مقالات
زيارة ولي العهد والصداقة بين البحرين وكوريا الجنوبية
تاريخ النشر : السبت ٥ مايو ٢٠١٢
ترتبط مملكة البحرين مع جمهورية كوريا الجنوبية بعلاقات اقتصادية وسياسية منذ نحو أربعة عقود، وكانت موضع اهتمام من قبل المغفور له بإذن الله صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة وصاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى وصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد الأمين نائب القائد الأعلى لقوة دفاع البحرين حفظهم الله ورعاهم في توثيق علاقات صداقة منذ بداية العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في 2 مايو 1972 وأكد المسئولون الكوريون موقفهم تجاه القضايا العربية والقضية الفلسطينية وأثنوا على كثير من الأمور التي قامت بها مملكة البحرين.
وتتويجا لهذه العلاقات التاريخية قام صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمين بزيارة رسمية لكوريا في يوم الاثنين الماضي 30 أبريل 2012 لتعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية، وأجرى سموه مباحثات مع فخامة الرئيس لي ميونج باك ورئيس الوزراء كيم هوانج سيك ومع عدد من كبار مديري الشركات الكبيرة، وتعد هذه الزيارة الاولى التي يقوم بها سموه لكوريا.
سوف تكون هذه الزيارة بإذن الله موفقة لأنها تحمل رسالة تعاون وخير ومحبة وصادرة عن قلب مخلص لله ثم للملك والوطن والمواطنين، وملم بالبعد الانساني والحضاري للشعوب وقال سموه:
إن كوريا رسمت نفسها كأحد أكثر البلدان ابداعا في العالم، وان مملكة البحرين تسعى إلى خلق الشركات المستمرة للاستفادة من التجارب الناجحة في كوريا وعدم حصر العلاقات بين البحرين وكوريا وبينها وبين جميع دول وشعوب العالم في المجالات الصناعية والاقتصادية، بل يجب أن يكون هناك تقدير خاص للعلاقات الانسانية والحضارية بين الشعوب، وأكد سموه أن سعادة البشرية تختزل في ثلاث كلمات هي: السلام والعزم والازدهار، وأن الإصلاحين السياسي والاقتصادي متلازمان في مملكة البحرين لما في ذلك خير للبلاد وأبنائها تحت قيادة صاحب الجلالة الملك المفدى.
على رجال الأعمال أخذ المبادرة التي بدأها سموه وتفعيل هذه الزيارة الناجحة بزيارات ولقاءات أخرى للاستفادة من التجربة الكورية والمبادرة إلى ترسيخ وتمتين هذه العلاقات المميزة، والبدء بشراكة اقتصادية وتجارية وصناعية وعلمية لإنشاء قواعد صناعية مهمة في مملكة البحرين وفي دول المنطقة من خلال الاستعانة بتقنيات كورية متطورة تحافظ على البيئة وتنتج نوعيات صناعية عالية التقنية تحتاج إليها الأسواق الإقليمية والعالمية ولها مردود مالي كبير، وجعل هذه العلاقة شراكة وتكاملا اقتصاديين واستراتيجيين بين دول المنطقة وكوريا لأن أغلب احتياجات كوريا والدول الآسيوية الأخرى من النفط والغاز تأتي من دول المنطقة.
تعتبر العلاقات الاقتصادية والتجارية الحالية حديثة نسبيا منذ وصول بعض شركات المقاولات الكورية إلى مملكة البحرين ودول الخليج العربي لتنفيذ بعض المشاريع الكبيرة في منتصف سبعينيات القرن الماضي.
استطاع الكوريون بالإرادة والانضباط والمثابرة والعمل الدؤوب وتحمل المسئولية تحقيق هدف مهم لأنهم وضعوا أمامهم الارادة التي أوجدت لهم الوسيلة والفرصة اللتين ادتا إلى نشوء نمو اقتصادي عال مبرمج ومدروس لتحويل مجتمع زراعي متخلف إلى مجتمع صناعي متقدم يضاهي الصناعات الغربية المتقدمة وأصبحت كوريا إحدى أهم القوى الاقتصادية الآسيوية والعالمية.
هناك أحداث تاريخية مشوقة أذكر بعضها باختصار وهي:
} تأسست كوتشوسون وتعني بالكورية أرض الصباح الهادئ في سنة 2333 ق.م. وكانت عاصمتها بيونج يانج وفي القرن الرابع الميلادي تطورت القبائل المتناثرة في منطقة شبه الجزيرة الكورية ومنشوريا وشكلت ثلاث ممالك هي: مملكة كوجوريو في الشمال واشتملت على جزء من أراضي الصين، ومملكة بايك جي في الجنوب الغربي، ومملكة شيلا في الجنوب الشرقي وتمكنت مملكة شيلا في سنة 676م من هزيمة الدول المجاورة ووحدت شبه الجزيرة الكورية وأسست عاصمتها جيونج جو.
