الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أخبار البحرين

فضيلة الدكتور عبدالرحمن الفاضل في خطبة الجمعة:

ننكر الفتنة والفرقة والتشرذم بين أهل السنة

تاريخ النشر : السبت ٥ مايو ٢٠١٢



قال الدكتور عبدالرحمن الفاضل خطيب جامع نوف النصار بمدينة عيسى في خطبته ليوم الجمعة أمس:
يقول تعالى: «وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السلابُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ» إنه صراط مستقيم واحد لا يتعدد، والذي ندعو الله تعالى أن يهدينا إليه في تكرار وإلحاح يومي في الصلوات المفروضة، والسنن الراتبة، وما زاد عليها من النوافل: «اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين» إنه صراط المُنْعَم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، لا سُبُل المغضوب عليهم ولا الضالين؛ أي: لا سُبُل الشيطان المختلفة التي تفرق الناس عن صراطه المستقيم، وتقحمهم في مسالك الجحيم.
لقد تركنا الحبيب المصطفى- صلى الله عليه وسلم- على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. فالطريق واضح المعالم، أعلام الهداية منصوبة على جنباته، وأنوار السعادة تنيره إلى أبواب جنانه، من سار فيه كان من أهل الاستقامة لا يتملكه خوف، ولا يعتريه حزن: «إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبلانَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ». إن هذا لهو مطلب أهل الإيمان؛ الذين يرُومُون السعادة في الدنيا، والنجاة في الآخرة.. جاء سفيان الثقفي - رضي الله عنه- إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدا غيرك، فقال: «قل آمنتُ بالله ثم استقم». بهذه الكلمات الجامعة تستقيم الحياة وتسعد، نعم إيمان بالله تعالى صادق يضعك على الصراط المستقيم من غير تذبذب ولا انحراف. إنها المحجة البيضاء الواضحة التي لا حيدة عنها في جميع محددات الحياة ومتطلباتها؛ لأنها كلها تدور مع الإيمان حيثما دار، وتتجه معه أينما اتجه، ومن هذا يُعلم أنه لا مخرج للأمة مما هي فيه من تخلف مشهود، وتسلط للأعداء عليها مبسوط؛ إلا أن تعود عودا حميداً إلى الإيمان الصادق، والاستقامة الحقيقية؛ التي هي على مراد الله - تعالى- عندها يحقق سبحانه وعده للأمة، وذلك بنصرها على عدوها، وتمكينها من أراضيها ومقدراتها، فخيار الأمة الوحيد هو أن تجدد إيمانها، وتستقيم بصدق على هدي ربها- تعالى-، وهدي رسوله -صلى الله عليه وسلم- ومن هنا كان فرضا على أهل الإيمان والإصلاح في الأمة أن يكونوا يقظين، ومستعدين؛ لتحمل واجبهم تجاه دينهم وأمتهم امتثالا، لقوله تعالى: «وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ». فهذه الأمة من كمال خيريتها أنها تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر: «كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ».
إنها أمة تدعو إلى كل خير وتأمر به، وتنكر كل منكر وتنهى عنه، اعذاراً لله تعالى، وخشية من أن يعمها العذاب أو تنزل بها العقوبة: «وَإِذَا قَالَتْ أُمّةٌ مّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إلى رَبّكُمْ وَلَعَلّهُمْ يَتّقُونَ». فوجب الإنكار على كل مفسد في الارض، لأن السكوت عنه مشاركة له في منكره، وإعانة له على التمادي في إفساده ومنكراته؛ فوجب الانكار عليه لعله ينصلح او يهتدي بالنصح، وإن تيقن الناصح عدم انتفاع المنصوح بها؛ ولكنه الاعذار أمام الله تعالى مع مراعاة شروط الإنكار المعتبرة في الإنكار التي تزيل المنكر، ولا تحدث منكراً أكبر منه، وهذا يحدده العلماء الفقهاء في الدين: «الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ».
إن سنة الله تعالى في أنبيائه، ورسله، وحملة دينه، ومبلغي رسالاته، أن يبتليهم ويمتحنهم ليتميز الصادقون، وينكشف الكاذبون، ويُعلم المؤمنون، ويُفتضح المنافقون: «الـم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ» والله سبحانه وتعالى يبتلي أنبياءه ورسله ليعطوا القدوة والأسوة، في قوة الايمان والثبات والعزيمة والتحمل أمام المؤمنين، وليكونوا فتنة للكافرين والمنافقين المعاندين.
