هوامش
المشروع الإصلاحي والمسئولية الوطنية
تاريخ النشر : السبت ٥ مايو ٢٠١٢
عبدالله الأيوبي
علينا جميعا واجب التوقف بمسئولية وطنية أمام المشهد الذي تعيشه بلادنا في الوقت الحاضر بعد الأحداث المؤسفة والأليمة التي ألمت بنا منذ الرابع عشر من فبراير من العام الماضي وتواصلها، بدرجات وبأشكال مختلفة حتى الوقت الحاضر، فنحن بحاجة إلى مثل هذه الوقفة والانطلاق من الواجب الوطني تجاه بلادنا بحيث نتدارك المزيد من الخسائر المادية والمجتمعية التي تسببت فيها تلك الأحداث والتداعيات التي أعقبتها، فمهما تصاعدت الخلافات أو الاختلافات، فإنه لا مخرج أمام الجميع سوى الالتفاف حول الراية الوطنية والعمل على تعزيز المشروع الإصلاحي الذي يمتلك من القواعد ما يكفي للبنيان فوقها وتطوير الصرح الذي تم تدشينه مع انطلاقة المشروع الإصلاحي قبل أكثر من عشر سنوات.
من حيث المبدأ والمنطق، فإنه من المستحيل أن يسير مشروع إصلاحي بحجم المشروع الذي اختارته البحرين، وخاصة بعد سنوات طويلة من غياب الممارسة الديمقراطية والحياة النيابية، أن يسير قطار هذا المشروع من دون عقبات أو عثرات، أو إخفاقات، فهناك تناقضات كثيرة ومصالح متضاربة بين مختلف قوى المجتمع ومن الطبيعي أن يتسبب اختلاف التقييم لمدى نجاح هذا المشروع أو درجة تلبيته لطموحات مختلف شرائح المجتمع وقواه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في إثارة الغبار أمام قطاره، وقد تصاب المسيرة في بعض الأحيان بالتعثر أو البطء، لكن ذلك يجب ألا يكون سببا مقبولا أو وجيها لتعطيل المشروع برمته أو اليأس من إمكانية تطويره.
فالبحرين لا تختلف عن الكثير من الدول الحديثة التجربة السياسية والديمقراطية لا يمكن أن تقطع أشواطا على طريق بناء الدولة الديمقراطية العصرية من دون عثرات وإخفاقات، ولا ننسى أن مثل هذه العثرات تحدث لأسباب مختلفة، لكن المهم التمسك بمشروع التحديث السياسي والديمقراطي والعمل على معاجلة النواقص والأخطاء التي تعتري مسيرة تنفيذه على أرض الواقع، فليس أمامنا من خيار سوى السير ببلادنا نحو الأفضل سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فهذا كله يصب في مصلحة جميع المواطنين.
فالبحرين وبغض النظر عن اختلاف المواقف التقييمية من مدى نجاح مشروع الإصلاح الديمقراطي فيها ومدى تلبيته لمتطلبات الحياة الديمقراطية أو نسبة استجابته لطموحات أبناء البحرين الذين لا يختلف أحد حول مستوى درجة الوعي السياسي التي يتحلون بها، نقول مهما تمايزت واختلفت الرؤى التقييمية لذلك، فإن المسئولية والواجب الوطنيين يفرضان على جميع القوى المجتمعية السياسية والاقتصادية وغيرها، أن تعمل على معالجة النواقص والمساعدة على تصحيح المسيرة الوطنية وتطويرها وتفويت الفرصة على من لا يريد لها أن تستمر لأن نجاحها يمكن أن يهدد مصالح فئوية تقتات على غياب الشفافية.
المتتبع لمسيرة المشروع الإصلاحي في البحرين منذ انطلاقته قبل أكثر من عشر سنوات يلاحظ أنه مر بمنعطفات وتعرجات كثيرة، فكانت هناك مقاطعة سياسية جزئية لأول انتخابات نيابية تشهدها البلاد في ظل هذا المشروع، ثم جاءت المشاركة الكاملة من الجميع في الدورتين الثانية والثالثة لتلك الانتخابات، وشهد الحراك السياسي في البحرين حالة من الانتعاش وارتفعت وتيرة المكاشفة والمصارحة السياسيتين في مشهد ديمقراطي جعل بلادنا محط أنظار مختلف القوى الإقليمية والدولية إلى أن جاءت الأحداث المؤسفة والأليمة في الرابع عشر من فبراير العام الماضي ودخلنا في دوامة من عدم الاستقرار انعكس سلبا على النسيج الوطني وكاد أن يمزقه.
في هذه الأوقات الصعبة التي تمر بها بلادنا والظروف الإقليمية المحيطة، فإننا بحاجة بحق إلى العمل من أجل اعادة الثقة بالمشروع الإصلاحي والمسيرة الديمقراطية بشكل عام، فلا مستقبل للبحرين وشعبها إلا بتطوير هذا المشروع وتعزيز المسيرة الديمقراطية، فالعالم من حولنا يتغير بالسرعة التي لا تصدق وأن قطار التطور السياسي والديمقراطي لا يمكن أن ينتظر ركابه إلى ما لا نهاية، والدول والشعوب التي يفوتها هذا القطار سوف تدفع أثمانا قد تجد نفسها غير قادرة على تحملها.
فالمصلحة الوطنية الجامعة تقتضي تعزيز ودعم قوى الاعتدال في الشارع البحريني، فقد أثبتت الأحداث الحالية وغيرها من الأحداث التي شهدتها بلادنا قبل تدشين المشروع الإصلاحي، أن التوجهات والدعوات المتطرفة كانت دائما هي السبب في تفاقم الأوضاع السياسية والأمنية، ناهيك عن أن المستفيد من مثل هذه الأوضاع هم فئة قليلة لا تهمها المصالح الجامعة لأبناء البحرين، وبالتالي فإن التوجهات المتطرفة ستعمل قدر ما تستطيع لعرقلة أي خطوة من شأنها أن تعيد الحيوية إلى الحراك السياسي السلمي في البحرين وتعزيز المسيرة الديمقراطية التي قبلت بها الغالبية العظمى من شعب البحرين حين توجهت طواعية للتصويت على ميثاق العمل الوطني.