} تأسست مملكة كوريو في سنة 918م وكانت عاصمتها جايسونج وكلمة كوريو تعني الجبال المرتفعة والبحار المتلألئة وتحولت بعد ذلك بواسطة البرتغاليين إلى كورو وأصبحت كوريا بالإنجليزية، واستخدم اسم جوسون كاسم لمملكة جديدة في سنة 1392م، وتبنت الكونفوشوسية كفلسفة للدولة.
} زار المسلمون والعرب كوريا منذ القرن الثامن الميلادي في عصر مملكة شيلا (668 / 938م) التي قامت بتوحيد الأجزاء الثلاثة لشبه جزيرة كوريا ولكن لم يثبت أن الإسلام دخل كدين وإنما حصل تبادل تجاري وثقافي، ولكن حسب الوثائق الكورية القديمة فقد وصل العرب إلى كوريا المرة الأولى في سنة 1024م، وكانت تعرف باسم كوريوا بإعداد قليلة قبل ان يعرفها الأوروبيون، وخلال حكم المغول لكوريا في سنة 1270م حضر العديد من المسلمين وكانت لهم حرية العبادة كالصلاة والصوم، وتم بناء مسجد كبير ولكن في سنة 1427م صدر قانون جديد لمملكة تشوسون (1329/1910م) ومنع المسلمين من إقامة شعائرهم الدينية ولبس العمائم، ولكن في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي قام بعض السفن العربية بزيارات لبعض الموانئ الكورية وخاصة الجنوبية. بدأ التواصل من جديد مع المسلمين بوصول نحو 250 مسلما من تركمان هربا من الحكم البلشفي الشيوعي في سنة 1920م وشكلوا قرية لهم وبنوا مسجدا ومدرسة إسلامية، ولكنهم هاجروا مرة اخرى بعد استقلال كوريا في سنة 1945م.
} احتلت اليابان كوريا وضمتها إليها في سنة 1910م وكانت هناك حروب سابقة وتحررت كوريا في سنة 1945 وانقسمت إلى جمهورية كوريا في الجنوب تحت قيادة الرئيس سونج مان لي وجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية في الشمال تحت قيادة الرئيس كيم إيل سونج في سنة 1948م، وهاجمت كوريا الشمالية كوريا الجنوبية في سنة 1950م وانتهت باتفاق الهدنة في سنة 1953م، وخلال هذه المدة دخل الإسلام كدين في كوريا بمشاركة قوات تركية مع القوات المتعددة الجنسيات من الأمم المتحدة في الحرب، وكان للأتراك دور مهم ومؤثر في الأعمال الحربية وأثنى عليهم الجنرال ماك ارثر.
} بدأت فكرة إنشاء أول مسجد عرف باسم هان نام في العاصمة سيئول مع زيادة عدد المسلمين بصورة ملحوظة خلال فترة الستينيات والسبعينيات بسبب زيادة التبادل الاقتصادي بين كوريا والعالم العربي، وتبرع الرئيس السابق بارك جونغ هي بأرض لإنشاء المسجد وقدم بعض المنظمات الإسلامية في مختلف الدول دعما ماليا لإنشاء هذا المسجد في سنة 1976م.
} أول كوري قام بترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الكورية هو د. كيم يونج سين أستاذ اللغة العربية في جامعة هانكوك الذي اعتنق الإسلام وسمى نفسه عثمان.
} أقرت المنظمات الإسلامية في بعض البلدان العربية هذه الترجمة وقامت رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة بطبعها على نفقتها الخاصة ووزعتها على المسلمين المتحدثين باللغة الكورية، كما قام المترجم بإعداد دراسة عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وترجمة الأحاديث النبوية الشريفة.
} هناك أكثر من مائة ألف مسلم في كوريا نصفهم كوريون ولديهم بعض المساجد والمصليات ومراكز اسلامية.
} بدأت العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وكوريا في 16 أكتوبر 1962م،وتعد السعودية أكبر مصدر للنفط إلى كوريا.
} زار بعض التجار البحرينيين كوريا في أواخر ستينيات وبداية سبعينيات القرن الماضي واستورد بعضهم سيارات وأجهزة كهربائية والكترونية وأجهزة اتصالات ومواد بناء، وقامت شركة هيونداي بتنفيذ بعض المشاريع المهمة في مملكة البحرين مثل الحوض الجاف وبناية وزارة الاسكان وفندق الدبلومات ومشاريع أخرى في كثير من الدول العربية.
} يوجد في مملكة البحرين بعض من الأصدقاء الكوريين ويتحدث بعضهم اللغة العربية ولهم نشاطات في دعم وتوطيد العلاقات بين الشعبين الصديقين.
} من الأمور المهمة التي يحرص الكوريون والسياح من مختلف دول العالم على مشاهدتها مهرجان انشقاق البحر، وهذا يذكرنا بمعجزة موسى عليه السلام، الذي يحدث ثلاث مرات سنويا بسبب عوامل الجزر والمد البحرية والذي يؤدي إلى فلق البحر وظهور ممر يبلغ طوله 2,8 كم وعرضه 40 مترا بين اليابسة وجزيرة جيندوة، ويستمر هذا الحدث مدة ساعة واحدة.