قضايا و آراء
هل السنّة ضحايا «لعبة كبرى» جديدة؟
تاريخ النشر : الأحد ٦ مايو ٢٠١٢
يا ترى ماذا سيكون شعورك عندما تكون على يقين بأن ثمة قنبلة موقوتة بطيئة معدة للانفجار بالقرب من ديرتك بينما جميع إخوانك وجيرانك لا يأبهون لتحذيراتك؟ للأسف هذا تماماً هو ما أشعر به هذه الأيام. القنبلة الموقوتة هي العداء الإيراني وتدخّل إيران في البلدان العربية وجبروتها العسكري المتنامي. إنه تهديد خطر، وإذا لم نأخذه على محمل الجد، فسوف نستيقظ ذات يوم لنجد أن الحرس الثوري وصل إلى شواطئنا.
قبل بضعة أيام، قرأت مقالا عربيا بقلم مشاري الذايدي نشر في صحيفة «الشرق الأوسط» بعنوان: «طَرْقات على الباب الفارسي»، وما ورد فيه يعزّز مخاوفي. يستشهد الكاتب بآراء المحلل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه)، روبرت بير، الذي وضع كتاباً بعنوان: «الشيطان الذي نعرفه»، والذي يزعم أن أمريكا مخطئة بوضعها ثقتها بالأنظمة السنّية الضعيفة والتحالف معها، فهو يعتبر أن إيران الأكثر قوّة واستقراراً هي رهان أفضل وبنظره فهي ذات حضارة عريقة والعرب قوم متخلفون وأن الشيعة أكثر عقلانية من السنة. وينصح بير الولايات المتحدة بدعوة إيران إلى طاولة السلام من دون شروط مسبقة.
ويتطرّق الذايدي أيضاً إلى آراء ولي نصر، وهو محلّل أمريكي لشؤون الشرق الأوسط من أصل إيراني ومؤلّف كتاب «صحوة الشيعة». كتب نصر «لقد رحّب الشيعة بانهيار الهيمنة السنّية وزيادة احتمالات التغيير السياسي في المنطقة، وهذا ما جعلهم من حيث المبدأ أكثر استعداداً للتعاون مع الولايات المتحدة. إن مزيداً من الديمقراطية تخدم ولا شك مصالح الشيعة في المنطقة، ومن هنا نجد الصحوة الشيعية ميّالة حُكماً إلى نصرة التحوّلات الديمقراطية أكثر من السنة». لكن هذا الكلام ليس صحيحاً في الوقت الذي أظهر فيه السنّة تعطّشهم للديمقراطية خلال الربيع العربي، وهم يضحّون بحياتهم في سبيل الحكم التعدّدي في سوريا.
يتفق العديد من مراكز الأبحاث والدراسات الأمريكية مع تلك الاستنتاجات التي خلص إليها بير ونصر. لعل الرئيس محمود أحمدي نجاد يشمّ رائحة الأجواء الأكثر دفئاً التي تهبّ فوق الأطلسي باتّجاهه، ولذلك لا عجب أنه كان واثق الخطى خلال زيارته الأخيرة لجزيرة أبوموسى التي تملكها الإمارات العربية المتحدة وتحتلّها إيران، فما هي يا ترى المناطق العربية الجديدة التي يطمع الرئيس الإيراني في السطو عليها؟ إذا لم يستيقظ قادة دول مجلس التعاون الخليجي ويتنبّهوا للخطر، وهذا ما قلته مراراً وتكراراً، فقد نعرف قريباً، ويا للأسف، الجواب.
تاريخيا، صدّق قادتنا العرب وعود القوى الغربية الواهية، ولم يقرأوا جيداً بين السطور، فقد تمكّن سايكس وبيكو من رسم خريطة الشرق الأوسط بجرّة قلم عام 1916، وبعد عام، وهب بلفور فلسطين بكل سرور، مع أنها لم تكن ملكه أصلاً كي يقدّمها هبة. أما فيما يتعلّق بدول الخليج الغنية بالنفط، فقد اعتمدت تلك القوى الغربية استراتيجية أكثر تطوّراً في التعامل معها. لم تُحتَلّ بلداننا بالمعنى التقليدي للاحتلال، بل سيطرت عليها بريطانيا العظمى، ولاحقاً الولايات المتحدة.
