حديث القلب
مصــر والسعوديــة
تاريخ النشر : الجمعة ٤ مايو ٢٠١٢
حامد عزة الصياد
مصر والسعودية دولتان عظيمتان تدركان عمق الكارثة..
العارفون بالشأن المصري قبل وبعد 25 يناير 2011، لا يتفاوت تقديرهم في التوجيهات السديدة لخادم الحرمين الشريفين الملك «عبدالله بن عبدالعزيز» حفظه الله، من آثار ايجابية بزيادة حجم الاستثمارات بين البلدين إلى 15 مليار دولار، إضافة إلى تحويلات مصرفية لـ 2 مليون مصري يعملون بالمملكة يتم حقن تحويلاتهم في شرايين الاقتصاد المصري مباشرة..
والعارفون بالشأن السعودي لا يزايدون على معاناة الشعب المصري، وما أفرزته الثورة المصرية من شد وجذب وتناقضات وفوضى وأحداث مؤسفة، من ماسبيرو، إلى محمد محمود، إلى القصر العيني، إلى العباسية، ويدركون أيضا أن المصريين اخترقوا أعماق التاريخ، وجسدوا روح العصر، ويتطلعون لأمل يزهو بالمستقبل..
لم يعدم أصحاب الفتن الطائفية في المنطقة كل وسيلة للوقيعة بين هذين الشعبين الكريمين، لصرف النظر عن أيايدهم الملطخة بدماء «أهل السنة» في سوريا، ومسيراتهم الاحتجاجية على ضفتي الخليج «بالظهور القريب»، وادعاءاتهم بـ «هالة النور»، فحطوا رحالهم في «أبي موسى» لاستفزاز الجيران العرب بشأن الجزر الإماراتية الثلاث، أو التصعيد في كردستان، واليمن، وإشعال إطارات السيارات في الكويت والبحرين والعوامية بالسعودية..
لم تكن سوريا ودول الخليج العربي وحدهم في الاستهداف المتقدم، بل استهدفت مصر أيضا بفئات متعطشة للمال الحرام لا تنتمي إلى دين أو ولاء لوطن، لا يتجاوز عددهم العشرات، وهم يلطمون وجوههم حزنا لتأدية أدوار تخريبية مختلفة، سواء من حل منهم معتمرا في مطار جدة وهو يحمل عشرات الآلاف من الأقراص المخدرة، وقد قبض الثمن قبل إقلاع الطائرة من القاهرة، ضمن مسلسل إهدار المعاني النبيلة لمهنة المحاماة، أو استغلالهم لفئة من البسطاء يدفعونهم للتظاهر أمام السفارة السعودية في القاهرة، أو يغدقون أموالا لطائفة من المصفقين والمهرجين من شعراء وكتاب وانتهازيين ومثقفين غير محسوبين على الشعب المصري بذلوا كل جهد للوقيعة بين شعبين كريمين بينهما نسب ومصاهرة..
الشعب المصري العظيم لم يقم بثورة جارفة مدمرة تسيء إلى الجيران والأشقاء، بل كانت ثورة سلمية عقلانية أراد بها أصحابها الحرية والتطور وتحسين مستوى المعيشة لـ 80 مليون «مسلم سني» و8 ملايين «مسيحي قبطي»، ويدهش المرء أن يرى طفحا إعلاميا أكثر عارا من الخجل يقوده بعض فلول النظام السابق للوقيعة بين مصر وشقيقتها الكبرى السعودية، وبالتالي علينا أن نتخلص من هذه الأبواق المخجلة ونحرقها في نفايات التاريخ، وأن نقوم بتنظيف أسماعنا وما علق بها من سوء، أو بما يتسلق إلينا من مشاهد تجرح مشاعرنا، وتهدر كرامتنا..
لم يعد أمامي إلا الاعتذار للقارئ الكريم عن سرد الأحداث المخجلة أمام السفارة السعودية في القاهرة، أو حتى الخوض فيها، لكن يبقى الرمز الخالد في حياة الشعوب، هي تلك التحية التي وجهها «المجلس العسكري» في رسالته المنشورة على الفيسبوك بعنوان «إلا السعودية.. اتقوا الله في مصر»، وهي دعوة نبيلة لا تتقيد بالماضي، ولا تعرف حدودا للأرض، وبالتالي قابلها الشعب السعودي العظيم بكثير من الود والترحاب والعفو، ومن ثم لا غضاضة أن يخرج الشعب المصري محتشدا أمام السفارة السعودية في القاهرة، ليهتف من أعماقه: «الشعب يريد عودة السفير».