المال و الاقتصاد
من سيحظى بثقة الناخبين لقيادة التغيير؟
تاريخ النشر : الأحد ٦ مايو ٢٠١٢
تم اقتباس كلامي وترديده على نطاق واسع، وخاصة في فرنسا، عندما قلت إن أوروبا تحتاج إلى مارغريت تاتشر ثانية. لكن إشارتي إلى تاتشر ليست بسبب أعمالها السياسية، بل لأننا لم نشهد تصويتاً فعلياً على منح صلاحيات التغيير الحقيقي في أوروبا لأحد كما شهدته بريطانيا عندما تبوأت تاتشر موقع القيادة في مايو عام 1979.
فالانتخابات في الدنمارك وإسبانيا وفنلندا والمملكة المتحدة في السنوات الماضية كانت مجرد مواقف احتجاجية على الحكومات الحالية، ولم تمثل تفويضاً لشخص معين للقيام بإصلاحات حقيقية. أما الآن، فالانتخابات الفرنسية واليونانية والهولندية تبدو أنها ستكون لصالح أولئك الذين ينكرون الولاء للاتحاد الأوروبي، ولهذا فإننا سنشهد جولة جديدة من احتجاجات الناخبين تحت شعار أن الاتحاد الأوروبي سبب كل مشاكل الدولة. فالناخبون هم ضد السلطات الحالية فقط، لكنهم لا يعرفون ما يريدون فعلاً، وهو أمر لم يتبلور في أذهانهم بوضوح حتى الآن.
الجانب الأبرز في سيرة رئيسة الوزراء تاتشر هو أنها حصلت على ثقة الناخبين وتفويضهم لها، وتصرفت بناء عليه، فأجرت إصلاحات شاملة حوّلت مسار الأمور وغيّرت حياة الناس. كانت تلك، النقطة التي أشرت إليها في حديثي، ولم أقصد أننا بحاجة الآن إلى سياسات تاتشر، على الرغم من أن وجود امرأة قوية تتمتع بالنفوذ في أوروبا سيكون له أثر إيجابي، وسيساعد في إيجاد التوازن مع القيادة الصارمة لألمانيا.
أدرك بأن ألمانيا تشعر بالتردد في قيادة أوروبا وتتقدم بحذر شديد، حتى وإن كان ذلك يعني تأخراً كبيراً عند كل منعطف، لتتجنب وقوع السيادة الألمانية في شَرَك المآزق الأوروبية. لكن ذلك ينقلني إلى النقطة التالية: لم تتسم النقاشات بالرتابة والحذر الشديدين، ولماذا نخشى كثيراً عدم الاتفاق؟ فالنقاش والصراحة هي سبيلنا الوحيد الى التعامل مع أزمة الديون الضخمة، التي يمكن معالجتها من حيث الجوهر، لكنها تخرج من نطاق السيطرة بالتدريج كلما قمنا بتفعيل المزيد من سياسات التسويف والادعاء مع مرور كل ربع مالي.
لقد حان الوقت لتولّي قيادة سياسية جادة مقاليد الأمور - فهذا ما يحتاج إليه الناخبون، وسيقفون في صفوف طويلة للتصويت إن وجدوا تلك القيادة المؤهلة. آمل أننا لم نتحول جميعنا إلى أشخاص كسولين في عصرنا الذي يقوم على وسائل التواصل الاجتماعي، وألا ننغلق على أنفسنا في فقاعاتنا الفردية الخاصة والاكتفاء بتحديث صفحاتنا على موقع الفيسبوك عبر هواتفنا الذكية وأجهزة الآي باد. فلقد كانت إعلانات بعض القمم الأوروبية التي جرت مؤخراً أشبه بتحديث للمعلومات على الفيسبوك: ((لقد قابلت أنجيلا وتناولنا عشاءً لذيذاً. يبدو الأمر جيداً، إليكم بعض الصور. أرجو أن تضغطوا زر الإعجاب بصفحتي)).
عندما يسافر المرء في أنحاء أوروبا لا يلاحظ آثار الأزمة بشكل بارز للعيان، إلا في اليونان، لكن ربما يكون ذلك لأن سياسات التقشف التي تحدثنا عنها جميعاً لم تدخل حيز التنفيذ على نطاق واسع بعد. نعم، فكل الحكومات تتحدث عن التقشف، وبعضها طبقّت بالفعل بعض الإصلاحات وأجرت تعديلات على نصوص القوانين، لا روحها. وان كانت الأمور تبدو رديئة حالياً، فما علينا سوى الانتظار لنشهد التطبيق الفعلي لسياسات التقشف خلال ما تبقى من عامي 2012 و2013، وعندها سنرى آثار الأزمة بشكل جلي.
لعلنا سنشهد أسوأ مراحل النمو الاقتصادي في الاتحاد الأوروبي خلال الفصول المالية المقبلة، ومع اشتداد الأزمة وارتفاع الضرائب وصرامة سياسات التقشف فإن الرغبة في الإصلاح الحقيقي وإنهاء حالة ((التسويف والادعاء)) الحالية ستزداد بشكل كبير، وهو أمر طيب في الحقيقة. فستنحدر الأحوال بسرعة كبيرة إلى حيث لا يمكن أن تتردى أكثر، وأنا شبه متأكد من أن شخصاً ما في مكان ما في أوروبا، وربما في ألمانيا، سيحصل قبل نهاية عام 2013 على تفويض مطلق من الناخبين، مشابه لما حصلت عليه تاتشر، ليقوم بإحداث تغيير فعلي.
لقد كانت السيدة تاتشر شخصاً استثنائياً، وما يزال صدى أعمالها وحياتها يتردد حتى يومنا هذا. وسواء أعجبنا ذلك أم لا، فإن أسلوبها في التغيير والمواجهة المباشرة والسياسة الجادة كان له أكبر الأثر في تغيير المشهد الأوروبي ككل، وليس في بريطانيا فقط. هذه هي القيادة السياسية التي نحتاج إليها للخروج من المأزق الحالي. ولنأمل بأن يتمكن الناخبون من تحديد الشخص القادر على تحقيق ذلك، والتصويت له وتسليمه زمام الأمور.
} كبير الخبراء الاقتصاديين لدى ساكسو بنك