شرق و غرب
إدارة الرئيس أوباما والأزمة السورية
تاريخ النشر : الخميس ٣ مايو ٢٠١٢
أنا حقا أرثي لحال إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما وأشفق عليها في ظل السياسة التي تتعامل بها مع المذابح الشنيعة التي يرتكبها نظام دمشق الدكتاتوري في سوريا، فهذه السياسة التي تتبناها إدارة أوباما فاشلة، يشوبها خلل كبير، كما أنها تتعارض إلى حد كبير مع أهدافنا الأمنية القومية. هناك غياب فادح لأي دبلوماسية خلاقة واستراتيجية. لقد تزامن تفاقم الأزمة السورية مع تضاؤل عدد الخيارات الممكنة المطروحة أمام إدارة اوباما ومن ضمنها القرار الذي اتخذته منظمة الأمم المتحدة والقاضي بوقف إطلاق النار في سوريا. إذا ما انهارت هذه الهدنة فإن ذلك سيعود بعواقب وخيمة على المصالح الحيوية الأمريكية في المنطقة.
لقد أصدرت سلطات البيت الأبيض تعليمات صارمة لكل المسؤولين في الادارة الأمريكية بتجنب الموافقة على أي خطوة قد تدفع بالولايات المتحدة الأمريكية إلى المشاركة في عمل عسكري ضد سوريا على غرار مشاركتها السابقة في الحملة العسكرية على ليبيا.
لقد كان يجدر بإدارة الرئيس باراك أوباما أن تتحسب لاحتمال غرق سوريا في حرب أهلية مدمرة وتأخذ في حسبانها ما قد ينجم عن ذلك من كارثة إنسانية وانعكاسات وخيمة قد تطول كامل منطقة الشرق الأوسط.
إن إدارة الرئيس أوباما تتخذ بعض الخطوات المحتشمة وتقدم بعض المساعدات الانسانية هنا وهناك حتى تعطي الانطباع بأنها تبذل كل ما في وسعها في ظل الأوضاع الراهنة. أما في الكواليس فإن ادارة أوباما تمارس كل الضغوط وتتخذ مواقف حتى تضغط على حلفائها في جامعة الدول العربية وتركيا حتى لا تأخذ زمام الأمور بأيديها. إن إدارة أوباما تفعل النزر القليل في العلن وتفعل الكثير في الكواليس وتتحرك ضد المصالح الحيوية الأمريكية، وبين هذه وتلك مسافة كبيرة.
أنا أدرك جيدا أن سوريا تعتبر من وجهة نظر إدارة الرئيس باراك أوباما مستنقعا يجب عدم التورط فيه. لكنني وإن كنت أتفق مع أولئك الذين يقولون ان السياسة تعلو فوق الأمور الأمنية في سنة انتخابية غير أننا نظل قادرين على أن نفعل أكثر مما نقوم به الآن.
من الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية تخشى الدخول في مغامرة عسكرية أخرى في منطقة الشرق الأوسط في وقت تقرع فيه طبول الحرب ضد إيران. لذلك فقد راحت إدارة أوباما تغطي على عدم تحركها بإعطاء الانطباع بأنها تتحرك على كل الأصعدة ولا تتدخر أي جهد من دون أن تنسى بطبيعة الحال أن تدين أعمال القتل والدمار التي يرتكبها نظام بشار الأسد في حق شعبه تحت غطاء الهدنة المعلنة من منظمة الأمم المتحدة.
منذ اللحظة الأولى التي «وافق» فيها بشار الأسد على مشروع الهدنة التي طرحتها منظمة الأمم المتحدة بتاريخ 10 ابريل 2012 ونشر بضعة مراقبين دوليين لمراقبة تطبيق الهدنة على أرض الواقع لم تنسحب القوات العسكرية النظامية من المدن السورية، ذلك أن المجموعة الصغيرة من المراقبين الدوليين لا تمثل أي رادع لاستمرار النظام الحاكم في سفك دماء الشعب السوري.
لقد استمر الجيش النظامي السوري في قتل المتظاهرين المدنيين على مرأى ومسمع من المراقبين الدوليين حتى بدا كأن الأمر قد تحول برمته إلى لعبة القط والفأر فيما يظل الشعب السوري يمثل الرهينة التي تدفع الثمن الباهظ.
لقد صورت الأقمار الصناعية الدبابات والمدرعات الثقيلة وهي تطلق النار على أهداف غير مسلحة في القرى والمدن في مختلف المناطق السورية. يقول أحد كبار المسؤولين السياسيين في منظمة الأمم المتحدة: «لاتزال حقوق الانسان تنتهك بشكل صارخ وعلى نطاق واسع في سوريا بعيدا عن كل عقاب». لقد ظلت المليشيات الموالية لنظام بشار الأسد تطلق النار عشوائيا على المتظاهرين المدنيين في المدن والقرى السورية بل السكان الذين يحاولون يائسين الفرار عبر الحدود مع الأردن وتركيا. ليست إدارة الرئيس باراك أوباما هي الوحيدة التي تعاني غياب أي سياسة استراتيجية في التعامل مع الأزمة السورية، فقد برهن الاتحاد الأوروبي ايضا على افتقاره لأي سياسة استراتيجية أو مقاربة حقيقية للتعاطي مع الأزمة السورية، فقد اتخذ الاتحاد الأوروبي مؤخرا قرارا بحظر تصدير البضائع الفاخرة إلى سوريا من يخوت وخمور وسيارات فخمة لحساب بشار الأسد وبقية المقربين منه.