قد تقولون: إنه تاريخ قديم. لكن من عادات التاريخ السيّئة أنه يعيد نفسه. يجب أن نرفض رفضاً قاطعاً التعامل معنا كأننا بيادق شطرنج تحرّكنا واشنطن وموسكو في لعبة جيو- استراتيجية لا تنتهي فصولها. يجب أن نُفهِمهم بوضوح شديد وبعبارات لا لبس فيها أننا لن نقبل تلقّي التعليمات، وعلينا أن نحشد إمكاناتنا الدفاعية المشتركة. نستطيع، من خلال الأهداف الموحّدة والجيوش الفاعلة، درء الخطر كي لا نُعامَل مثل لعبة يتقاذفها الآخرون من دون أن يكون لنا أيّ قدرة على تحديد مصيرنا.
قبل بضعة أسابيع، قالت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون إن الولايات المتحدة ملتزمة أمن دول الخليج، لكن الحقيقة هي أن أمريكا ملتزمة فقط تأمين مصالحها الخاصة. تركّز سياسة واشنطن في الشرق الأوسط دائماً في الإبقاء على الهيمنة الإقليمية الأمريكية عبر استخدام أسلوب «فرّق تسد» الذي أثبت من قبل قدرته على تحقيق مآربه.
تتصور أمريكا نفسها محرِّكة دمى تتحكّم بالدول الخاضعة والمنصاعة لها. خلال رئاسة جورج دبليو بوش، عندما كانت روسيا التي اعتنقت الديمقراطية حديثاً تتردّد في عرض عضلاتها، كانت الولايات المتحدة مطلَقة اليد لاجتياح العراق وأفغانستان، وإنشاء قواعد عسكرية في مختلف أنحاء الخليج وبحر قزوين.
بيد أن روسيا مختلفة في الزمن المعاصر. يندم الرئيس فلاديمير بوتين على موقفه المهادن السابق، ويبدي تصميماً على التصدّي للطموحات الأمريكية في المنطقة عبر أخذ إيران وسوريا تحت الجناح الروسي. لقد أدّت روسيا دورا مهما في التطوير النووي الإيراني، وتستخدم الآن نفوذها لإبقاء نظام الأسد الهمجي في السلطة.
لعبة السيطرة على الشرق الأوسط والخليج للأسف ليست كما تبدو للعيان. ظاهريا، الحكومتان الأمريكية والإيرانية عدوّان لدودان، لكن قد تكون هذه مجرّد حيلة كما يورد الكاتب تريتا بارسي في كتابه «تحالف غادر». ليس سرّا أن بريطانيا وأمريكا كانتا وراء إطاحة الشاه وتنصيب آية الله الخميني، ومنذ ذلك الوقت، ينشط آيات الله الإيرانيون في التعاون مع واشنطن للتخلّص من عدوّهما المشترك في أفغانستان: حركة طالبان، كما قدّموا الدعم لاجتياح العراق بقيادة الولايات المتحدة، وأصبح هذا البلد الآن تحت المظلة الإيرانية.
تعتبر إحدى النظريات الموثوقة أن الأجندة الأمريكية تتمحور في المدى الطويل حول إغواء إيران بالانضمام إلى المعسكر الأمريكي انطلاقاً من الافتراض بأن الشيعة العرب الآخرين سوف يتبعونها، وهذه إحدى المسائل التي تختلف فيها الآراء بين الولايات المتحدة وإسرائيل التي ترى في إيران تهديداً لوجودها. إذا نجحت الولايات المتحدة في استقطاب طهران إلى صفّها، فسوف تُقصى روسيا من المشهد ويُضمَن أمن إسرائيل. وهناك سابقة يُعوَّل عليها في هذا المجال. في عهد جمال عبدالناصر، أدارت مصر ظهرها للغرب لصالح التقارب مع الاتحاد السوفيتي، بيد أن الولايات المتحدة سارعت إلى استمالة خلفه أنور السادات الذي أبرم معاهدة السلام مع إسرائيل في كامب ديفيد.
