خاطرة
قارب تفريج الكربات
تاريخ النشر : الجمعة ٤ مايو ٢٠١٢
عبدالرحمن فلاح
المسلم حياته ليست ملكاً له وحده، أو ملكاً له ولمن يعول من زوجة وولد ووالدين وأقرباء فقط، إنما حياته تمتد طولاً وعرضاً لتشمل قطاعات عريضة في المجتمع المسلم، فهو أولاً مسئول عن نفسه، وهو أيضاً مسئول عمن يعول، وهو مسئول كذلك عن أقربائه، بل حتى جيرانه هو مسئول عنهم بشكل أو بآخر.
أولى الناس بالرعاية والعناية الأم حيث لها ثلاثة حقوق ثم الأب كما ورد في حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حين سأله رجل، فقال يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: «أمك» قال: ثم منْ؟ قال: «أمك» قال: ثم منْ؟ قال: «أمك» قال: ثم منْ؟ قال: «أبوك» متفق عليه.
وفي وصية جامعة مانعة قال صلى الله عليه وسلم: «من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه» متفق عليه.
ولم يزل جبريل (عليه السلام) يوصي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) بالجار حتى ظن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه سيورثه كما ورد في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان.
إلى هذه الدرجة حمّل الإسلام المسلم كل هذه المسئوليات ليستقيم أمر الأمة، ويعلو شأنها بين الأمم، ثم ليستطرق الخير في المجتمع المسلم.
إن المؤمن في الإسلام لا يكمل إيمانه، ولا يتم إسلامه ما لم يحب لإخوانه ما يحب لنفسه، وكلنا ذلك الرجل الذي يحب لنفسه كل جميل، ويتمنى لها كل خير، فإذا أحب المؤمن لإخوانه ذات ما يحب، وتمنى لهم عين ما يتمناه لنفسه، فقد استكمل معالم الإيمان والإسلام في ذاته.
وهؤلاء الذين لا يقصرون خيرهم وعطاءهم على أنفسهم وعلى من هم تحت ولايتهم لهم قارب خاص بهم لا يشاركهم فيه غيرهم، كما قصر الحق تبارك وتعالى باب الريان يوم القيامة على الصائمين وحدهم لا يدخل منه غيرهم، فكذلك قارب تفريج الكربات خاص بأهل النجدة من المسلمين الذين يسارعون إلى نجدة إخوانهم الذين هم في حاجة ماسة إلى العون والمساعدة، وهذا القارب المجهز بكل وسائل الأمان والراحة سوف ينقل ركابه إلى سفينة الإنقاذ، سفينة الإسلام العظيمة التي ترسو في عرض البحر وسط أمواج هائلة، وعواصف عاتية، ورغم ذلك فهي هادئة لا تحركها الريح، ولا تعلوها الأمواج ومن يركبها يشعر بالأمان والراحة.
وقارب تفريج الكربات ليس محدود المساحة، ولا قليل الإمكانات، بل هو كامل التجهيز، يستوعب جميع الركاب الذين يحملون شارات التيسير على الناس، وشارات المسارعة إلى إغاثة الملهوف، ومد يد العون لمن هم في حاجة إليه. وهو قارب لا يركبه إلا من نذر نفسه وإمكاناته لتفريج كربات المكروبين، وتخفيف المعاناة عمن وقع عليهم البلاء أو أعطتهم الدنيا ظهرها، وأعرض عنهم أولو المال والجاه، فصاروا يبحثون عمن يفرج كرباتهم، ويعيد البسمة إلى شفاههم، ويمد يد العون إليهم.
جاء في الحديث القدسي، قال صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: «من فرج عن مسلم كربة في الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر عورة مسلم ستر الله عورته عليه يوم القيامة، والله في حاجة العبد ما كان العبد في حاجة أخيه» رواه أبو هريرة، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد، ص 8/196، وقال: فيه عبدالله بن زحر، وقد وثقه جماعة وضعفه آخرون، وبقية رجاله ثقات.
وهذا القارب لن يتسع لمن أصم أذنيه، وأعمى عينيه عن سماع أو رؤية أصحاب الحاجات الذين يعانون قلة ذات اليد، ويصرخون طلباً للعون والمساعدة، فمن يسارع إلى نجدتهم، ويمد يد العون لهم هو من أصحاب هذا القارب ومن ركابه الذين لهم الأولوية على غيرهم، بل هم الأحق به من دون غيرهم، وهؤلاء سوف يستقبلهم قائد هذا القارب وبحارته بالترحاب، ويوفرون لهم أنواع الراحة كافة ، ويجعلون رحلتهم هذه مأمونة مباركة.
وكلما كانت استجابتهم لاستغاثة المستغيثين سريعة، وتفريجهم لكربات المكروبين دائمة ومستمرة كان وصولهم إلى سفينة الإنقاذ سريعاً ومأموناً، وسوف يكون استقبالهم والترحاب بهم من قبل سفينة الإسلام رائعاً وعظيماً لأنهم يستحقون ذلك، وكما يسروا السبل للعاجزين والمحتاجين في الدنيا، فإن الله تعالى سوف ييسر لهم سبل السلام في الدنيا والآخرة، ويوفر لهم الوسائل التي تعينهم على النجاة من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ظلام الجاهلية إلى نور الإيمان واليقين.
ذلكم هو قارب تفريج الكربات فأسرعوا إلى امتطائه، وتأكدوا قبل ذلك من استحقاقكم الصعود عليه.