ـ هل يمكن لثلاثمائة مراقب أممي أن يحدثوا أي تغيير على أرض الواقع في سوريا؟ ربما. لقد قرر مجلس الأمن الدولي تعزيز عدد المراقبين.
غير أن إجراءات إصدارات تأشيرات لثلاثمائة مراقب دولي ستتطلب فترة طويلة، الأمر الذي سيعطي بشار الأسد مدة أخرى للمضي قدما في تقتيل الشعب السوري. لعل ما يثير السخرية أنه لم يسبق أبدا إرسال قوات غير مسلحة من أجل حفظ سلام غير موجود. إن روسيا هي التي اشترطت إرسال مراقبين غير مسلحين إلى سوريا حتى تضمن عدم قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم ويكونوا بالتالي مثل البطة العرجاء: رهائن في أيدي نظام دمشق.
ليس من الضروري أن يكون المرء عالما كي يدرك أن النظام السوري سيظل يناور ويراوغ ويتحين كل فرصة سعيا للقضاء على أي صوت معارض بالقوة حتى إن تطلب الأمر خرق الهدنة الهشة. فنظام دمشق، مثل غيره من الأنظمة الدكتاتورية الأخرى يتمتع بقوة غريزة البقاء التي تحوله إلى ما يشبه الوحش الكاسر. لذلك فإنه لن يتوانى عن افتراس أي شيء أو أي شخص يحاول أن يقضي عليه.
من المؤسف حقا أن المعارضة السورية المناهضة لنظام بشار الأسد تظل تعاني الانقسامات التي تنخرها من الداخل. من ناحية أخرى فإن هناك من يضع سقفا عاليا لهذه المعارضة ويتوقع الكثير منها فيما تظل سلطات واشنطن تردد على مسامعنا أن سوريا ليست ليبيا وأن الازمة السورية أكثر تعقيدا من الأزمة الليبية التي كانت أقل خطورة وتعقيدا من الناحية الاستراتيجية.
أما الولايات المتحدة الأمريكية فهي لا تعطي الانطباع بأنها تحتضن حقا المعارضة السورية. لذلك فمن الأفضل بالنسبة لإدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن تسارع إلى تغيير موقفها من المجلس الوطني السوري وبقية أطياف المعارضة حتى يحدث التغيير في سوريا، فهؤلاء النشطاء قد يدفعهم إحباطهم في مرحلة من اليأس إلى الارتماء في أحضان الاسلاميين المتطرفين بحثا عن التأييد والدعم اللازمين إذا ما تواصل عدم الاكتراث الغربي.
يجب على الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أن تبذل المزيد من الجهود حتى تدعم هذه التيارات العلمانية المعارضة المعتدلة لأنها تمثل البديل المعقول والمقبول من أجل بناء مستقبل ديمقراطي أفضل لسوريا. يجب على هذه المعارضة السورية أن تبادر إلى تشكيل حكومة تضم كل أطيافها في المنفى. لقد باتت هذه الخطوة ضرورية.
لقد تدفق آلاف اللاجئين السوريين على كل من تركيا والأردن المجاورين فلماذا لا تبذل الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية المزيد من الجهود من أجل التخفيف من معاناة هؤلاء السوريين؟ لماذا لا نساعد الأتراك وجامعة الدول العربية من أجل فتح ممرات إنسانية على الحدود وتخفيف هذه المعاناة الانسانية رغم المعارضة الصينية والروسية لمثل هذه الخطوة؟
ماذا لو فشلت خطة المبعوث المشترك لمنظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية كوفي عنان في سوريا؟ هل يتعين عندها التخلي عن الشعب السوري تماما وإطلاق يده حتى يعيث الأسد في الأرض فسادا وسفكا للدماء؟
كلا بكل تأكيد.
لقد ظلت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري رودهام كلينتون تخاطب بشار الأسد قائلة: «نفذ الاصلاحات أو ارحل».
أود أن أغير بدوري هذه العبارة وأقول مخاطبا إدارة الرئيس باراك أوباما: «تولي القيادة وافعلي ما يجب عليك القيام به في سوريا أو تنحي تماما ولا تمنعي جامعة الدول العربية وتركيا ولا تعوقي جهودهما إذا كانتا ترغبان في تزويد الجيش السوري الحر بالسلاح».
* السفير الأمريكي
السابق لدى المغرب