بين السطور
الطفيليون!
تاريخ النشر : السبت ٥ مايو ٢٠١٢
صلاح عبيد
تحت عنوان: (خطأ فني يفقد مذيعتين بصرهما) نشرت الصحف قبل أيام خبرا جاء فيه: «أصيبت مقدمتا برنامج (يوم جديد) لانا عطيات وهناء ابوعرجة، الذي يبث صباح كل يوم ــ باستثناء الجمعة ــ على شاشة التلفزيون الأردني بحروق جلدية وتهتك أنسجة قرنية العين بسبب خطأ (فني الإضاءة) الذي نسي استعمال فلاتر الحماية أثناء حلقة السبت الماضي. وقال مصدر مطلع من داخل مؤسسة الإذاعة والتلفزيون إن المذيعتين أصيبتا بحالة (عمى مؤقت) في الحلقة التي استمرت 3 ساعات صباح السبت الماضي، وتم نقلهما إلى مستشفى العيون التخصصي. ووفق التقرير الطبي فقد تعرضت أنسجة عيون ابوعرجة وعطيات إلى التهتك الكامل ونزيف في القرنية نتيجة شدة وحرارة الإضاءة، مما أفقدهما البصر جزئيا. ووفق الرأي الطبي في هذه الحالة تحتاج المصابتان إلى عدة أسابيع لاستعادة بصرهما كاملا. وقال المصدر إن فني الإضاءة كان يعمل قبل ثلاثة أشهر في الخدمات العامة في المؤسسة وتم تحويله في عهد المدير السابق إلى وظيفة (فني إضاءة) من دون أن يكون له أدنى خبرة في هذا المجال» انتهى.
أقول: من أعظم مآسينا في العالم العربي ومن أهم أسباب تخلفنا الحضاري إسناد المسئولية إلى غير أهلها، فنرى الجهلة وأنصاف المتعلمين يتم تعيينهم في مراكز مهمة ومناصب مؤثرة في الدولة لمجرد أن كلا منهم هو ابن المسئول أو الوجيه الفلاني أو صديق فلان من المسئولين أو يرتبط بصلة قرابة معه، ويكون التأثير السلبي أعظم وأشد وطأة حين يتم تعيين أمثال هؤلاء في الوظائف التخصصية أو في الوظائف الفنية التي تتطلب مؤهلات علمية وخبرات عملية يفتقدها (أصحاب الواو) الذين تم تعيينهم فيها بالواسطة والمحسوبية.
فني الإضاءة المذكور في الخبر آنفا والذي كاد يقضي على بصر المذيعتين هو واحد من أولئك (الطفيليين) الذين تمتلئ بهم مختلف مواقع العمل في دولنا العربية، والذين يتم تعيينهم في وظائف ومناصب ومراكز لا يستحقونها مطلقا لأنهم لا يملكون المؤهلات والخبرات الضرورية لها، فمن الطبيعي أن تكون نتيجة ذلك وبالا على بلادهم وأمتهم.
تصوروا مدى الاستهتار.. شخص يعمل (في الخدمات العامة في التلفزيون) أي ليس أكثر من موظف تافه لا مؤهل لديه ولا خبرة، يتم تعيينه من قبل المدير السابق للتلفزيون في وظيفة فنية ليحصل على مميزات الوظيفة المادية والمعنوية من دون وجه حق، فتدفع مذيعتان في التلفزيون الثمن غاليا، ونحمد الله كثيرا أنه تم إسعافهما قبل أن تفقدا بصريهما تماما وتتحولا إلى معوقتين مدى الحياة على يد ذلك (الطفيلي).
إذا أردنا لأمتنا أن تتقدم وتتطور فلابد من اجتثاث أولئك الطفيليين من دون هوادة ولا رحمة، وأن يصبح معيار الوظيفة أو المسئولية في جميع مواقع العمل الحكومي والخاص هي الكفاءة فقط، ونعني بها المؤهلات العلمية والخبرات العملية التي تعطي صاحبها القدرة التامة على نفع العباد والبلاد وتأدية المهام الوظيفية على أكمل وجه، وأن تسن القوانين الرادعة المانعة من استخدام الوساطات والمحسوبيات في التعيين والترقية في جميع المجالات، وإلا فلن تنهض هذه الأمة أبدا.
salah_fouad@hotmail.com