والأمة اليوم وهي تعود إلى ربها، وترجع إلى دينها، فإنها تُبتلى وتُمتحن وتُمحص؛ ليستبين معه صدق المؤمنين، وكذب المنافقين؛ ويقيننا بأن هذه العودة والأوبة بحاجة إلى صبر ومثابرة؛ لأنها جهاد ومعاناة ستستخدم فيها كل الوسائل المعرقلة، من أجل منع هذه العودة إلى صحيح الإسلام القوي، وكأني بالهجمات الشرسة التي تُشن بمختلف الأسلحة المادية والمعنوية على الاسلام والدعاة المصلحين الصادقين تبلغ أوجها عندما يُفترى الكذب على الاسلام ودعاته وعلمائه!؟ وهذه معركة متوقعة من أعداء الاسلام الذين يسعون في الارض الفساد، فلا يَستغرب الدعاة والمصلحون أن توجه إليهم مباشرة سهام الغدر، من أجل الفتك بهم والقضاء عليهم، فهذه هي طبيعة العدو مع عدوه؛ ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة والأسوة فإنه رغم تيقن المشركين، بصدقه، وبصدق ما جاء به؛ فإنهم عادوه، وآذوه إذ لم يؤذ أحد قبله ولا بعده مثله، لقد رفضوا كلمة «لا إله إلا الله» لأنهم علموا معناها ومضمونها بأنها ستجردهم من سلطانهم، وستحرمهم من تسلطهم وجبروتهم، وستمنعهم من استعباد الناس وإذلالهم، وستجعلهم سواسية هم وعبيدهم يتفاضلون فيما بينهم بالتقوى لا غير، فلا سلطان جاه، ولا سطوة مال، ولا نسب حسب، ولا عصبية قبيلة ترفعهم على بقية خلق الله: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ
اللَّهِ أَتْقَاكُم». ما ذكرناه هو نفس العامل المشترك الذي يجمع كفار قريش، والطغاة من قبلُ ومن بعدُ، فهي هي العداوة من الإسلام ودعاته وعلمائه؛ لأن بدعوتهم إلى إقامة العدل والحق والمساواة الناس، وإنكار المنكر من لهو وشهوات وكل ما يشمله مسمى الفساد يجعلهم في مرمى الطغاة المفسدين، فيرفضون دعوتهم الإصلاحية لذات الأسباب، ونفس الموقف من دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن هنا ينبغي أن يُعلم بأن من يتعدى على الدعاة المشهود لهم بالصلاح والسيرة الحسنة والعفاف والعمل لخير الأمة ومصلحتها فيُوغر صدور حكام المسلمين عليهم، أويُلبس على العامة من الناس حقيقتهم، من أجل محاربتهم ومعاداتهم، إنما هي أفعال المنافقين المستصلحين، ليبقى الفساد والإفساد على ما هو عليه.
ولتبقى البلاد في حال من التخلف والتردي وعدم الاستقرار؛ بسبب ذاك الفساد المستشري، وجملة المعاصي والانحلال من الدين وتعاليمه. ولذا نقول ناصحين ولاة الأمر في دول الخليج بخاصة أن ينتبهوا جيداً الى الفخاخ، والشباك المنصوبة لهم من قبل أولئك المنافقين والمندسين من الخونة والعملاء؛ الذين يعملون على إفساد علاقة المواطنين الشرفاء من الصالحين المصلحين الذين هم خيرة شباب الأوطان ورجالها، وذخيرة عدتها لمستقبلها، وبين ولاة الأمر. فقد حذر الله تعالى من المنافقين، ومن الاستماع إليهم، وخاصة إذا لبسوا لباس الدين، وتزينوا بزي العلماء أو زعموا ذلك، فإنه لا يغتر بقولهم، ولا ينبهر بأشكالهم: «وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ ملاسَنَّدَةٌ». وها نحن نرى البعض منهم يظهرون الصلاح وهم أفسد الناس، ويجترؤون على الكذب والاستهزاء بالمؤمنين الصالحين «إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ» قالوها للمنكرين كبرت كلمة تخرج من أفواههم.
ولذلك نقول لا تنكروا أيها الجاهلون على الدعاة والمصلحين أمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، فهذا تعد عظيم ومنكر كبير تأتونه، لأنكم تسعون بهذا لتعطيل فريضة شرعية من فرائض الإسلام التي استحقت من أجلها هذه الأمة، أن تكون خير أمة أخرجت للناس؛ ألا وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولهذا، فإننا من باب نحذر هؤلاء المنافقين، وننبه الحكام والمسئولين من مغبة، التعدي أو التطاول على الدعاة والمصلحين بإلصاق التهم الباطلة بهم، أو تشويه سمعتهم بالزور والبهتان. وإن كنا لا نقر الخطأ من أي أحد كان، وكما ننصح الناس جميعاً بعدم العدوان بالباطل، فأولى الناس بالنصح هم أهل الدعوة وحملتها، وعليهم تقبل النصيحة، والاعتراف بالخطأ إن وقع منهم وتدارك أخطائهم والوقوف عند الحق، فالحق أحق أن يتبع، ودعاته أولى الناس باتباعه.
إننا ننكر الفتنة، وننكر هذه الفرقة والتشرذم بين أهل السنة، الأعداء يتجمعون؛ بل إنهم يتحزبون! ونحن نرى في صفوفنا من يسعى للتشرذم، ويدعو إلى شق الصف، وفي هذا الوقت بالذات الذي نحن فيه أشد ما نكون للوحدة والاتحاد. علينا لزاماً أن نكشف كل من يحاول تفريق صفنا، وتنفير قلوبنا من بعضنا البعض، ولنفضح كل ساع إلى إثارة الفتنة وتوسيع دائرتها؛ ولنلجم كل الرويبضات ممن لا شأن لهن في الحديث عما لا يعنيهم، وما ليس من اختصاصهم. سوى أنهم يتصيدون هذه الأيام في الماء العكر للتحريش فيما بيننا، فليكفوا عن ذلك وليعودوا إلى رشدهم فلن ينفعهم مكرهم، ولن تجدي حيلهم، ولن يستطيعوا تشويه الشرفاء، ولن تنطلي علينا ألاعيبهم في صرف انتباهنا عن القضايا الكبرى والأهم. ولأن المخلصين الصادقين المتعلقين بالله تعالى والمخلصين للوطن سيفضحونهم وسيكونون لهم بالمرصاد فهم مفضوحون في لحن أقوال، وخبث أفعالهم.