الجريدة اليومية الأولى في البحرين


الثقافي

قضايا ثقافية

غربلة الثقافة

تاريخ النشر : السبت ٥ مايو ٢٠١٢



بقلم: سلمان الحايكي
لا يمكن للثقافة العربية أن تحيا من جديد ما لم تقم بثورة عارمة ضد جانب من التراث بهدف تصفيته وتنقيته من الشوائب التي علقت به منذ مئات السنين.
هذه الشوائب لم تَعْلقْ بالتراث الثقافي كأي ذرة من الغبار يمكن لأي إنسان أن يقوم بمسحها وتنظيفها لكن من تسلم السلطة السياثقافية هو من تسبب في نمو كل الشوائب حتى صارت قدراً مقدوراً ويُخيّلُ لضعاف المطلعين على الثقافة العربية أن ما هو متوافر اليوم نتاج متفق عليه أرساه خاتم الأنبياء والمرسلين وعلينا ألا نخالفه بل لا نناقشه لأن مجرد الاختلاف معه أو مناقشته كفر وإلحاد.
في كتابه التاريخي الجميل (ضحى الإسلام) 2/139 قال الدكتور أحمد أمين: (اتصل بعض الصحابة بوهب بن منبه وكعب الأحبار وعبدالله بن سلام واتصل التابعون بابن جريج وهؤلاء كانت لهم معلومات يروونها عن التوراة والإنجيل وشروحها وحواشيها، فلم ير المسلمون بأساً من أن يقصلاوها بجانب آيات القرآن فكانت منبعاً من منابع التضخم).
إن الاسماء الذين أشار إليهم الدكتور أحمد أمين آنفاً كانت لهم اليد الطولى والطليقة في إقحام الاسرائيليات والفكر اليهودي في الثقافة الإسلامية وهم لم يكونوا بالشجاعة الكبيرة أن يبثوا السموم الثقافية في جسدنا لولا تقديمهم ضد الراسخين في العلم وبناء على النص القرآني من قبل القائمين على تنظيم الثقافة الإسلامية والوجدانية بعد وفاة آخر الأنبياء والمرسلين.
ورد أيضاً في كتاب ضحى الإسلام حديث ثقافي رواه كعب الأحبار مضمونه ما يلي: (إن أمة محمد ثلاثة أثلاث، فثلث يدخلون الجنة بغير حساب،وثلث يحاسبون حساباً يسيراً ثم يدخلون الجنة، وثلث يدخلون الجنة بشفاعة أحمد).
يريد راوي الحديث أن يدعو أمة محمد إلى الفجور والفسوق طالما هم يدخلون الجنة بغير حساب شأنهم في ذلك شأن اليهود الذين حصلوا على تذاكر الجنة جاهزة من أساتذة كعب الأحبار.
ومن المفارقات الثقافية العجيبة التي روج لها كعب الأحبار ما ذكره أن اسماء النبي في الكتب التي سبقت القرآن الكريم (محمد وأحمد وحمياط »أي حامي الحرم«).
وقال كعب الأحبار عن النبي إن (التوراة) ذكرت أن محمداً مولده مكة ومهاجره طيبة وملكه بالشام.
مثل هذه الثقافات التي انتشرت بعد وفاة الرسول حتى يومنا هذا نراها عكس ما حدثت لكنها في ذلك الزمن صارت من اليقينيات لأن الرواة الثلاثة الذين أشرنا إليهم زُرعوا زرعاً في الأرض الثقافية العربية ونالوا من الرعاية ما جعلهم يبثون السموم في أي مكان يستقرون فيه.
إن المشكلة الأزلية للثقافة العربية في الوقت الحاضر أن المثقفين أنفسهم يرفضون القراءة والتبحر في التراث وعلينا أن نقرأ ما ذكره القرطبي عن خالد بن معدان عن كعب الأحبار: (لما خلق الله تعالى العرش قال: لم يخلق الله تعالى خلقاً أعظم مني، واهتز تعاظماً فطوّقه الله بحية لها سبعون ألف جناح في كل جناح سبعون ألف ريشة، وفي كل ريشة سبعون ألف وجه، وفي كل وجه سبعون ألف فم، وفي كل فم سبعون ألف لسان، يخرج من أفواهها كل يوم من التسبيح عدد قطر المطر،وعدد ورق الشجر،وعدد الحصى والثرى، وعدد أيام الدنيا، وعدد الملائكة أجمعين، والتوت الحية على العرش، فالعرش إلى نصف الحية وهي ملتوية عليه، فتواضع عند ذلك) والكلام موجود في تفسير ابن كثير (3/101) وتفسير القرطبي (تفسير سورة غافر).
هل بإمكان أي مثقف عربي جاد في بحثه الثقافي واطلاعه العام أن يواجه مثقفا أوروبيا لديه الاطلاع والمعرفة أنفسهما ويتناقشا في مسائل تافهة كهذه أخذت لها مواقع في التراث الثقافي العربي وساعدها على النمو من لا يعرف عن أصل الثقافة العربية شيئاً ويمنحها الضوء الأخضر لتفسد الماضي والحاضر والمستقبل لمجرد انه يجهل العلم ويريد أن ينتقم لعقد سيكولوجية يفسرها المثقفون في أوروبا بـ(الإبستمولوجية) ونفسرها نحن بالنظام المعرفي؟
اليس الأجدر بنا اليوم أن نكون أول من يدعو إلى التصفية والغربلة للوصول إلى قاعدة الراسخين في العلم