك، يتساءل الدبلوماسيون عما إذا كانوا قد نجحوا أم فشلوا فشلا ذريعا، ففي حال اندلعت الحرب تتعدد المخاطر المطروحة، وقد تمتد الحرب إلى أبعد من حقل هجليج بحيث سيزداد الوضع سوءاً مع مرور الوقت.
انتقادات دولية
تتعرض الخرطوم كالعادة لانتقادات الولايات المتحدة التي وصفت موقف المسؤولين في السودان بـ «العدائي جدا»، ولكن واشنطن لم توفر ايضاً جنوب السودان واكدت انها مستاءة من تصرفات سيلفا كير ولاسيما ان جنوب السودان، دولة ولدت نتيجة عملية سلام كانت الولايات المتحدة الوسيط الرئيسي فيها، إلا أنها سرعان ما استغلت حريتها لتعود إلى الحرب.
طوال سنوات، كانت السياسة الأمريكية متحيزة للجنوب، وذلك لأسباب وجيهة. تملك الخرطوم، التي كانت ذات يوم مقر أسامة بن لادن، سجلاً حافلاً بجرائم الحرب والفظائع والفساد. نتيجة لذلك، تحولت دولة جنوب السودان إلى ضحية بنظر الغرب لكن اليوم تبدلت الأوضاع في الجنوب تبدلا جذريا، فقد ظهر في الجنوب نظام فاسد كما نظام الشمال، له جيش لا يرحم، ويهوى سياسة الاستفزاز عينها، كما بدا انه غير مستعد أو قادر على وضع حد لموجة من العنف القبلي خلفت مئات أو ربما آلاف القتلى خلال هذه السنة وحدها.
تدخلات دولية
يتوق المجتمع الدولي والامم المتحدة إلى إحلال السلام في السودان شماله وجنوبه، شأنهم في ذلك شأن أغلبية السودانيين، ولكن ما من إشارات حتى اليوم إلى أن قادة أي من الطرفين يصغون. وهناك في السودان من يعتبر ان الوساطات الامريكية او الصينية لن تنجح في وضع حد للخلافات وان الحل يجب ان يكون اقليميا ومحليا. في هذا الإطار عبر كثيرون عن رفضهم للمحاولات الجارية لطمس دور الاتحاد الافريقي وإحالة الوضع بين السودان وجمهورية جنوب السودان إلى مجلس الأمن، على الرغم من أن الاتحاد الافريقي الذي يقوم بمهمة وساطة بين البلدين قد طلب إلى مجلس الأمن الدولي دعم جهوده. ذلك أن تدخل مجلس الأمن الدولي من شأنه أن يؤدي إلى تغليب الاعتبارات السياسية المعلنة والمواقف المتحيزة على حساب التسوية السلمية العادلة.
في المقابل، هناك وجهة نظر اخرى تقول ان الولايات المتحدة والصين لاعبان مهمان، ويمكن أن يلعبا دورا حيويا في إنهاء النزاع بين دولتي السودان، وممارسة ضغوط على الطرفين عبر استخدام الحوافز والعقوبات.
ويرى بعض المراقبين أن المعارك الأخيرة بين دولتي السودان هي جزء من المفاوضات التي تجري بينهما من أجل تحسين موقفهما على طاولة المحادثات، لكن المشكلة هي أن تخرج المواجهات بين حدودهما عن نطاق السيطرة، لتنشئ دينامية خاصة بها، الأمر الذي سيؤدي إلى حرب شاملة قد يتجاوز اذاها مصالح السودان لتهدد مصالح الصين وواشنطن اللتين تستثمران في حقول النفط في البلدين.