نظريا، ترغب واشنطن في تعيين كيان قويّ مثل إيران وكيلاً لها في المنطقة يهتمّ بإدارة شؤونها تماماً كما كان الشاه قبل أن تصيبه أوهام العظمة. لكن بادئ ذي بدء، سوف تُضطرّ إلى التضحية بالدول ذات الغالبية السنّية. لطالما كان هدف أمريكا تقسيم العرب عبر احتواء السنّة في جيوب صغيرة يمكن التحكّم بها في مقابل تمكين الشيعة، وقد نجحت هذه السياسة في العراق.
فكِّروا في الأمر.. في خضم كل هذا العنف الطائفي الذي يشهده العراق، الاحتمال قوي بأن تتّجه البلاد نحو الانقسام إلى دولتَين أو ثلاث دول. كانت الأيادي الغربية خلف تقسيم السودان إلى كيانَين متحاربين، والدور الذي لعبته في سقوط معمر القذافي دفع بأهالي بنغازي، المدينة الثانية في ليبيا والواقعة في شرقها، إلى المطالبة بالحكم الذاتي، واليمن يتفكّك أيضاً تحت وطأة الانقسامات في الجيش والمطالب الانفصالية في الجنوب والعنف الذي يمارسه الحوثيون في الشمال ناهيك عن وجود تنظيم «القاعدة» الذي يزيد الأوضاع سوءاً. وفي كل هذه الحالات، السنّة هم الخاسرون.
يبدو، ويا للغرابة، أن نظام الأسد العلوي الموالي لإيران حصل على إذن لمواصلة القتل مادام مراقبو الأمم المتحدة يحصون الضحايا. فضلاً عن ذلك، يبدو أن الولايات المتحدة وأوروبا توصّلتا إلى نوع من التسوية بشأن تخصيب إيران لليورانيوم خلال المباحثات التي أجرتها مجموعة الخمسة زائد واحد مؤخراً في اسطنبول، مما أثار تجهّم نتنياهو ورسم ابتسامة تفاؤل على وجه أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون، ومفوّضة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون. انسوا الخطاب المناهض لإيران والحاد اللهجة الذي تسمعونه من الرئيس أوباما، فالهدف منه هو استرضاء تل أبيب واللوبي الأمريكي الموالي لإسرائيل. لا شك في أن أوباما يعمل خلف الكواليس على تدعيم الانفراج الوليد في العلاقات مع إيران.
يجب ألا نقف مكتوفي الأيدي بانتظار مفاجأة بشعة. سوف تستمرّ القوى الغربية في المساومة مع البلدان القوية القادرة على حماية مصالحها والتعاون معها، في حين أن البلدان الضعيفة التي لا تتحلّى بالنباهة الكافية للحفاظ على شرفها سوف تُسحَق تحت الأقدام.
فضلاً عن ذلك، يتوقّع الكاتب الإسرائيلي يارون فريدمان أن تتسبّب الوقائع السياسية الجديدة بعد الربيع العربي في صدامات مذهبية بين السنّة والشيعة، ويعتقد أن الخليج العربي سيكون ساحة النزاع الأساسية. بالطبع نأمل من الله سبحانه وتعالى أن يكون فريدمان هذا مخطئاً، لكن يجب أن نبقى متيقّظين لمنع انفجار الأوضاع.
ليت دول مجلس التعاون الخليجي، حكومات وشعوباً، تتنبّه لهذه النزعات الجيوسياسية الجديدة قبل أن يُقتاد مواطنو دول الخليج إلى سجون مفتوحة شبيهة بغزة، فنتمنّى عندئذٍ لو أننا نستطيع إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. يجب أن نحمي كرامتنا التي نستمدّها من سيادة بلداننا على أراضيها وحدودها، وينبغي لقادة مجلس التعاون الخليجي أن يضعوا المصالح الذاتية والخلافات الصغيرة جانباً، ويشكّلوا جبهة موحّدة لا تتزعزع. هذا هو أملنا الوحيد.
فهل من يصغ